بدأ القلب يرقّ لنسائم رمضان، الفريضة التي أنزلها الله تعالى في كتابه الكريم:{ يا أيُّها الّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَليْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ على الّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقون} [ سورة البقرة، آية ١٨٣].
فريضة لايستطيع أن يبلغ معناها إلّا من يتأمّل في حكمة الله من وراء هذه الفريضة.
شهر رمضان يأتي مرّة في السّنة، لكنّ فضله خير من ألف سنة، والشّوق إليه يتكرّر كلّ سنة، وبه تتعايش الرّوح مع مقاصد التّقوى، وتصعد في مراتب علويّة سماويّة، فالشّعور بشهر جميل عظيم كريم، قد لا يتواجد في وقت غير رمضان، ففيه تربية ومجاهدة للنّفس على الصّبر والانضباط، ومصافحة وغسل للقلب بلملمة بقاياه المتبعثرة، وإصلاح للرّوح المُثْقلة وإعادة ترتيبها، فرمضان رياضة روحيّة توسّع الصّدر وتقوّي الإرادة، وتساعدنا على اكتشاف مواطن الخير في داخلنا.
ولابدّ من الفرح بقدوم رمضان، وهذا من علامات الإيمان، لأنّ العبادات تبعث الرّاحة والسّكينة والطّمأنينة، ولأنّ لرمضان بهجته وحركته الخاصّة في طقوسه الاجتماعيّة، كالإفطارات العائليّة ولقاءات الأصدقاء والجيران، ولكن هناك ماينغّص فرحة اللبنانيين بهذا الشّهر الفضيل، فرمضان لبنان هذا العام سيكون مختلفا بطقوسه وعاداته عن سابق الأعوام.
أزمة وباء كورونا التي تترافق مع الضّائقة الاقتصاديّة التي تسود لبنان، والوضع الصّعب الذي يتفشّى في معظم العائلات اللّبنانيّة، في ظلّ توقّف أشغال عدد كبير من معيليها، سيفرض قيودا على استقبال اللّبنانيين لشهر رمضان، وسيشعرون برداءة الوضع الاقتصاديّ أكثر في رمضان بسبب زيادة المصروف، فالبلد غارق بأزمة ماليّة خانقة، أدّت إلى تردّي الأوضاع المعيشيّة، بسبب ارتفاع جنوني لسعر الدولار مقابل اللّيرة اللبنانيّة، الذي أدّى إلى غلاء فاحش.
وأصبح آلاف الأشخاص من اللّبانبين غير قادرين على تحمّل عبء المعيشة، وباتوا يعانون بالفعل من الفقر الشّديد ومن الجوع.
رمضان هذه السّنة في لبنان، لن تتنوّع مائدة إفطاره، بسبب غلاء أسعار المواد الغذائيّة حتى الخضار، التي تعتبر من المكوّنات الأساسيّة للأطباق الرمضانيّة، فبدلا من أن يكون طبق( الفتّوش) كما كان دائما من الأطباق التّقليديّة البسيطة، ويمكن لأيّ عائلة تحمّل كلفته، سيصبح للأسف من الأطباق المُتْرفة لبعض العائلات اللّبنانيّة.
اللّبناني الذي يشتهر بالكرم والضّيافة، عندما يفرغ جيبه لن يعود قادرا على إقامة عزائم وموائد الإفطار، بالإضافة أيضا إلى معاناة اللبنانيّ، بعدم توافر متطلّبات الحياة الأساسيّة كالمياه والكهرباء التي ستسبّب له أيضا ضغطا زائدا عليه في رمضان.
إنّ رمضان هو شهر الخير والجود والعطاء، وشهر التّراحم والإحسان والشّعور مع الغير، فكلّ مايقدّمه الإنسان في رمضان، يضاعف الله تعالى عليه الأجر والثّواب، فقد كان النّبي( صلّى الله عليه وسلّم) كريما في كلّ أوقاته، ولكنّه كان أشدّ كرما في رمضان من الإحساس بالمحتاجين، والسّعي لخدمتهم، وتقديم العوْن لهم، فلنأخذ النّبي مثالا لنا ونحذو حذوَه كلّ على حسب مقدرته وخصوصا في هذه الأيّام المؤلمة والصّعبة التي نواجهها.
وفي الختام ندعو الله تعالى أن يرفع عن بلدنا لبنان الظّلم والقهر، وأن يبلّغنا رمضان وهو راضٍ عنّا ويجعله شهرا تتبدّل فيه ذنوبنا إلى حسنات، وهمومنا إلى أفراح.