اسليدرالأدب و الأدباءمقالات واراءمنوعات ومجتمع

رؤية نقدية لرواية ( لا تجرح الياسمين ) للأستاذة رجاء حسين

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم / مجاهد منعثر الخفاجي / العراق 

الأستاذة الأديبة الكبيرة رجاء حسين من الجيل الوسطي المظلوم الذي عاصر وعاش القيم والمثل العليا في الزمن السابق الجميل، وهذا الجيل ينفرد عن غيره من الأجيال بصناعة الإنسان المتحضر الذي يمارس أدوار حياته وفق منظومة أخلاقية وإنسانية رصينة وسليمة. وأستاذتنا الأديبة الأصيلة فلاحة الأدب وصانعة للأدباء؛ فهي تزرع حروفها الرقيقة ليحصدها القارئ ويغذي أفكاره منها فتغرس فيه أن يكون أديبا ,

ثم تستمر تسقي ذلك النبات ليأكل غيرها ويتعلم , وما عليها إلا أن تبذل الجهود من أجل المجتمع وتنهض الهمم لما يفتقد , ولكن كالعادة في الوقت المعاصر أصبح بخس الحقوق أمرا شائعا، ومن يخدمنا لا نقدم له جزاءً ولا شكورا. إن حقيقة وجود هذه الأستاذة الراقية في المحفل الأدبي ثروة مصرية بشكل خاص وعربية بشكل عام ,

يجب أن تسلط الأضواء عليها في الإعلام العربي , فهي مربية جيل أدبي فضلا عن ذلك تصنع أدباء.

ومن السهل الرجوع إلى بعض المقالات والمحاضرات على وسائل التواصل، والمواقع الأدبية. و لها بعض المؤلفات الأدبية تحت الطبع منها: كتاب {تبسيط قواعد النحو والصرف}، وكتاب {تبسيط قواعد الإملاء}، وديوان شعر فصحى {مملكة قوس المطر}.

أما روايتها المطبوعة والتي نحن بصدد الكلام عنها , ( لا تجرح الياسمين) تلك الرواية ذات الطابع الإنساني الاجتماعي التي تحاكِي المجتمع العربي ولسان حالها يقول: (تظل حياتنا كلعبة بازل مفككة الأجزاء نحاول جاهدين تجميعها وإكمال الصورة , وفي الوقت الذي تكاد فيه الصورة أن تكتمل نكتشف أن هناك جزءًا ناقصاً , جزءًا مفقودًا .

ويلح السؤال: هل بالفعل لدينا القدرة على تجاهل ذلك الجزء لتسير بنا سفينة الحياة؟ قد يبدو ذلك متقبلا قبل عثورنا على ذلك الجزء الذي تكتمل به حياتنا والذي إن فُقد ثانية لا تعود الحياة كما كانت من قبل، أبدا).

أما اختيار اسم الرواية الذي نقتطف منه ((الياسمين)) ذلك العطر الهادئ المتدفق بهدوء عبر نسيم الهواء فيستنشقه الأنف برغبة ملحة ليدفع ركام صعوبة الحياة. والأستاذة عندما اختارت لروايتها اسم تلك الشجرة الطيبة و سيرا على هذا النهج نجد أنها قد فرعت منها عشرين غصنا (وهذا خلافا للنمط السائد في تقسيم الرواية إلى فصول أو أبواب ) و كأنها أرادت للقارئ أن يعيش جو الرواية بكل ما يحمله عبق الياسمين ، وقد كتبت كل غصن بإحساس مرهف يناغم الواقع , فالشجرة هي بطلة القصة التي تناولتها في صور اجتماعية عديدة وبمفردات لغوية نثرية وشعرية رائعة. ومن هذه الثمار الجميلة نتذوق معا بعضا من كلماتها الرقيقة ,

فمثلا في الغصن الحادي عشر تقول الأديبة على لسان بطل الرواية في رسالته إلى البطلة: ( ياسمينتي وريحانتي وقيثارتي ، يا ملكة الزهور، يا من تسلل عبيرها إلى ثنايا روحي ؛ فعشقتها قبل أن تراها عيناي ،وعشق قلبي تفاصيلها ، حتى قبل أن أراها رؤى العين )، وهي هنا تعبر بوضوح عن أهمية تمازج الأرواح وكونه العامل الأعمق تأثيرا في نمو العلاقات الإنسانية واستمراريتها.

و تعبيرا عن إحساس البطلة بالألم والمعاناة الصامتة تقول: (ولم تمضِ دقائق قليلة، إلا وهي تعاني جرحا جديدا يُضاف لرصيد جراحاتها السابقة، تتراكم جراحها؛ لتصنع جبلا جليديا؛ يقف عنيدا أمام أية فرصة لاجتياز أحدهما إلى جهة الآخر).

وتأخذنا المؤلفة بهدوء إلى قاعدة هامة من قواعد المنظومة الأخلاقية موضحة أهميتها بالنسبة للفتيات ألا وهي الحياء فعبرت عن ذلك بأعذب الكلمات وهي تقول على لسان البطل : شتان ما بين الأمرين , لطالما كان إعجابي الحقيقي بالفتاة التي تزين أنوثتها ((بتاج الحياء )) , قد ينجذب بعض الرجال قليلاً لذلك النوع من النساء ( مشيرة إلى الفتيات المتبجحات باسم الحرية), لكنه يكون انجذاباً مؤقتاً على أيةِ حال , ويظلٌ للرجل الشرقي خصوصيته مهما تعددت مغامراته (والكلام مازال للبطل), فالحياءُ لا ينقصُ من قدر الفتاة بل يزيدها إشراقاً وبهاء , لاشك عندي أن حياء الأنثى يجتاح ممالك الرجال , يُزلزلُ أركان عروشهم ، لهفتي الشديدة لرؤيتها كانت تغرقني في بحر إحساس جديد لم أقف على شاطئه يوماً).

تعرض فلسفة الرواية وبين ثناياها بعض أسس التعامل الإنساني الاجتماعي الذي يحاكِي الواقع الموجود في العالم العربي، ويقدم العلاجات اللازمة لكل ظاهرة، [[معاناة ومأساة ساقتها متغيرات العصور]] , ثم تعرض خلال الأحداث لمسألة قد تشغل بال الكثيرين؛ فنراها في ص [58] تناقش مسألة المشاعر وهل يا ترى نحن نتحكم بمشاعرنا بالفعل كما كانت تتصور البطلة طوال حياتها؟ وهل بالفعل نمتلك ذلك الريموت السحري لنتحكم بها وقتما نشاء وكيفما نشاء؟

أم أن هذا كله مجرد أوهام يمكن أن تتداعى في لحظة لم نحسب لها حسابا؟ وفي ص [90] من الرواية تناقش أهمية التفاعل الإيجابي بين الطبقات الاجتماعية المختلفة من خلال علاقة البطلة ياسمين بهنية زوجة الحارس وأهمية أن يقدم كل فرد ما يستطيع تقديمه ليأخذ بيد من هم أقل منه ثقافيا واجتماعيا كما فعلت هي مع هنية. ومن خلال الأحداث المتتالية في حياة البطلة تعرض لفكرة مهمة تعتبر من نسيج فلسفة القصة ففي ص [ 115]

نتفهم نظرتها للمقياس الحقيقي لحياتنا والتي لا تقاس بالأيام ولا بالسنين ولكن بمدى مانحياه من مشاعر مختلفة في تلك الحياة؛ حتى أنها وضعت وحدات جديدة لقياس العمربدلا من الأيام والسنوات.

ثم نصطدم بتساؤل هام للمرأة والرجل على حد سواء: هل الإنسان ومهما بلغت قوته في الحياة من الممكن أن يكون ضعيفا فعلا أمام من يحبه ؟ وهل تعتبر هذه المسألة حباً أ وضعفاً؟ وتناقش الرواية في عموم أحداثها ظاهرة {العنوسة الاختيارية} في المجتمع المصري ,حيث نجد بعض الفتيات وبرغبتها تضع مبررات مقنعة لذاتها للعزوف عن الزواج أو تأخيره لسنوات, في انتظار الشخص المناسب لها ولتفكيرها ؛ وبالتالي يفوتها موعد القطار وهو المفهوم الذي طالما سخرت منه البطلة .

وحسب رأيي القاصر الذي لا يوفي حق هذه الأديبة الرائعة، أقول هذا هو بالضبط ما يحتاجه المجتمع لتتحول هذه الرواية إلى دراما تلفزيونية تغذي فكرة التمسك بالقيم الأصيلة وتعيدنا إلى زمن الرومانسية الواقعية، وتضع النقاط على الحروف لبعض المشاكل التي تمس المجتمع.

ولا يسعني في النهاية إلا ان أتقدم إلى الأستاذة الأديبة / رجاء حسين بأسمى آيات التقدير و الاحترام على هذ الانجاز الثمين والكنز الدفين بين طيات العقول النيرة.

رئيس التحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

Related Articles

Back to top button