كتب محمد عبد الله سيد الجعفرى
منذ فشل محاولة التمرد العسكرى التركى، ويصر رجب طيب أردوغان على مهاجمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، مع تلميحات بتورط القاهرة فى الانقلاب الفاشل يوم 15 يوليو الماضى.
واستعان أردوغان بقناة الجزيرة بدلًا من الاستعانة بأى من وسائل الإعلام التركى، الأمر الذى فسره مراقبون بأنه محاولة من الرئيس التركى لصرف الانتباه عن الداخل مستغلًا القناة التى تبث بانتظام مواد تحريضية ضد النظام المصرى والرئيس عبدالفتاح السيسى لإيصال رسالة لجمهوره أنه مسيطر بالفعل على الأوضاع ولتعزيز صورته كحامى حمى الإسلام والشعوب فى المنطقة.
بالتأكيد العلاقة المتوترة بالفعل بين مصر وتركيا سوف تستمر فى التدهور، على الرغم من المحاولات السعودية الحثيثة لخلق تحالف إقليمى قوى يضم كلًا الدولتين القطبين، وهو الأمر الذى يتوقع عدد من المراقبين أن يبوء بالفشل.
يدرك أردوغان أهمية مصر، وما تمثله من ثقل فى قضايا المنطقة، وأنها التحدى أمام مشروعه الشخصى كزعيم للمنطقة والعالم الإسلامى، ولذا حاول أردوغان احتواء مصر ضمن مشروعه للهيمنة مستغلًا وصول جماعة الإخوان المسلمين، التى ينتمى إليها حزب العدالة والتنمية التركى الحاكم، إلى قمة هرم السلطة فى مصر بانتخاب محمد مرسى رئيسًا للجمهورية بعد سيطرة الجماعة على الحياة النيابية فى مصر بأغلبية فى غرفتى التشريع بالبرلمان المصرى فى 2012، ثم ما لبثت أن تبخرت تلك الأحلام مع قيام ثورة 30 يونيو والإطاحة بمرسى فى 3 يوليو 2013.
تبخرت الأحلام ولم تنته أطماع أردوغان الذى يعى الظروف المصرية الراهنة وما تمر به مصر من أزمات أدت إلى تقلص دور مصر فى قضايا محيطها الجيواستراتيجى، وهنا تأتى أهمية الدعم العربى لمصر وبالأخص الدعم السعودى القوى لمصر بعد الـ30 من يونيو سواء اقتصاديًا أو على المستوى الدولى، ويحاول أردوغان فى الفترة الحالية الضغط على النظام السعودى للاختيار بين استمرار التحالف التركى – السعودى أو استمرار دعم مصر، وهى المحاولة التى ستبوء بالفشل، فالسعودية تعالج علاقتها مع تركيا بدبلوماسية شديدة، ليس فقط للحاجة المتبادلة بين المملكة ومصر ولكن لأنها تعى أن أردوغان ليس الحليف الذى يمكن الاعتماد عليه فى صراعها مع إيران، وأنه ستظل العلاقات طيبة بين أنقرة وطهران، مهما كان حال النزاع السعودى – الإيرانى.
فى الوقت ذاته بدأت مساعٍ تركية مع كل من قبرص واليونان وإسرائيل لتعاون اقتصادى رباعى يكون محوره الرئيسى الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعى فى شرق المتوسط، للحيلولة بين مصر وبين النجاح فى استثمار تلك الاكتشافات للنهوض الاقتصادى أو لخلق مجالات تعاون أوسع بين مصر جنوب المتوسط وأوروبا فى شماله.
حتى فيما يتعلق بالقضية الأم للمنطقة وهى قضية الصراع العربى الإسرائيلى، بدأ أردوغان فى السعى لتقويض أى مبادرة للحل أو حتى العودة للمفاوضات مستغلًا علاقته الوثيقة بحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، ومحاولًا الاستفادة من عودة المياه لمجاريها بين تركيا وتل أبيب لخلق دور تركى فى الصراع.
فإحدى أكبر المشكلات التى تواجه القضية الفلسطينية هى النزاع الفلسطينى – الفلسطينى، مما يستلزم حل هذا النزاع الداخلى قبل الدخول إلى مفاوضات مباشرة مع الجانب الإسرائيلى أو السعى لحل نهائى وشامل للصراع العربى – الإسرائيلى، وحين ظهرت بوادر استقواء حمساوية بالجانب التركى قام الإسرائيليون بتسريب معلومات عن استعدادات ضخمة لعملية عسكرية موسعة على قطاع غزة، الأمر الذى فسره مراقبون بأنه تهديد قوى من إسرائيل لحركة حماس بألا تلتفت للإغراءات التركية وأن تل أبيب ترفض أى دور تركى فيما يتعلق بقضيتها مع العرب.
أردوغان الذى استجاب لمبادرة موسكو بتحسين العلاقات الثنائية بين البلدين وخصوصًا على خلفية تدهور العلاقات بين أنقرة وواشنطن، باءت محاولاته لطرح العلاقات بين روسيا ومصر محل نقاش، بالفشل، وخاصة أن موسكو ترى أن علاقتها بمصر لها أهميتها الاستراتيجية، كما أن لعلاقتها بتركيا أهمية استراتيجية لا تتمثل فى المسألة السورية فحسب، بل الأكثر أهمية لموسكو هو ما يتعلق بالحدود الجنوبية الروسية وقضايا منطقة قزوين.