اسليدرالأدب و الأدباء

ريحانة الحياة

قصة قصير بقلم : هند محمد

كعادتها كل يوم تستيقظ مع دقات السابعة، تبدأ يومها بصلاة الصبح، ثم تفطر وتستعد للذهاب إلى عملها، ومع دقات الثامنة تصل المهندسة ريحانة مكتبها، وبين الزملاء والورق والمسطرة والتصميمات تمضى يومها.
هى فتاة أقرب للملائكة منها إلى البشر، الجميع يحبها، ريحانة ذات الثالثة والعشرين من عمرها، تحمل قلبا طفوليا، لها ابتسامة مشرقة، مهما كانت مشغولة أو مجهدة لا تتنحى عن مساعدة أحد.
وذات يوم وبينما هى بين زملائها وأصدقائها فى جو من المرح والضحك فى رحلة نيلية نجده ينظر إليها من بعيد يراقبها فى كل همسة، وبينما هى تبتعد عن الأصدقاء لتنفرد قليلا بنفسها متوجهة بنظرها إلى النيل، تجده يقترب منها ليهمس لها معرفًا نفسه : أنا عمر رائد بالقوات المسلحة، ظللت أبحث عن نصفى الآخر طيلة حياتى حتى وصلت الأربعين من عمرى.
نظرت العيون تحكى كلامًا اشتاقت له القلوب، وعلى جناح طائر الحب انطلق عمر ليطلب يد ريحانة من والدها، وافق الأهل، وتكللت الفرحة بالزفاف.
ارتدى عمر بدلة الفرح، وريحانة الجميلة التى حرص الجميع على مشاركتها يومها، ارتدت الثوب الأبيض والطرحة، كانت عروسة من عرائس البحور.
لكنها كانت على موعد بلقاء آخر، فبعد عقد القران، وبينما ترقص بين ذراعى زوجها، سقطت على الأرض بين يديه، جرى بها إلى المستشفى، هى لحظات ليخرج الطبيب يخبره برحيلها.
جرى عمر ودخل ليراها بفستانها الأبيض جسدًا دون روح، ملاكًا، متبسمًا، وبصوت ممتزجا بالدموع: رحلتى يا من بحثت عنك عمرى كله، سيظل القائد يبحث عن روحك فى روح كل من يحبك، سيظل يبحث في روح كل طفل ذاق حنانك، سيظل يبحث ويبحث ويستنشق ريحانك، فلن يمنعنى عنك موت، ستظلين ساكنة بداخلى.
وبعد شهور من الوفاة ظل عمر خلالها ملتزمًا الصمت، الوحدة، العزلة عن كل البشر، خطى بخطواته تجاه درج مكتبه ليخرج صورتها وينظر إليها ويحكى لها :
وحشتينى يا حبيبة القلب، مضت شهور لكن لا أزال أتنفسك بوجدانى. إن كان الموت أبعدنى عنك، فأحلامنا ستظل تجمعنا.
وبعد فترة تقترب من العام، بدأ عمر يسترد إحساسه بالحياة، فوجد أن عليه أن يعيش مع ريحانة وألا يبعده عنها الموت، وهذا يتحقق من تنفيذ كل ما حلم به معها.
ولما كانا قد عزما على بناء مجمع خيرى يشمل مستشفى ودار أيتام، ومدرسة، وجامع، قرر أن يستقيل من عمله ليتفرغ لبناء المجمع الخيرى.
ومرت السنوات واستطاع عمر أن يحقق الحلم وينتهى من بناء المجمع، وقام بتسميته.. (ريحانة الحياة).
عاش عمر يدير حلمه هو وريحانة، فبين المرضى يشعر بها وهو يمسح دموع آلامهم، وبين الطلبة يشجع طموحاتهم، وبين اليتامى يضحك ويلعب معهم وكانت كلمة بابا عمر هى النسمة التى تشفى أحزان فقدانها، وفى بيت الله كان يقيم الصلوات ويدعو للحبيبة بالرحمة وأن يلتقيا سويًا فى جنة الرحمن، هذه كانت حياة عمر بعد ريحانة التى فارقته جسدا ولكنها سكنت بروحه إلى النهاية.
وفى نفس ميعاد ذكرى وفاتها ذهب عمر إلى قبر الحبيبة بيديه الورد المعتاد فى كل زيارة، والمصحف الشريف، وضع الورد على قبرها، ثم أمسك بالمصحف وقرأ لها ماتيسر من القرآن الكريم، ثم حدثها: أدعو الرحمن أن تسعدى يا حبيبتى بتحقيق حلمنا، وكلما منحنى الله من عمر لن أكف عن العطاء، فسعادتى معك ستظل بقلبى، لن أبحث عن شريكة غيرك، فأنت بقلبى ووجدانى، لك منى حبى وحنانى، الموت لو أخذ الأجساد فروحك ساكنة الفؤاد ٠

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى