بقلم : مجاهد منعثر منشد
جورج أورويل هو الاسم الأدبي المستعار للروائي الإنكليزي (إريك آرثر بلير) ولد في البنجاب بالهند 1903 , وتوفي بمرض السل 1950م في لندن .
ناقداً أدبيّاً سياسيا ثقافيّاً و كان صحافيّاً أحال الكتابة السياسيّة إلى فنٍّ راقٍ , كتب في النقد الأدبي والشعر الخيالي والصحافة الجدلية.
شخصية الكاتب جذابة وكتاباته قوية والتجول في عقله مُمتعاً.
وهو كاتباً بعيد الأفق، يرى القادم في المستقبل، وسَطَرهُ نبوةً للأجيال القادمة .
له عدة روايات منها (أيام في بورما , ابنة الكاهن , دع اسبدسترا تطير, الطريق إلى ويجان بير, الحنين إلى كاتالونيا , الخروج إلى المتنفس, وروايته الشهيرة «1984» ومزرعة الحيوانات).
تبلورت فكرة رواية (مزرعة الحيوانات) لدى أورويل عام 1937 وأنجزها نهاية 1943م .
وتم رفض طباعتها من أربعة ناشرين لدوافع متنوعة .
وعند استشارته وزارة المعلومات البريطانية حول نشرها حذرته ونصحته بلهجة شديدة من الطباعة والنشر .
وبعد ذلك نشرت عام 1945 وماتزال ممنوعة في الدول الاشتراكية كما عدها النفاد الغربيون من أفضل مائة رواية عالمية .
إذا أردنا قراءة هذه الرواية يعيدا عن أي منظور سياسي ستجدها ممتعة مسلية تعطينا تشويقا دائما حيث عبقرية الفكرة وعمق المعالجة.
وتتشابه مع كتاب الأمير لميكافيللي في قلة الصفحات وقوّة الأفكار.
وهي من الروايات الديستوبية بدايتها تشعر بأنها ضربا من الخيال وبعد الغوص بقرائتها تتجلى القيمة العظيمة لها من خلال استخدام الكاتب فن الرمزية وسهولة التشبيهات في عرض بعض صفات الأشخاص وطريقة وصولهم إلى موقع الحاكم , فكل حيوان يمثل نظيره في التاريخ الروسي ضمن الأسلوب الرمزي ,مما يشير إلى انتماء الرواية لجنس الأدب الرمزي الذي برز وانتشر بشكل واسع في القرن السابع عشر للميلاد.
تعرض الرواية تمرد الحيوانات ضد أسيادهم البشر , وتعد أنموذجا لتحريض الحركات الاجتماعية والسياسية على إسقاط المؤسسات الفاسدة .
وهي نقد اجتماعي سياسي,
إنْ أسلوب المؤلف في كتابتها كان باستخدام السخرية والهجاء للوصول إلى هدفه من الرواية وهو هدف سياسي (انتقاد الأنظمة الدكتاتورية بشكل عام والثورة الروسية ونظام الحكم الذي تلاها بشكل خاص).
وتميز أسلوبه بالسلاسة والوضوح والدقة وفي نفس الوقت بوجود خيال خصب يسمح للقارئ بالإبحار معه في أماكن وأزمنة مختلفة ولكنها مع ذلك قريبة من حياة الناس ويومياتهم.
ولذلك هذا النوع من الأساليب يجبرك على مراقبة الأحداث وتشعر بالأبطال وتدرك معنى الطغيان والخداع.
(مزرعةُ الحيوانات) عملٌ روائيّ له مكانتُه المرموقة التي استحقّها لا لمضمونه المثير فحسب، بل لقيمته الفنيّة العالية أيضاً ,فهي ذاتَ بناءٍ شديد الإحكام , إذ وظف الروائي في نصه ثلاثة مذاهب أدبية الكلاسيكية والرومانسية والواقعية ,فيعتبر ذلك مظهر تطور فكري يميز الكاتب عن غيره من الكتاب.
يصلح أن نطلق عليها الرواية العبقرية رغم مايقال من ضوابط الحكم القصصي لو كانت قصة بأنها من نوع القصص الفنتازيا , لكنها تتحدث عن نواميس الثورات وحكم الساسة والسياسة الفاسدة .
وتتبع بكل دقة تفاصيل الديكتاتورية، والهيمنة على إرادة الشعب، واستغلال طاقته، وتبديد موارده.
الرواية هي مثال حي للثورات التي تقام على المثالية ولكن بعد قيامها تتحطم كل هذه المثاليات تدريجياً حتى تختفي تماما بعد زمن قصير.
والروائي يوضح كيف يتحكّم الطاغي في الشعب؟
كيف يخدعهم بالحنكة والتحوير والتهديد والخوف؟
ويقدم جورج أورويل تحليلاً عميقاً للفكر الاستبدادي أين ما كان , هذا على ألسنة مجموعة حيوانات تعيش في مزرعة, محاكيا مراحل نشوء ذلك الفكر , اساليب صعود أصحابه الى سدة الحكم واخضاع الآخرين لسيطرتهم، ولمصالحهم وأهوائهم، بعد تصفية المنافسين والمدافعين عن مصالح عامة الشعب، من خلال الأساليب الملتوية، والأخبار الملفقة والدعاية المفبركة، والوعود الكاذبة، ومن ثم استخدام القوة في بسط السيطرة وقمع المعارضين، وتلبيسهم شتى التهم لتشويه السمعة.
ومن السُّهولةِ بمكان أن نُسقِط أحداث الرِّواية على واقِعنا العربيِّ الّذي انتقل من قيدِ الاستعمارِ والاستعبادِ بفضلِ الثّورةِ ، إلى عهدٍ تدرّج فيه الاستعباد ، بتبريراتٍ كثيرة.
وبهذا أزاح الكاتب الأدب عن دوره التقليدي بكونه فناً خيالياً تجريدياً لا يحاكي الواقع ولا يسقط في متاهاته التبسيطية إلى فن استقرائي يحاور العقل الفني، ويقدّم له نسخة أدبية لتحوّلات الوعي الإنساني المتشابك سياسياً ومعرفياً واجتماعياً.
ونختصر مفهوم هذه التحفة الأدبية بأنها تحذير من غياب العدالة الاجتماعية ومعارضة الحكم الشمولي وإيمان الكاتب بالاشتراكية الديمقراطية .