رد شباب الانتفاضة على قمع الخبازين

مرة أخرى، كشفت سلطة الولي الفقيه خامنئي المفلسة عن وجهها القمعي في مواجهة الاحتجاجات المهنية والمعيشية للشعب الإيراني خلال شهر مايو/أيار 2025. فقد كان التعامل العنيف الذي مارسته قوى الأمن مع الخبازين الكادحين، الذين خرجوا للاحتجاج على ظروف اقتصادية لا تُطاق، جزءاً من هذا الاستعراض المخزي للقوة الغاشمة. هذه المواجهة الأمنية مع مطلب مهني مشروع حملت رسالة واضحة لجميع فئات المجتمع: أي شكل من أشكال المطالبة بالحقوق، حتى في أبسط مقومات الحياة، سيُقابل بالعقاب.
“لن نتوقف عن الاحتجاج والصراخ حتى تتحقق حقوقنا”
يُعد إضراب الخبازين أحد أبرز تجليات الأزمة الاقتصادية العميقة والشرخ الاجتماعي المتزايد في إيران اليوم. هذا الإضراب لم يكن مجرد رد فعل على الغلاء، والتقنين الجائر للطحين، والضغوط المعيشية فحسب، بل هو احتجاج مشروع للدفاع عن الحق في الحياة والكرامة الإنسانية. وقد أظهرت شعارات المحتجين ضد وعود الحكومة المتكررة وتجاهل النقابات الرسمية لمطالبهم، بوضوح، الانفصال التام بين جسد المجتمع الكادح وهياكل السلطة الرسمية. ولخص أحد الخبازين مأساة طبقته بمرارة قائلاً: “نحن نخبز الخبز من شدة الجوع، ولكننا لا نجد ما نأكله”. هذه الجملة ليست مجرد صرخة فردية، بل هي مؤشر على وضع عام: الفقر لا يهدد موائد الناس فحسب، بل يهدد أيضاً قدرة صانعي الخبز أنفسهم على البقاء.
وفي بيان صادر عن الخبازين المحتجين، جاء التأكيد الحاسم: “لن نسمح بعد الآن بإسكات صوت حقنا بالعنف. طالما لم تُستوفَ حقوقنا، لن نتوقف عن الاحتجاج والصراخ”. يمثل هذا الموقف علامة على مرحلة جديدة في التطورات الاجتماعية في إيران؛ مرحلة أصبح فيها الكادحون المحتجون – حتى وإن كانوا عزلاً – لاعبين مباشرين على الساحة السياسية والاجتماعية.
المقاومة المنظمة في مواجهة العنف الهيكلي للنظام
رداً على هذا القمع، نفذ شباب الانتفاضة سلسلة من العمليات في مدن مختلفة. شملت هذه العمليات تفجيرات في مراكز حكومية مثل مكاتب وزارة الإرشاد، ومقار ما يسمى بـ”لجنة تنفيذ بأمرخمینی الملعون”، والبلديات، وقواعد الباسيج. وفي مشهد على وجه الخصوص، كان الهجوم على قاعدة للباسيج بقنابل المولوتوف رداً مباشراً على العنف الممارس ضد الخبازين.
يجب فهم هذه الأعمال في إطار المقاومة المنظمة ضد العنف الهيكلي الذي يمارسه النظام الحاكم. فعندما تُغلق سبل الاحتجاج الرسمية وتكون وسائل الإعلام حكراً على السلطة، تصبح الأفعال الجريئة خارج الهياكل الرسمية، رغم خطورتها، السبيل الأخير لاستعادة الحقوق المسلوبة.
رسالة التحدي إلى مجتمع إيراني على فوهة بركان
إن نظاماً عاجزاً عن تلبية أبسط احتياجات شعبه، ويستخدم الهراوات والغاز المسيل للدموع في مواجهة المطالبة بالخبز، لا يمكنه بعد الآن الادعاء بالكفاءة أو الشرعية. وتحمل عمليات شباب الانتفاضة رسالة مفادها أن عهد الاختناق والقمع دون رد قد ولى. عندما يقوم الشعب، وخاصة الشباب، بعمليات منظمة وهادفة ضد هياكل السلطة، يجب اعتبار ذلك رداً طبيعياً على قمعية النظام المتزايدة.
ويجب فهم احتجاج الخبازين والرد المقابل من شباب الانتفاضة في سياق أوسع من النضالات الاجتماعية في إيران؛ حيث تحول مطلب “الخبز” إلى رمز “للحرية”. وكما شهدنا في الثورات الاجتماعية في القرن العشرين، عندما تُحرم الشعوب من احتياجاتها الأساسية مثل الغذاء والمسكن والكرامة الإنسانية بواسطة القمع، يتحول الشارع إلى ساحة للمقاومة.
إن النظام الذي يرد على المطالب المشروعة بقبضة حديدية، سيواجه، عاجلاً أم آجلاً، أزمة هيكلية على المستوى الوطني. إن شباب الانتفاضة، بأعمالهم، هم صوت غضب المستضعفين الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه. وبالتالي، فإن عملياتهم الأخيرة ليست نتيجة تحريض أو انفعال لحظي، بل هي جزء من عملية وعي سياسي وتنظيم اجتماعي متنامية في مواجهة حكومة لم تترك للشعب الإيراني أي طريق سوى المقاومة المنظمة والفاعلة للدفاع عن شرفه وكرامته الإنسانية. ومما لا شك فيه أن الخاسر الأول في هذه المواجهة هو ديكتاتورية الملالي الآخذة في التداعي والزوال.