آية رائد أبو شمة
بعدما خرج أحمد من معتقله في سجون الاحتلال وفُك آسره ، و بعد ما اندثرت سبع سنوات من حياته في السجن دون سبب صريح كل ما كتب في ملفه هو : (الشغب والتخريب ) حاله حال أغلب شباب فلسطين كما وكان أحمد من أصحاب القلم الحر فقلمه ينطق بالخبر الصحيح ما جعلعه يشكل خطر على آمن الاحتلال !
وأسفآ ،أصبح الدفاع عن الوطن والأرض والعِرض جريمة !
فكل ما يشغل باله الآن هو وطنه فلسطين و مدينته يافا فهي تشغل الحيز الأكبر من فكره، قد بلغ السيل الزبى فيها ، فهل مازال برتقال يافا يثمر لأهلها حتى الآن ؟ أما زال القمر ينير ارض المدينة
ام هجرها هو الآخر؟
وهو يفكر بأهله ،أمه ،أباه ، خطيبته ، الإهل كلهم …
لا شيء يسعف أسئلته بإجابات سوى العودة للمدينة وتفقد الحي بنفسه ، في اللحظة التي خطت قدماه داخل الحيّ ،انهال عليه جبلٌ من الذكريات وبدأت الأماكن تعرف عن نفسها وبدأت ، اللحظات الماضية بجميلها وقبيحها تترامى أمام ناظريه المحلات، والشوارع، والبيوت ،والأسواق، كلهم مازالوا هناك ولكن المفجع ان أصحابها ليسوا هناك …..
آخذ يتمشى في آرجاء الحي ويعيد ترتيب الذكريات وكأن شيءٌ من عبق الماضي يناديه فبدأ من باب بيته (منزل العم أبا أحمد) تذكر عتبة البيت القديم والكدمات التي حدثت له على أرضيتها تذكر بيت الطابون الصغير خاصة والدته ورائحة الخبز الشهية التي كانت تتناثر منه ، تذكر ورودات الحديقة وبالذات الورد الجوري الأحمر الفواح ،تذكر كلمات والده الحاج ابا أحمد التقية في كل مرة يودعه بها لينطلق لكليته كان يقول: ” الله يرضى عليك ويعطيك ع قد نيتك”
مر من بيت (عبد الحميد أفندي) وزوجه ماجدة آو (الست ماجدة) كما يسمونها وتذكر ابنتهم ( ورد ) أي خطيبته ،ورفع نظريه إلى شباك غرفتها تخيلها أمامه ، وكأن رائحتها هبت في المكان رائحة عطرها الفواحة فكانت أشبه برائحة اللافندر ، فورد من أجمل بنات البلد كناية عن جمالها هي فتاة رزينة و متعلمة وهذا ما زاد حب وتعلق أحمد فيها ولديها من الوطنية ما يوجد لدى بلد بأكملها فقد ورثت هذا عن والدها الرجل المحنك( عبد الحميد ) كم هو مشتاقٌ لها الآن …
وها هو على مشارف البلد هنا كان يقف العم حنا صاحب المقهى رجلاً طيب ومحبوب كان كل صباح يشرب من عنده مشروبه الإعتيادي آو كما يسميه (أبا حنا) مشروب المثقفون أي القهوة ، قهوة أهل يافا الأصيلة كما كان يستغرق وهلة من الزمن يومياً ليحلل كلماته :(العدرا تحميك) ، هو يذكره بالخير الآن كم كان بشوش الوجه ، رجل راقي بأخلاقه …
وغيرهم كثير مثل أم محمد صاجبة فرشة الجرجير ، أبو جواد صاحب مطعم الفلافل ، وأبو أسعد الخضرجي و جارتهم آمينة …..
وفي كل محطة من البلد هناك تسكن ذكرى أو موقف لا ينسى، فأهل حي الكرامة تجمعهم صفة مشتركة وهي محبة بعض ومحبة الارض، الآن هم ليسوا هنا وللمرة الاولى …..
نزل أحمد إلى يافا المدينة وقد أخبره أحد باعة المحلات القريبة أن أغلب سكان أهل حي الكرامة قد هاجروا لأحد مخيمات اللبنان ولو أراد لقاء أهله عليه السفر لهناك ، لم يكن عليه أن يظهر معالمه العربية لأن المكان لم يعد كذلك فقد كان يرتدي سروال مخطط عريض ،وقميص أبيض سادة مع شيالات الكتف ، وقبعة دائرية لتخفي ملامحه العربية ، كان يتجول في شوارع يافا وكأنه يتجول فيها للمرة الأولى ، الشوارع العربية أصبحت عبرية ، أهلها الأصليون ليسوا هناك يافا قد سرقت من أهلها والسارقون يتجولون فيها دون خجل ،خجل من الأرض وعربيتها ، وقدسيتها ،خجل من مبانيها العربية ،خجل من تاريخها ،فرائحة التاريخ كالقهوة تماماً لا تستطيع إطغائها مهما تبخترت الروائح في المكان ، ليس إلا لأنها رائحة الأصالة. هو الآن يفكر في عائلته أباه رجل كبير لا يقوى على العمل وأمه لم تعهد العمل يوماً ، إنه يرجو أن يكونوا بخير الآن ، فعليه أن يعمل في أي شيء ليدبر مصاريفه ويستطيع الانتقال للبنان ولكن عليه جمع المال بسرعة ليتمكن من السفر للبنان …
بدأ أحمد بالعمل لدى اليهودي المتسلط (أبا موريس ) في المقهى كان هذا الرجل مستبد وعنصري حيث كان يستغل وضع الشباب الفلسطينيون المتبقون في يافا بعد الحرب ، حيث كان يعمل لديه أربعة شباب منهم أحمد ونائل الفلسطينيان يعملان لمدة عشر ساعات يومياً ويكسبان نصف ليرة أسبوعياً وشاؤول و دافيد يعملان ست ساعات يومياً ويحصلان على ليرة كاملة أسبوعياً ، فهذه هي العنصرية على أصولهاا
فكل ما يشغل باله الآن هو وطنه فلسطين و مدينته يافا فهي تشغل الحيز الأكبر من فكره، قد بلغ السيل الزبى فيها ، فهل مازال برتقال يافا يثمر لأهلها حتى الآن ؟ أما زال القمر ينير ارض المدينة
ام هجرها هو الآخر؟
وهو يفكر بأهله ،أمه ،أباه ، خطيبته ، الإهل كلهم …
لا شيء يسعف أسئلته بإجابات سوى العودة للمدينة وتفقد الحي بنفسه ، في اللحظة التي خطت قدماه داخل الحيّ ،انهال عليه جبلٌ من الذكريات وبدأت الأماكن تعرف عن نفسها وبدأت ، اللحظات الماضية بجميلها وقبيحها تترامى أمام ناظريه المحلات، والشوارع، والبيوت ،والأسواق، كلهم مازالوا هناك ولكن المفجع ان أصحابها ليسوا هناك …..
آخذ يتمشى في آرجاء الحي ويعيد ترتيب الذكريات وكأن شيءٌ من عبق الماضي يناديه فبدأ من باب بيته (منزل العم أبا أحمد) تذكر عتبة البيت القديم والكدمات التي حدثت له على أرضيتها تذكر بيت الطابون الصغير خاصة والدته ورائحة الخبز الشهية التي كانت تتناثر منه ، تذكر ورودات الحديقة وبالذات الورد الجوري الأحمر الفواح ،تذكر كلمات والده الحاج ابا أحمد التقية في كل مرة يودعه بها لينطلق لكليته كان يقول: ” الله يرضى عليك ويعطيك ع قد نيتك”
مر من بيت (عبد الحميد أفندي) وزوجه ماجدة آو (الست ماجدة) كما يسمونها وتذكر ابنتهم ( ورد ) أي خطيبته ،ورفع نظريه إلى شباك غرفتها تخيلها أمامه ، وكأن رائحتها هبت في المكان رائحة عطرها الفواحة فكانت أشبه برائحة اللافندر ، فورد من أجمل بنات البلد كناية عن جمالها هي فتاة رزينة و متعلمة وهذا ما زاد حب وتعلق أحمد فيها ولديها من الوطنية ما يوجد لدى بلد بأكملها فقد ورثت هذا عن والدها الرجل المحنك( عبد الحميد ) كم هو مشتاقٌ لها الآن …
وها هو على مشارف البلد هنا كان يقف العم حنا صاحب المقهى رجلاً طيب ومحبوب كان كل صباح يشرب من عنده مشروبه الإعتيادي آو كما يسميه (أبا حنا) مشروب المثقفون أي القهوة ، قهوة أهل يافا الأصيلة كما كان يستغرق وهلة من الزمن يومياً ليحلل كلماته :(العدرا تحميك) ، هو يذكره بالخير الآن كم كان بشوش الوجه ، رجل راقي بأخلاقه …
وغيرهم كثير مثل أم محمد صاجبة فرشة الجرجير ، أبو جواد صاحب مطعم الفلافل ، وأبو أسعد الخضرجي و جارتهم آمينة …..
وفي كل محطة من البلد هناك تسكن ذكرى أو موقف لا ينسى، فأهل حي الكرامة تجمعهم صفة مشتركة وهي محبة بعض ومحبة الارض، الآن هم ليسوا هنا وللمرة الاولى …..
نزل أحمد إلى يافا المدينة وقد أخبره أحد باعة المحلات القريبة أن أغلب سكان أهل حي الكرامة قد هاجروا لأحد مخيمات اللبنان ولو أراد لقاء أهله عليه السفر لهناك ، لم يكن عليه أن يظهر معالمه العربية لأن المكان لم يعد كذلك فقد كان يرتدي سروال مخطط عريض ،وقميص أبيض سادة مع شيالات الكتف ، وقبعة دائرية لتخفي ملامحه العربية ، كان يتجول في شوارع يافا وكأنه يتجول فيها للمرة الأولى ، الشوارع العربية أصبحت عبرية ، أهلها الأصليون ليسوا هناك يافا قد سرقت من أهلها والسارقون يتجولون فيها دون خجل ،خجل من الأرض وعربيتها ، وقدسيتها ،خجل من مبانيها العربية ،خجل من تاريخها ،فرائحة التاريخ كالقهوة تماماً لا تستطيع إطغائها مهما تبخترت الروائح في المكان ، ليس إلا لأنها رائحة الأصالة. هو الآن يفكر في عائلته أباه رجل كبير لا يقوى على العمل وأمه لم تعهد العمل يوماً ، إنه يرجو أن يكونوا بخير الآن ، فعليه أن يعمل في أي شيء ليدبر مصاريفه ويستطيع الانتقال للبنان ولكن عليه جمع المال بسرعة ليتمكن من السفر للبنان …
بدأ أحمد بالعمل لدى اليهودي المتسلط (أبا موريس ) في المقهى كان هذا الرجل مستبد وعنصري حيث كان يستغل وضع الشباب الفلسطينيون المتبقون في يافا بعد الحرب ، حيث كان يعمل لديه أربعة شباب منهم أحمد ونائل الفلسطينيان يعملان لمدة عشر ساعات يومياً ويكسبان نصف ليرة أسبوعياً وشاؤول و دافيد يعملان ست ساعات يومياً ويحصلان على ليرة كاملة أسبوعياً ، فهذه هي العنصرية على أصولهاا
استغرق العمل مدة ثماني شهور ، بين مصاريف الحياة، وتجميع مصاريف السفر
وبعد فترة وصل لبنان وكان كمن يبحث عن الإبرة في كومة قش ، فسيتوجه لكلٍ من صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة ومار الياس وعين الحلوة ونهر البارد و….. ولعله يجد بصيص الأمل ويعثر عليهم ….
وآخيراً وبعد أسبوعين من البحث وفي مخيم برج البراجنة أخبره أحد الشبان ان هناك أناس بهذه المواصفات يسكنون هنا ، فعندما ألتقى بوالديه وأخبره أيضاً أنهم يسكنون في آخر الشارع وأوضاعهم صعبة جداً فلا معيل لهم ولا يوجد في البيت ماء آما الكهرباء فهي الرقم الصعب تأتي خمس ساعات في اليوم وما تبقى من اليوم فهو دون كهرباء ، بعد هذا الكلام كأن سيف خرق صدر ه لم يتقبل فكرة أن أهله أعزاء النفس ، حدث لهم كل هذا ، فهو بداخله أوجاع تتوزع على سكان الأرض جمعاء ، المهم انه سيتلتقي بعائلته ، وصل لآخر الشارع وكان هناك البيت حسب الوصف ، كان لون الباب أزرق حاله كحال كل أبواب وكالة الغوث ويبدو عليه أنه مهترئ طرق الباب برقة ، وبعد لحظات سمع صوتٌ حنون يلبي النداء (بمن الطارق )، انجلى عن قلب أحمد هم إنها أُمه فقال (أمي أنا أحمد )، وفي لمح البصر فُتح الباب بقوة كبيرة ورمى كل منهما نفسه في حضن الآخر ، وبعد هذا العناق الحار دخل ليرى أبآه ، ولكن نخزة من الألم قد ضربت قلبه عندما علم بأن أبآه لم يعد يقدر على الحركة لأن هناك رصاص قد اخترق قدماه مما أعجزه عن الحركة حتى أنه لا يملك كرسي متحرك بل يحمل على كرسي بلاستيكي عند التنقل ، هذا الخبر نزل كالصاعقة على رآسه ولكنه حاول تمالك نفسه وان لا يضعف أمام والده فحاول أن يغير الموضوع وسأل عن أهل الحي و ماذا حل بهم ؟
وبعد فترة وصل لبنان وكان كمن يبحث عن الإبرة في كومة قش ، فسيتوجه لكلٍ من صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة ومار الياس وعين الحلوة ونهر البارد و….. ولعله يجد بصيص الأمل ويعثر عليهم ….
وآخيراً وبعد أسبوعين من البحث وفي مخيم برج البراجنة أخبره أحد الشبان ان هناك أناس بهذه المواصفات يسكنون هنا ، فعندما ألتقى بوالديه وأخبره أيضاً أنهم يسكنون في آخر الشارع وأوضاعهم صعبة جداً فلا معيل لهم ولا يوجد في البيت ماء آما الكهرباء فهي الرقم الصعب تأتي خمس ساعات في اليوم وما تبقى من اليوم فهو دون كهرباء ، بعد هذا الكلام كأن سيف خرق صدر ه لم يتقبل فكرة أن أهله أعزاء النفس ، حدث لهم كل هذا ، فهو بداخله أوجاع تتوزع على سكان الأرض جمعاء ، المهم انه سيتلتقي بعائلته ، وصل لآخر الشارع وكان هناك البيت حسب الوصف ، كان لون الباب أزرق حاله كحال كل أبواب وكالة الغوث ويبدو عليه أنه مهترئ طرق الباب برقة ، وبعد لحظات سمع صوتٌ حنون يلبي النداء (بمن الطارق )، انجلى عن قلب أحمد هم إنها أُمه فقال (أمي أنا أحمد )، وفي لمح البصر فُتح الباب بقوة كبيرة ورمى كل منهما نفسه في حضن الآخر ، وبعد هذا العناق الحار دخل ليرى أبآه ، ولكن نخزة من الألم قد ضربت قلبه عندما علم بأن أبآه لم يعد يقدر على الحركة لأن هناك رصاص قد اخترق قدماه مما أعجزه عن الحركة حتى أنه لا يملك كرسي متحرك بل يحمل على كرسي بلاستيكي عند التنقل ، هذا الخبر نزل كالصاعقة على رآسه ولكنه حاول تمالك نفسه وان لا يضعف أمام والده فحاول أن يغير الموضوع وسأل عن أهل الحي و ماذا حل بهم ؟
طأطأ أبا أحمد رآسه وقال :آه يابني جزء منهم تهجر للمخيمات وجزء آخر بقي بيافا ، وجزء آخر لم يخرج