( مقاربة دينية اجتماعية ونفسية )
هاتفه رشيد 3/4/2017
يصارع الانسان يوميا وفي كل وقت يعيشه تقريبا تقلبات مسارات الحياة وتشعباتها وفي كل قرار مهما كان بسيطا أو حالة يعيشها يواجه اشكالية رسم خطاه ومواقفه وأحلامه وتصرفاته وردود فعله وفقا لمسارات متعددة الأوجه فينجح في هذا ويفشل في هذا ، يكون تعيسأ في هذا وسعيدا في هذا . فلا يحرمك الله كل شي ولا يمنحك كل شيء.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يبين أن ما مضت به المقادير وسبق علم الله به ، قد تمت كتابته في اللوح المحفوظ وجف القلم الذي كتب به، وامتنعت فيه الزيادة والنقصان ).. وما اللوح المحفوظ الا مخطط لمسارات الانسان التي سيعبرها أو التي سيختارها الانسان في كلا حالتيه الوعي واللاوعي . وعليه نحن غير قادرين على تغيير المسار ولكن علينا عبوره واجتيازه .
وفي الحديث الطويل الذي رواه علي رضي الله عنه بيان أن كل نفس قد كتب مكانها من الجنة والنار وقد كتبت شقية أو سعيدة ونصه: قال: (كنا في جنازة في بقيع الغرقد، ومعه مخصرة فنكس, فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: ما منكم من أحد, ما من نفس منفوسة إلا وكتب الله مكانها من الجنة والنار, وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة قال: فقال رجل: يا رسول الله, أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال: من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة, ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير عمل أهل الشقاوة, فقال: اعملوا فكل ميسر, أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة, وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ: فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل: 5- 10
فهل نفهم من حديث الرسول الكريم أنه ان كان المرء
سعيدا في حياته فهذا لأنه عمل ما يتوجب على أهل السعادة من عمل وقد يسر الله له امره ليكون سعيدا . والعكس صحيح فمن يعيش
تعيسا وشقيا في حياته ويتجرع كؤوس الحسرة والحظ العاثر في حياته لأنه سعى لتصبح حياته هكذا ؟ ام أن للرسول في قوله أبعاد اخرى علينا اخذ العبر منها ؟؟؟ و البعض ينحو بالتفكير للأسف بأن من يعيش تعيسا لأن الله غير راض عنه !! وهناك من يقول أنه انه امتحان من الله وما على الانسان إلا الصبر على هذا الامتحان وان الله سيكافؤه في الجنة ليجد السعادة الابدية هناك . وغيرها من التفسيرات عن سبب شقاء الانسان أو سعادته وغيرها من التفسيرات .
ومن ناحية أخرى كيف سنبرر لمن لا يؤمن بالله حين ننظر لهم فنجدهم سعداء وأمورهم ميسرة ومثال ذلك من نقول عنهم كثير من المشايخ بلاد الكفار حيث يعيشون حياتهم باستقرار وسعادة بطريقة أفضل بكثير مما يعيشها مثلا العالم الاسلامي المبتلي بالحروب والمشاكل والفقر بشكل عام , وبغض النظرطبعا عن الخوض الاسباب و عن التحليلات السياسية.
فهل نقول أن الله يسر أمورهم ليكونوا سعداء أم أنهم عملوا بجد ليصلوا الى ما وصلوا اليه ؟؟؟
.. وهنا لا بد من الاشارة الى تعدد و نسبية مفهوم السعادة نفسها ,
فما يسعدني قد لا يسعدك , فقد يكون المال مصدر سعادة لك ولكنه ليس كذلك بالنسبة لغيرك وغيرها وتطول قائمة الاختلافات في هذا المفهوم !! فهل يمكننا اعتبار السعادة التي يقصدها رسولنا الكريم هي الرضى والتقبل بما يتطلبه واقع الحال للتغيير سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع أو الدول.
ان كثير ممن يعيشون دورة حياتهم بتيسير ونجاح مستمر ويحققون أهدافهم يؤكدون بأن لا دخل للحظ اساسا بنجاحهم وتييسر امورهم وأنهم سعداء لأنهم سعوا وتعبوا على أنفسهم وحددوا خيارتهم بطريقه ناجحة بالأصل ليكونوا على ما هم عليه فعلا !!
السؤال هنا كيف يتحقق لهم ما يريدون دون غيرهم مما يسعون اليه وغيرهم يسعى و بجهد أيضا ولكن لا يصلون الى ما وصل اليه غيرهم من تحقيق ما يريدون و الأكثر من هذا هناك من يتحقق له ما يريد دون بذل أدنى جهد يذكر فنقول ان حظهم قوي !!!! هذا على المستوى الشخصي أو العائلي فكيف الامور اذا على المستوى شعب بأكمله فهل
نقول أنهم كشعب سعى بقوة لتحقيق ما يريد وتحقق له ذلك فعلا .
والعكس صحيح !!!حتى يسارع بعض المشايخ في التحليل وتبرير ما يحصل من مصائب شعوبهم وابتلائهم بسبب ابتعاد الناس عن الايمان والدين وانتشار الانحلال حتى يحصل لهم ما يحصل من تعاسة رغم أنهم كشعب لا يكل عن ذكر الله مثلا وهل يمكننا أن نسأل أنه هل من المعقول أن يعاقب الله شعب بكامله بسبب البعض وفقا لتحليل هؤلاء المشايخ ؟
هل هناك وجود للحظ فعلا وما هي صيغته وكيف يعمل في حياة الانسان طبعا مع التركيز في الدين أن الله كتب لنا كل مسارتنا ونصيبنا سلفا و أن ما نعيشه بإرادة الخالق فالإنسان مسير كما أنه مخير في عبور المسار الذي عليه أن يسير عليه . وعليه فان السر في اختيار المسار هو بفك الشيفرة لعبوره وفهمه علما أن تغييره وعلمه عند الله فقط ولحكمة منه ؟؟؟ ولكن هل من الممكن توقعها ؟
طبعا طوال عقود و البشرية تسعى لحل هذا السر وخوض مكنوناته ولا ريب أن العديد من الفلاسفة وأهل الفقه والدين والمهتمين بهذا المضمار كتبوا العديد من الاصدارات التي يمكن للمرء أن يستعين بها ليستكشف المسار الذي يريده لنفسه ويريحه . ومؤخرا صدرت الى الواجهة نظرية قانون الجذب يناء على تجارب أصحابها وأن السر يكمن فيه . ولفهم نظرية قانون الجذب أو السر وبمقاربتها الدينية و الاجتماعية أؤكد على أولا
أهمية العوامل الفردية وتأثير البيئة المحيطة :
طبعا لا شك من ذكر أهمية الوراثة و ومستوى الذكاء العقلي و الاجتماعي للفرد وشأن التربية وأهمية عملية التنشئة الاجتماعية و كذلك تأثير البيئة المحيطة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية حيث أنني أعتقد أن كل هذه العوامل تؤثر في تعزيز قدرة الانسان الايجابية أو السلبية الجاذبة و على توافر الايمان بذاته وثقته بنفسه وقوة تأثيره على الاخرين أو نفورهم منه .
وثانيا أهمية عمل الانسان ومثابرته على العمل وعدم اليأس والصبر :
يقول الله تعالى في كتابه العزيز ؟ . ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ سورة التوبة: 105
اذا نحن نعرف بأن الوسيلة لنتخطى مسارات حياتنا وفقا للقرآن ووفقا لما قال لنا رسولنا الكريم لنصل للسعادة ونصنع التغيير الذي يريده الله لنا فعلا هو العمل الدؤوب .
و حتى أيضا على صعيد المجتمعات كذلك الأمر أيضا فهل نتغنى بشعر أبي القاسم الشابي من فراغ. .؟
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِر…
وهكذا تبدو ان نقطة الانطلاق والتغيير التي يوجه فيها الانسان مساره هي العمل بمفهومه الشامل العقلي والروحي و أما المقود الدراماتيكي الذي يحرك هذا المسار نوعا ما فهو بقوة الايمان المطلق والذي لا يمكن ادراكه بالعقل والوعي وحده وإنما يكون بحالة العقل الباطن أي الجانب الروحي دون شائبة بما تريد وبما تؤمن به وتكون في أعماق اللاوعي واللا ادراك . نتذكر قوله تعالى في سورة البقرة 186 (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون ). ولكن هل يكفي الدعاء ليحقق الله لنا ما نريد ؟؟ الجواب طبعا لا يكفي .
ان شعلة التغيير لتحقيق الهدف تأخذ بعدها الواقعي بالعمل الجاد للوصول للهدف و بغض النظر عن كل المعيقات المنطقيه والواقعية التي أساسا يفرضها مسار العقل والمنطق وواقع الحال والظروف المحيطة بالمرء والمجتمع ككل .
ولفهم آلية العمل المطلوبة منا أورد مثالا يتكرر من الحياة : أنت تعمل في حالة الوعي والإدراك الكامل بجد وتكدح وتكافح وتناضل وتسعى وتجاهد حتى تصل لهدف ما ترغب به و من مبدأ ( من جد وجد ومن سار على الدرب وصل )ولكن للأسف ما يحصل في كثير من الاحيان أنه بالنتيجة تفشل وتحبط
وهذا لأنك واقعي ومنطقي و تفكر دوما بظروفك المحيطة وإمكانياتك والصعوبات التي ستواجهها و يضع عقلك الباطن بشكل تلقائي تلك المعوقات والصعوبات أمامك والتي تراها منطقية وتضع المبررات لنفسك للفشل و أن عجزك عن تحقيق هذا يعود لكذا وكذا وتقنع نفسك في حالة اللا شعور باستحالة تحقيقها كونك تفكر باستمرار بالظروف المعيقة حولك سواء كانت عن تجربة مسبقة لفشل سابق أم عن معرفتك بمحدودية قدراتك ولواقعك الذي تعيشه وتعقيداته .
(وهذا الامر لا ينطبق فقط على صعيد الافراد وإنما على صعيد المجتمع انظروا مجتمعنا العربي مثال تجدنا نبرر ضعفنا وعدم قدرتنا على مجاراة ركب الحضارات بسبب رؤيتنا فقط للمعوقات التي تؤخرنا من تحقيق هدفنا ونبرر لأنفسنا دوما عجزنا فنبقى في دائرة الفشل المرتبط بالذرائع ).
والغريب أن ما يحدث ان هذه المعوقات تتراكم بصورة دراماتيكية أكثر مما صورها لك عقلك وكأنك تجذب اليك هذه المعوقات دون أن تشعر و ما يحدث في الواقع وكأن كل قوى الشر والقوى السلبية الغير مرغوبة في الكون تجدها أمامك فجأة وكأنك تجذبها اليك كالمغناطيس لتعطلك وتؤخرك عن هدفك أو تمنعه ومنها ( المرض , الموت , الظلم , التآمر . الاهمال , الخيانة , ,الحسد ,الحقد والكراهية, سوء الظن ,ضعف من حولك وترددهم ، الجشع ، الطمع ،سوء الظن ولؤم من حولك …. ) وهذا ليس فقط على الصعيد الشخصي وإنما قد يكون تقريبا بنفس الصيغة على صعيد جماعات أو شعب بأكمله.
تلك القوى السلبية تجدها أمامك فجأة فتضع مشاكلك على الحظ العاثر الذي يرافقك وتبرر لنفسك عجزك عن الوصول بكل السبل ويشكل هذا النمط في عقلك حالة من تجربة تتكرر معك في كل مرة تريد فيها أمر لك أن يتحقق وتعيش هذه الدورة من الحظ العاثر . حتى يصل الحال ببعض الناس الى من يطلق عليهم ب المنحوس .
وأما عندما يكون لديك الإيمان المطلق والثقة بالنفس دون شائبة
و دون التفكير أصلا بالمعوقات والصعوبات على أنها مصدر قلق يذكر وإنما تفكر فقط انك ستصل الى ما تريد عندها ستجذب اليك ما تريده هذا لأنك
تسير مندفعا بكل قوتك لتحقيقها غير عابئ بأي معوقات لأنك في الاصل لا تراها لأنك تثق بقوة مطلقة بما تريد .
. وفي تجارب كثيرة وغريبة لبعض الناس من لا يكون لديه أي إصرار حقيقي أو أي هاجس بتحقيق ما يريد و لا فرق لديه ولا يهمه الامر حصل أم لم يحصل ولكن ما تفاجأ به أنه يحصل على ما يريد وأكثر .
وتجارب أخرى لأناس عملوا وجاهدوا للحصول على أمر ما ولكنهم فشلوا وفقدوا الامل في الحصول عليه وعندما سلموا تماما بالأمر الواقع وأنه لا فرصة لديهم واقتنعوا بأنه لم يعد يعنيهم الامر ونسوا تماما أنهم يرغبون به تفاجأ أنهم يحصلون عليه والسبب أن ما رغبوا به بقي في اعماق اللاوعي فحرك قوى الكون لمساعدته وهنا يكمن السر !!!!!
و كأن قوى الكون الايجابية تنجذب نحوك لتجلب اليك ما تريد وستجدها فجأة أمامك تسهل امورك مثل ( محبة الناس معك وتعاونهم وتساهلهم ، تعاطفهم ,التقدير ، و غيرها ) . وهذه النجاحات تجعلك تشعر بالقوة والتحفيز الذاتي أكثر فأكثر فلا تتردد وتشعر بثقة أكبر بنفسك وتعيش هذه الدورة الحياتية المستمرة من الحظ الوافر حتى يصل الحال ببعض الناس الى أن يطلق عليهم اسم المحظوظ .
وفي الحياة مفارقات عديدة فقد تكون محظوظ في جانب ومنحوس في جانب وهكذا .
ومن الهام الاشارة الى أنه خلال سعيك لما تريد قد يكون غيرك يسعى لما تريد… أي أنك وهو تلتقيان على نفس المسار أو الهدف وعندها قد يحدث الصراع والانتصار يكون لمن لديه القوة الجاذبة الاكبر . أو يكون على الاغلب الانتصار لمن يعمل على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة فيهزمك . و أما على صعيد المجتمعات فقياس هذا الأمر تقريبا نفسه ولكنه طبعا يكون في غاية التعقيد و التداخل فالصراع يدخل بلا هوادة لحدود حرب طويلة الامد تؤثر على حياة الافراد و يدفع ثمنها المنحوس والمحظوظ على حد سواء وقد يتبدل معها حظه فيصبح المنحوس محظوظ والمحظوظ منحوس .