كتب : أحمد عامر
تباينت ردود الأفعال بين خبراء الآثار حول تقيمهم للدكتور ممدوح الدماطي وزير الآثار، الذي تشير تكهنات بخروجه من التعديل الوزاري المرتقب الذي من المرجح أن يطيح بـ١٢ وزيرا في الحكومة التي يرأسها المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء.
المتابعون لتحركات وزير الآثار في الفترة الأخيرة يدرك سعي وزير الآثار المحموم لكسب أكبر نقاط في رصيد بقائه بعد تعرضه لعدد كبير من الأزمات مع فترة تولية حقيبة وزارة الآثار كان أبرزها أزمة ترميم قناع توت عنخ آمون الذي تسبب ترميمه الخاطئ في ضجة إعلامية عالمية أفقدت وزير الآثار كثيراً من النقاط.
ورغم محاولة الدماطي في الفترة الأخيرة إصلاح الأزمات وفتح دائرة حوار مع الإعلام بعد قطيعة شبة مستترة، إلا أن ذلك لم يغفر له الأزمات التي واجهته والتي مازالت تواجهه حتى الآن، وفي مقدمة تلك الأزمات التي مازالت تشكل خطورة كبيرة على الآثار هي مشكلة سرقة المخازن والمواقع الأثرية والتي أثيرت بشأنها إنتقادات حادة لوزير الآثار لعدم الإعلان عن نتائح الجرد، وتسببت تلك المشكلة في وضع الآثار في موقف حرج طيلة السنوات الماضية جعلت كثيراً من الأسئلة تتقاذف ويتعلق مفادها بمن وراء سر هذا التكتم…؟
الدماطي إعترف بالأسباب التي جعلته لا يعلن عن نتائج الجرد وكانت المبررات من وجهة نظره هي أن عدداً من قضايا السرقة قيد التحقيق ولا يحق له إعلان أسماء بعينها ثبت تورطها إلا بإنتهاء التحقيقات، الخطورة التي تواجه لصوص الآثار في تلك القضية هو أن عدداً كبيراً من المتورطين في سرقة الآثار التي تمت لمخازن سقارة وميت وهينة يخرجون من السجون ويعودون إلى مهام عملهم، وهو ما يثير الإحتقان الدائر بين الأثريين من تنامي الفساد داخل وزارة الآثار طيلة السنوات الماضية.
ما دفع وزير الآثار لتشكيل لجنة لجرد المخازن وكان في مقدمتها المخزن المتحفي الموجود في مدينة الفسطاط والتابع لمتحف الحضارة بعد إكتشاف واقعتين لاثنين من أمناء المتاحف يحاولان وضع تماثيل مقلدة في عهدتيهما.
كل تلك السلبيات التي تمر بها وزارة الآثار يراها عدد كبير من خبراء الآثار أنها ميراث قديم لا يمكن لوزير الآثار أن يتحمله وحده لأنه تسلم وزارة تعمل بمنطق “لحين ميسرة”، وأن مقارنة “الدماطي بشخص مثل الدكتور زاهي حواس وزير الآثار تظلمه ظلما كبيرا لأن “حواس” توافرت لديه موارد مالية كبيرة في كل العجز المادي والمديونية الكبيرة التي ورثها “الدماطي”.
وأكد خبراء الآثار أن علينا أن نحكم على وزير الآثار بالظروف التي تولى فيها حقيبة الآثار، وأن هذا الحكم سيكون عادلا في النظر إليه، إستناداً لتلك النقطة سنجد أن “الدماطي” قد حقق كثيرا من الإنجازات، وأنه تعلم الدرس مؤخراً وفهم كثيراً من تحركات الآثار وخباياها بالمقارنة بالشهور الأولى التي كان فيها يشبه الغارق في بحر من الأزمات التي قدر له أن يرثها، وفي المقابل يرى خبراء آثار أن “الدماطي” يفتقد لغياب الخطط والرؤية لكي تنهض الآثار من جديد.
الدكتور محمد عبد المقصود، منسق عام بانوراما التاريخ العسكري والمشرف على تطوير المواقع الأثرية بمحور قناة السويس أكد في هذا السياق أن وزير الآثار لو تمت مقارنته بالوزراء السابقين الذين تولوا الحكم بعد الثورة سيجد أنه الوزير الوحيد الذي حرك المياه الراكدة لسنوات في مشروعي المتحف الكبير ومتحف الحضارة، خاصة أن هذين المشروعين ظلا لسنوات طويله بعد الثورة “محلك سر” دون أن يقوم أي وزير بدفع سير العمل بداخله، والشاهد على ذلك من وجهة نظره أن مراحل كثيرة تم إنجازها في المشروعين، وأن نقل عدد كبير من القطع الأثرية لمقر المتحف الكبير من عدد كبير من المواقع الأثرية يؤكد أن هناك تغييراً ونشاطاً ملحوظاً في نهج وزير الآثار.
وأشار عبد المقصود، إلى أنه يمكن تقييم وزير الآثار بمعزل عن الظروف المادية الصعبة التي تمر بها وزارته، مضيفاً فهو الوزير الوحيد في الحكومة الذي لا يتوافر لديه ميزانية مثل بقية الوزراء في الحكومة، مؤكداً أنه من الظلم أن يتحمل وزير الآثار كل الإخفاقات وحده دون النظر للظروف المادية والمديونية التي تمر بها الآثار، والتي تخطت الـ٣ مليارات جنيه.
وأضاف، منسق عام بانوراما التاريخ العسكري: أنه ليس من المعقول أن تدار وزارة الآثار بمنطق “لحين ميسرة ” لأن أي وزير قادم سيفشل إذا لم تتوافر لديه آليات النجاح التي تنحصر في توفير ميزانية له، لافتاً إلى أن الدكتور زاهي حواس وزير الآثار كان ناجحاً في وزارته لتوافر لديه ما يقرب من مليا و٢٠٠ مليون جنيه في خزينه الآثار بالإضافة للودائع التي كانت تتوافر، وهو ما كان يمثل له درعاً حامياً يساعده على تنفيذ عدداً كبيراً من المشروعات بالمقارنة بالظروف المادية الصعبة التي يعاني منها “الدماطي” الآن وهو يدير الوزارة ويجبر على الإستدانة من الدولة لتغطية نفقات رواتب العاملين بالآثار.
وإعترف عبد المقصود بحاجة الآثار لوجود رجل ثاني يساعد وزير الآثار على دفع العمل داخل الآثار، مؤكداً أن هذا لن يتحقق إلا بالموافقة على ملف الهيكلة الخاص بالآثار، معللاً لأنها تقر نائبا للوزير ووكيلا للوزارة، ومن شأن تلك المناصب أن تساعد الوزير على الإلمام بكافة الملفات الغائبة عنه.
وشدد على أن غياب الهيكلة يؤثر بصورة كبيرة جداً على الأداء داخل الآثار، مضيفاً أن لم تتوافر ميزانية لمساعدة هؤلاء سيفشل كل الوزراء القادمين الذي سيتركهم الحظ السيئ في مواجهه نفس الظروف المادية الصعبة التي تعطل من مسيرة عملهم،وتؤدي لحدوث إخفاقات خارجة عن إرادتهم.
أما صلاح الهادي منسق نقابة الأثريين تحت التأسيس، فكان له رأي مغاير يحمل فيه وزير الآثار مسئولية الإخفاقات التي مرت بها وزارته ولا يبرأه من الخطايا التي قام بإرتكابها – على حد تعبيره- وفي مقدمتها تدهور الوضع الإجتماعي للأثري في ظل تطبيق قانون الحماية المدنية وعدم قدرة وزير الآثار على مخاطبة رئيس الوزراء على تخصيص ميزانية خاصة للآثار بدلاً من التمويل الذاتي الذي جعلها تغرق في خراب ممتد، مؤكداً أن مشاركة عدد كبير من العاملين بالآثار بالتعاون مع اللجنة النقابية للعاملين بالآثار للإحتجاج ضد قانون الحماية المدنية هو أول خطوة لمطالبة الأثريين بحقوقهم المهدرة منذ سنوات والتي لم يتحقق خلالها أيا من الوعود الوزارية التي وعد بها عدداً كبيراً من الوزراء.
وفي السياق ذاته عبر الدكتور عبد الحميد كفافي مدير التخطيط والمتابعة بوزارة الآثار عن إستيائه من تجاهل وزارة الآثار لمطالب الأثريين، مؤكداً أن ما دفع عدداً كبيراً من الأثريين للتظاهر في الوقفة الإحتجاجية هو اليأس من قدرتها على تبنى مطالبهم وهو ما جعلهم يضيقون ذرعا من التجاهل المتعمد للمسئولين.
وطالب الكفافي، وزير الآثار بتطهير الوزارة التي تعاني مادياً من المستشارين والمنتدبين من أساتذة الجامعة لأن الإبقاء على تلك السياسة يخسر الآثار كماً كبيراً من النفقات التي يجب أن تتوجة لطاقة العمل الممثلة في إقامة وتنفيذ المشاريع المتوقفة عن العمل، وأنه ليس معقولاً أن يتم إنتداب مستشارين من الخارج في ظل هذا الوضع المادي الحرج.