حينما تكون على أعتاب بلوغ عامك الثاني والثلاثين فحينها يتطلب الأمر أن تغير عقليتك في التعامل مع لعبة كرة القدم، فما كنت تقدمه من مجهود بدني جبار في منتصف العشرينات يصبح من الصعب تكراره في هذا السن المتقدم، التقدم في السن يجب أن يجعل اللاعب أكثر ذكاءً في التعامل مع الكرة من لمسة واحدة، وأكثر دهاءً في التعاون مع زملائه، وأكثر قدرة على قراءة الملعب.
ربما نظلم كريستيانو رونالدو مهاجم ريال مدريد هنا كون المهاجمين في الغالب لا يطلب منهم كل هذه الأمور حينما يتقدمون في السن بل يتفرغون للتمركز أمام المرمى واستغلال الفرص السانحة للتسجيل، لكن هذا الأمر ينطبق على الآخرين وليس النجم البرتغالي قلب الريال النابض وأسطورته وأفضل لاعب في العالم 4 مرات.
من تابع رونالدو في المواجهات الأخيرة، منها مواجهة ملقا، لاحظ أن النجم البرتغالي يسدد على المرمى بطريقة “غبية” إن صح التعبير، فلا يوجد وصف أفضل لما قام بهد ضد إدريس كاميني مرتين حينما كان الحارس “منسدح” على أرض الملعب، فبدلاً من التمويه ثم التسديد أو المراوغة بشكل بسيط، أو التمويه ثم اسقاط الكرة فوقه، سدد على “العمياني” بجسد الحارس مثلما كان يفعل حينما كان شاباً.
رونالدو تعامل مع الكرة وكأنه ابن العشرينات الذي يتمتع بنفس اللياقة البدنية حينما يصل المرمى فيستطيع أن يسدد الكرات بقوة بالغة نحو الزاوية بدقة تامة، فاكتشف الحقيقة مرة أخرى بأنه يخسر هذه الميزة مع مرور الوقت.
لذلك يعد التغيير الليلة ضد ريال سوسيداد أمر مثالي، النجم البرتغالي يبدو أنه قرر تطوير قدراته في هذا الجانب ليصبح أسلوب لعبه يعتمد على الذكاء والدهاء في اللمسة الواحدة، بدلاً من بذل مجهود مضاعف تكون ثمرته ضئيلة.
جميعنا لاحظنا الفرق في التعامل من رونالدو مع الانفراد ضد ملقا، والانفراد ضد ريال سوسيداد، فالليلة كانت اللمسة الحاضرة منه بهدوء وانسيابية فوق حارس المرمى، ذكاء النجم البرتغالي كان حاضراً في اللقطة فخطف هدف في غاية الأهمية للريال.
لكن ذكاء رونالدو لم يتوقف هنا، النجم البرتغالي في لقطة أخرى وضح أنه بدأ يفهم أكثر المطلوب منه في هذا السن، فحينما تواجد في وسط الملعب مع بنزيما وحصل على الكرة أمام مدافعي سوسيداد منحها بلمسة واحدة على الفور إلى زميله ماتيو كوفاسيتش، تمريرة ذكية لم يكن يأتي بها في الماضي حيث يبالغ دائماً بالاحتفاظ بالكرة قبل التمرير، ولو انتظر الليلة ثانية واحدة لقطعت الكرة منه.
اللقطة الثالثة التي أكدت ما نقوله أتت أثناء تنفيذه ركلة حرة مباشرة من زاوية جيدة له للتسديد، حينها فضل ارسال كرة ساقطة بمكر ودقة نحو زميله ألفارو موراتا الذي أحرز هدفاً ألغاه الحكم بداعي التسلل، صحيح أن البرتغالي يقدم هذه اللمحة بين الحين والآخر منذ مدة، لكن اليوم أتت في ركلة كان يستطيع تسديدها مباشرة نحو المرمى كما أنها اتسمت بدقة أكبر من السابق.
ميل رونالدو للتعامل مع الكرة بذكاء ومساعدة زملائه على مواجهة المرمى بلمسة واحدة، مع اقتناعه أخيراً بضرورة التعامل مع الكرة بهدوء أثناء مواجهة حارس المرمى بدلاً من القوة يعد أهم مكتسبات ريال مدريد الليلة.
في حال واصل البرتغالي على هذا المنوال فسوف تفتح آفاق جديدة أمام ريال مدريد لتحسين أدائه وستصبح مهمة زيدان في تقديم عمل جماعي كما يرغب أكثر سهولة، فتواجد رونالدو على الملعب يجعله مصدر اهتمام المنافس وإن استطاع أن يجذب المزيد من الاهتمام نحوه وتحرير زملائه سيصبح الريال في مستوى أفضل، ناهيك عن قدرة البرتغالي على الحسم أمام المرمى كرأس حربة.
المهم الآن الاستمرارية على هذا المنوال، هذا ما يجب أن يعمل زيدان على إقناع رونالدو به.