بقلم المهندس/ طارق بدراوى
يقع دير سانت كاترين في محافظة جنوب سيناء بمصر أسفل جبل كاترين أعلى الجبال الموجودة علي أرض مصر وبالقرب من جبل موسى ويقال عنه إنه أقدم دير في العالم ويعد مزارا سياحيا كبيرا حيث تقصده أفواج سياحية من جميع أنحاء العالم وهذا الدير له وضعه الخاص بين الكنائس والأديرة وله استقلاليته حيث يديره رئيس الدير وهو أسقف سيناء والذي لا يخضع لسلطة أية بطريرك أو مجمع مقدس ولكن تربطه علاقات وطيدة مع بطريرك القدس لذلك فإن إسم بطريرك القدس يذكر في القداسات التي تقام في هذا الدير على الرغم من أن الوصاية عليه كانت لفترات طويلة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية كما أن معظم رهبان وكهنة الدير من اليونانيين وليسوا عربا أو مصريين شأنهم شأن أساقفة كنيسة الروم الأرثوذكس في القدس والتي يسيطر عليها اليونانيون منذ عهود طويلة وأسقف سيناء يدير إلى جانب الدير أيضا الكنائس والمزارات المقدسة الموجودة في منطقة جنوب سيناء في منطقة الطور وواحة فيران وطرفة
وتعود بداية وصاية الكنيسة الأرثوذكسية الروسية علي دير سانت كاترين إلي أواخر القرن الرابع عشر الميلادى حيث تذكر الاسفار الروسية أن أول حج قام به الروس إلى دير سيناء كان حج الراهب أغريفيني الذي زار الديرعام 1370م ووقتها كان الحج إلى الأماكن المقدسة في فلسطين وسيناء من روسيا في تلك الحقبة عملية شاقة للغاية وكانت الرحلة من الممكن أن تستغرق عدة سنوات وكان يتوه ويهلك الكثير من الحجاج في الصحراء دون ان يعودوا الى الوطن وحدث أن قام زوسيما شماس كاتدرائية الثالوث المقدس والقديس سيرغي بضواحي موسكو عام 1419م بالحج الى سيناء وإستطاع العودة الى روسيا حيث اصدر كتابا اطلق عليه عنوان رحالة كما كتب الرحالة الروسي يليسييف في كتابه الطريق الى سيناء عام 1881م أنه قابل فلاحين روس مرتدين أزياء روسية تقليدية بقمصانهم الحمراء وأحذيتهم الجلدية على شاطئ البحر الاحمر بسيناء وقال يليسييف إن ميزة الحجاج الروس هي البساطة والإيمان بالله وإمكانياتهم الشخصية التي عمادها عدم المبالاة بالمصاعب والعقبات التي تواجههم في رحلات حجهم الأمر الذي أعجب المصريين كثيرا ولذلك لم يتعرض الحجاج الروس لحوادث إعتداءات أو سرقة أو نهب في معظم الاحوال وقد أعلن القياصرة الروس انفسهم بعد إنهيار الإمبراطورية البيزنطية في القرن الخامس عشر الميلادي رعاة رئيسيين للدين الأرثوذكسي المسيحي وهنا تحول دير القديسة كاترين في سيناء الى وصايتهم وعنايتهم الخاصة ثم أعلنت روسيا عام 1689م رسميا رعايتها للدير وذلك بسبب أن كاترينا تعتبر إحدى القديسات الأكثر عبادة في روسيا ومن المعلوم أن وسام القديسة كاترينا كان أعلى وسام يقلد للنساء الروسيات قبل عام الثورة البلشفية الروسية عام 1917م وتخليدا لهذا الحدث تم تصنيع تابوت خاص لبقايا القديسة كاترين والذى يحتفظ به إلي الآن في مذبح الكنيسة الارثوذكسية بالدير
كما يحتوي الدير على مكتبة للمخطوطات يقال إنها ثاني أكبر مكتبات المخطوطات في العالم بعد مكتبة الفاتيكان ومن بينها مخطوطات قديمة باللغة الروسية يعود تاريخها الى القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين ومقطتفات من المخطوطات المسيحية باللغة الجورجية القديمة يعود تاريخها الى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين ومما يذكر أنه كان من المعتقد حتى زمن غير بعيد أن إحدى الأيقونات المرسومة بريشة الرسام القديس أندريه روبليوف موجودة في دير القديسة كاترين لكن إتضح بعد ذلك في أواخر القرن العشرين الماضي إن أقدم أيقونة محفوظة في الدير يعود زمانها إلى القرن السادس عشر حيث أن الرسام القديس أندريه روبليوف كان يعيش في نهاية القرن الرابع عشر ومطلع القرن الخامس عشر وبالإضافة إلي ذلك فإن دير سانت كاترين بسيناء كان قبل منتصف القرن التاسع عشر يمتلك تحفة نادرة جدا يمكن مقارنتها بتحف الفاتيكان وهي مخطوطة العهدين القديم والجديد باللغة الإغريقية القديمة واللذين يعود تاريخهما الى القرن الرابع الميلادي وكان قد عثر عليها في دير القديسة كاترين وقد سلم رهبان الدير المخطوطة الى روسيا لدراستها شريطة أن تعاد فيما بعد إلى الدير لكن لم يكتب للمخطوطة العودة إلى مكانها الأصلي لأن روسيا طمعت فيها ولم ترغب في إعادتها الى الدير وطالب راعي الدير بإعادة هذه المخطوطة فقامت روسيا حينذاك بإجراء مباحثات مع راعي الدير أسفرت عن توقيع إتفاقية تقضي بإهداء المخطوطة التي أطلق عليها ميثاق سيناء لروسيا وقد أصدر الإمبراطور الروسي الكسندر الثاني عام 1869م مرسوما يقضي بمنح الدير لقاء ذلك مبلغ قدره 9 آلاف روبل روسي وأنفقت هذه الأموال لإنشاء برج أجراس في الدير لكن روسيا بعد ذلك فقدت هذه المخطوطة بسبب أن حكومة الإتحاد السوفيتي السابق والذى كانت روسيا إحدى جمهورياته والتي باعتها في عام 1933م إلي المتحف البريطاني مقابل 100 ألف جنيه إسترليني
وقد بني هذا الدير بناءا على أمر من الإمبراطورة هيلين أم الإمبراطور الروماني الشهير قسطنطين أول من اعتنق المسيحية من أباطرة الرومان ولكن الإمبراطور جستنيان هو من قام فعلياً بإستكمال البناء عام 545م لكي يحوي رفات القديسة كاترين التي كانت تعيش في الإسكندرية وكانت من عائلة أرستقراطية وثنية وقد ولدت بالإسكندرية عام 194م وكانت تسمى زوروسياو وكانت مثقفة وجميلة ورغبها الكل لجمالها ورفضت الجميع وآمنت بالمسيحية أثناء اضطهاد الإمبراطور الروماني مكسيمينوس والذى إتهمته علنا بقيامه بالتضحيات لأصنام وثنية أما هو فقد جمع 50 خطيبا من جميع أنحاء إمبراطوريته وأمرهم بمحاولة إقناعها بالإرتداد عن المسيحية ولكن العكس هو كان ماحدث فقد إعتنق هؤلاء المسيحية فأمر بتعذيبها إلى أن ماتت وهناك أسطورة تقول إن الملائكة قد حملت جثمانها وإختفت به بعد وفاتها وبعد مرور حوالى ثلاث قرون من وفاة القديسة كاترين ظهرت رفاتها المقدسة قي حلم أحد رهبان الدير الذي كان قد أقامه قسطنطين وأنها موجودة علي قمة الجبل المقام اسفله هذا الدير فتم العثور عليها ونقلت هذه الرفات ووضعت قي هيكل كنيسة الدير بتابوت بجانب الهيكل الرئيسي وما يزال الطيب المنساب من رفات القديسة يشكل أعجوبة دائمة وبعدها قام الإمبراطور جستنيان بإستكمال بناء الدير والذى أصبح يعرف بإسمها من القرن الحادي عشر الميلادى كما توجد أيضا كنيسة بالإسكندرية تحمل إسمها
ويحتوي الدير على كنيسة تاريخية بها هدايا قديمة من ملوك وأمراء منها ثريات من الفضة كما أن به بئر يقولون عنه إنه بئر موسى كما أنه قد بني حول شجرة يقال إنها شجرة موسى التي إشتعلت بها النيران فإهتدى إليها موسى ليكلم ربه ويقولون عنها أنه جرت محاولات لإستزراعها خارج الدير ولكنها باءت بالفشل وأنها لا تنمو في أي مكان آخر خارج الدير والدير يمثل قطعة من الفن التاريخي المتعدد فهناك الفسيفساء العربية والأيقونات الروسية واليونانية واللوحات الجدارية الزيتية والنقش على الشمع وغيرها من ألوان الفنون ويشمل الدير أيضا نزل للزوار والبرج الأثري المميز للأجراس الذى تم بناؤه بمنحة القيصر الروسي الكسندر الثاني هذا ويقوم على خدمة الدير بعض أفراد من بدو سيناء
وبالإضافة لرفات القديسة كاترين توجد بالدير معضمة تحوي رفات جميع الرهبان الذين عاشوا في الدير ومسموح بزيارة الدير من الصباح الباكر وحتى الظهر وبعد ذلك يغلق أبوابه أمام الزوار ليتفرغ الرهبان للعبادة ولواجباتهم الدينية ومن آداب الزيارة التي يلتزم بها جميع السياح الغربيين وغيرهم مراعاة الإحتشام في الملبس عند دخول الدير وتتوافر هناك أثواب فضفاضة يرتديها من يريد من الزوار قبل دخولهم الدير والمدخل الوحيد للدير كان عبارة عن باب صغير على إرتفاع 30 قدم وقد صمم لحماية الدير من الغرباء والدخلاء حيث كان الناس يرفعون ويدلون بصندوق يحركه نظام من الروافع والبكرات أما الآن فهناك باب صغير أسفل سور الدير ومن الجدير بالذكر أن هناك مسجد صغير قام أحد حكام مصر في العصر الفاطمي ببنائه داخل الدير حتى يحميه من الهجمات التي كان يتعرض لها من وقت لآخر كما قام نابليون بونابرت أثناء الحملة الفرنسية على مصر بتقوية السور الخارجي للدير والذي يبلغ إرتفاعه من 40 إلي 200 قدم كما قام بتعليته وأقام دفاعات محكمة حوله بعد شكاوى الرهبان من تعرض الدير لبعض الهجمات
وبخصوص وصف الدير ففى صدر الكنيسة حنية مستديرة سقفها وجوانبها محلاة بالفسيفساء وهى من أشهر الفسيفساء المسيحية فى العالم كله ولا نظير لها إلا في كنيسة أيا صوفيا بإسطنبول والتي أصبحت منحفا الآن والمنظر الرئيسى فيها يمثل السيد المسيح فى الوسط وعلى يمينه السيدة مريم العذراء وعلى يساره سيدنا موسى وعلى الجدار يوجد منظران يمثل أحدهما موسى يتلقى الشريعة فوق جبال سيناء والثانى يمثل موسى وقد ركع أمام الشجرة وإمتدت إليه من فوق لهيبها يد الله مشيرة إليه وتحت سقف هذه القبة والفسيفساء يوجد التابوت الذى وضعت داخله بقايا جثة القديسة كاترين داخل صندوقين من الفضة فى أحدهما جمجمة القديسة وفوق الصندوق تاج من الذهب المرصع بالأحجار الكريمة ويحتوى الآخر على يدها اليسرى وقد حليت بالخواتم الذهبية والفصوص الثمينة وفى الناحية الأخرى صندوقان كبيران من الفضة على كل منهما صورة القديسة كاترين وداخلهما هدايا ثمينة مما أهداه الملوك وزائرى الدير له
وبخصوص منشآت الدير فجزء منها يعود بناؤه إلى أوائل العهد البيزنطى وجزء آخر يعود إلى الفترة من القرن الحادى عشر حتى الخامس عشر الميلادى أما أقدس مكان فى الدير فيقع في منطقته الخلفية ويمكن الوصول إليه من الجانبين وهو هيكل الشجرة وهو المكان الذى يعتقد أن موسى وقف فيه عندما تجلى الله له وخاطبه هذا وقد سجل المجلس الأعلى للآثار بمصر دير سانت كاترين عام 1993م كأحد الآثار المصرية التي ترجع إلى العصر البيزنطي ويتم الوصول إليه عن طريق القاهرة السويس الصحراوى ثم عبور نفق الشهيد أحمد حمدى ثم الإتجاه جنوبا إلي رأس سدر ثم أبو زنيمة ثم الإتجاه شرقا إلى سانت كاترين ومن داخل سيناء فهناك طريق آخر يتفرع ويتجه غربا من طريق شرم الشيخ دهب كما يوجد طريق ثالث وهو الطريق الأوسط في سيناء بعد عبور نفق الشهيد أحمد حمدى ثم التوجه إلى نويبع عبر نخل ثم الإتجاه جنوبا نحو طريق نويبع دهب ثم الإتجاه غربا إلى سانت كاترين ومرفق خريطة توضح تلك الطرق هذا ويحرص كل زوار جنوب سيناء إلي زيارة هذا الدير الأثرى الهام كما أن بعض الهواة يصعدون جبل موسي المجاور له لرؤية منظر شروق الشمس في الصباح الباكر من فوقه