كتبت :مُنى حَامد
بَقلب دامي أكتُب حكاية طِفلةٌ صغيرة ، تُدعى (رنا ) مِن بيتٍ صغير في (مركز بني عبيد – محافظة الدقهليَّة ) . بَيت يُقدّر التعليم ومِن بلدة تَبني أجيالاً و تُنشِئ أَبطالاً وتُخرج عِظاماً ، وفي سبيل التَّعليم تَفعل أيّ شئ .
و هُنا و للأَسف ، تحوّل الموْقف الى مأْسويُّ ، والحياة أصبحت مُؤلمة على كافّة الأطفال ، في جوّ العَائلات وجوُّ أشبه بالقَبليَّات سادت المُقارنات وأحتدمت المُنافسة .
فالأَباء والأُمَّهات يَحلمْن بالتَميُّز لأطفالهم دوناً عنْ كُلُّ الأطفال ، ويَقف طُموحهم عِند كابوسٍ مايُدعى بِكليات القمّة ،فالذكيُّ والنابه هو طَبيب بالطَبع أو مُهندس ..
وبين المُدرّسين سَاد التَنافس وتلقِين الطفْل ، و تحفِيظ المعلومات ، ولو طالته الأيْدِي بالضرب والتوْبيخ والإِهانات ..
فكانت النتيجة طِفله رَقيقة هي ( رنا ) بَيْن ضرَب قاسي لِمُعلّمه جَريمتها أنها لا تَفقه معنى للطُفولة ولا تعلم للتَدريس نهجاً ولا تَعرف للإنْسانيَّةُ طريقاً ، وبَيْن بَيْتٌ يحلُم لإبنَتِه بِمُستقبلٍ باهرٍ كطبيبةٌ مثل إبن العَم و بِنت الخَال ، لا يَعبئُون بِمخاوِفها وهَواجِسها ما دِامت تتعلَّم وتتَفوَّق .. أَن زُهِقَت الطِفلة و وِإدَت الأحلام .
زُهِقَت رَوحُها فِعلاً ، وتجرَّعت السُم دواءً ينهي كابوساً طالما طارَدها ، وضاع الحُلم وضَاعت الطفلة وزُهِقت البَهجة .
و كانت رنا الضحِيّة ، وكم من طفلة أُخرى ننتظر لنتعلَّم أَنَّ السعادة في نفس سوِيَّة ، وطفولة ليست بالشقاء تنْمو ، أو عَلى القَسوة تنْشأ .
إنَّنَا ولو كبُرت الأطفال ،ولو عاشوا أيضاً ، فمهْما كانت الأَقدار ، فإِنَّنا الى تردّي و غداً تَزيد الضَحايا ويتَنامى العُنف ليكون مجتمعنا غَابةً ، تحكُمه نُفوساً غيرَ سَوية تربَّت بالضرب وعلى العُنف ، إِنَّنا ياسَادة نَصنع بِذرة شيطانٌ تتمدَّد.
إِنَّ المُدرسة ذاتَها رُبَّما ضحيَّة أحلام مدرسيها و عُنف أساتذتها التي توارثَتْه ، تَزيده يوماً بعد يوم تظُن أنَّه يفعل المُستحيل .
وهُنا لسْت أبداً أبرّئِها ،فهِي في قوانين السَّماء مُدانة وفي الأرضَ ملعونةٌ تُصَبُّ عليها اللَّعنات صباً .
أوقفوا الضَرب يا سَادة آباء و مُعلّمِين ؛ إِنَّه بِئس الطَريق ، أعطوا لأولادكم الحَنان و أنعموا بهم وبرُؤيتهم يَضحكون وحوْلكم يمرَحون ، دَعُوهم يكبرون وفِي أذهانِهم المدرسة ذِكرى جميلةٌ يَتحاكون بِها لأنجالِهم ، لا يُمارسون عَليهم سُلطةً و مَزيداً من عُنفكم . وَجّهُوهم باللَّين ودَعُوهم يكبُرون ، لا إِلى المَوت يَفضُون .
رَحم الله(ُ رنا )الصَّغيرة ، فربَّما تمتَدُّ حياتُها طويلا أنْ تَكون أَيقونةً تَوقف القَسوةَ في بِلادِنا ، يترحَّم عليها الصغار قبل الكبار .
في رِياض الجنَّه – حَبيبتي – بالهُدوء تنعَمين ومع فَراش الفِردَوس تمرحِين ، وصبَّر اللَّهُم أَهلَك وأَنعم عليُهم بالسَّكينة والسُلوان ، برحمَتك اللَّهم يا أرحم الراحِمين .