كتب. على الحامدي
فخامة الرئيس أوباما، الزملاء الأعزاء ،
إنه لمن دواعي سروري أن أنضم إليكم في واشنطن العاصمة للمشاركة في هذه المناقشة الهامة حول الأمن النووي الدولي. وأود أن أتوجه بالشكر للرئيس أوباما والحكومة الأمريكية على ما قاما به من ترتيبات مدروسة.
قبل ستين عاما، بدأت البشرية في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وشرعت في المضي على مسار لتعزيز الأمن النووي. وعلى مدى السنوات الستين الماضية وبفضل تضافر الجهود الملموسة للمجتمع الدولي، تعزز الوعي العام بالأمن النووي إلى حد كبير، وحقق التعاون في مجال الأمن النووي نتائج مثمرة، وتحسنت قدرة الأمن النووي للبلدان بدرجة ملحوظة.
وقد أعطت عملية قمة الأمن النووي، التي بدأت في عام 2010، دفعة كبيرة للأمن النووي الدولي. وبعد مرور ست سنوات على وضع أهداف مشتركة وإقامة آليات رئيسية لرسم خطة للمستقبل، قدمنا مساهمتنا الصلبة لهذه القضية العظيمة.
وقبل عامين خلال قمة الأمن النووي الثالثة التي عقدت في لاهاي ، اقترحت ضرورة قيام الدول بإتباع نهج معقول ومنسق ومتوازن تجاه الأمن النووي ووضعه على مسار من التنمية السلمية والمستدامة. ويسرني ملاحظة أن تقدما جديدا قد أحرز في تحسين الأمن النووي العالمي خلال العامين الماضيين.
بيد أن هذا لا ينبغي أن يدعونا إلى الشعور بالرضا الذاتي والتراخي في جهودنا. فإذا نظرنا إلى أرجاء العالم، سنجد أن الساحة العالمية تشهد تغيرات عميقة مقارنة بأي وقت مضى. فثمة تهديدات وتحديات جديدة تواصل ظهورها في المجال الأمني. وصارت الأسباب الجذرية للإرهاب أبعد ما يكون عن الإزالة. ومازال الإرهاب النووي يشكل تهديدا خطيرا للأمن الدولي.
واستشرافا للمستقبل، أصبح وجود بنية أكثر قوة للأمن النووي العالمي شرطا أساسيا لتحقيق التنمية السليمة للطاقة النووية. كما إنه يمثل أيضا خطوة هامة لتعزيز الحوكمة الأمنية العالمية، وبناء نمط جديد من العلاقات الدولية، وتحسين النظام العالمي. وإن اختتام أعمال قمة الأمن النووي لن يكون نهاية مسعانا وإنما سيكون بداية لرحلة جديدة.
الزملاء الأعزاء ،
في القمة التي عقدت في لاهاي ، دعوت إلى إقامة بنية للأمن النووي العالمي تتسم بالإنصاف والتعاون مشترك الكسب. فمبدأ الإنصاف يضمن توافر أساس متين ووجود نهج تعاوني يولد قوة دفع للتنمية، فيما تمنحنا آفاق من الكسب المشترك ثقة أكبر. وجميعها معا، سيقدم ضمانا مؤسسيا قويا ومستداما للبشرية للاستفادة من الطاقة النووية بأمان. وعلينا العمل معا وبذل جهود جديدة لبلوغ هذا الهدف الكبير.
— تعزيز المدخلات السياسية والالتزام باتجاه معالجة كل من الأعراض والأسباب الجذرية. وباعتبارنا قادة دول، فنحن نتحمل مسؤولية ضمان حصول الأمن النووي على الاهتمام المناسب، ومن الضرورة بمكان تقيم وضع الإرهاب النووي الدولي على أساس منتظم. ولابد لنا من بناء إجماع دولي حول الأمن النووي المعزز، وعدم التهاون مطلقا مع الإرهاب النووي دون تمييز، ودفع التنفيذ الكامل للالتزامات القانونية والتعهدات السياسية المتعلقة بالأمن النووي، والتصدي بصورة فعالة للتحديات والتهديدات الجديدة.
وكما يقول المثل الصيني “لكي تنمو الشجرة وتزداد طولا، فهى بحاجة إلى جذور عميقة”. ونحن نريد دوما إيجاد حل يعالج السبب الجذري للمشكلة. ولابد أن نأخذ بعين الاعتبار رفاه البشرية، ونبنى نمطا جديدا من العلاقات الدولية يتسم بالتعاون القائم على الكسب المشترك، وندفع الحوكمة الأمنية العالمية بثبات، وندعم بيئة دولية سلمية ومستقرة، ونعزز التنمية والرخاء المشتركين لجميع البلدان، ونسهل التعلم المتبادل والتبادلات بين مختلف الحضارات. وبهذه الطريقة فقط يمكننا إزالة التربة الخصبة للإرهاب النووي في وقت مبكر.
— تعزيز المسؤولية الوطنية والعمل على تشديد خط للدفاع يكون مستداما. فعندما تتخذ دولة ما خيارها الخاص لتطوير الطاقة النووية، فإنها تتحمل مسؤولية لا يمكن التملص منها تجاه ضمان الأمن النووي. ومع أخذ الظروف الوطنية بعين الاعتبار، لابد لنا، على المستوى الوطني، من تخطيط إستراتيجية للأمن النووي وتنفيذها، وصياغة خطط تنموية متوسطة وطويلة الأجل، وتحسين آلية التشريع والمراقبة الخاصة بالأمن النووي، وضمان حصول العمل ذي الصلة على مدخلات ودعم كافيين.
ولن يحقق التخطيط الإستراتيجي شيئا بدون دعم يتضمن إجراءات ملموسة. فالتهديد الذي يشكله الإرهاب النووي غير متماثل ولا يمكن التنبؤ به. فالوقاية اليومية والاستجابة للأزمات لابد أن تسيران جنبا إلى جنب. ومن المهم كشف مثل هذه التهديدات ووأدها في مهدها قبل أن تصبح حقيقة وتتحول إلى أزمة، ومن المهم بناء خط دفاع أساسي، ومنع المخاطر الجديدة حيث يتلاعب الإرهابيون بالشبكة الدولية والنظام المالي لإثارة المشكلات. وعلاوة على ذلك، من المهم وضع خطة للاستجابة للأزمات تكون شاملة وذات مراحل محددة، وتقيم المخاطر بكل دقة، وتتعامل مع الحوادث بطريقة حاسمة، وتضع الوضع تحت السيطرة في الوقت المناسب.
— توطيد التعاون الدولي وتعزيز قوة دفع التنسيق من أجل تحقيق تقدم مشترك. فالإرهاب النووي هو العدو المشترك للبشرية جمعاء. والحوادث الأمنية ستكون لها تأثيرات تتجاوز الحدود الوطنية. وفي عصر التواصل والترابط، لا يمكن لأي دولة التعامل مع هذه المشكلات بمفردها، ولا يمكن لأي دولة أن تظل بمنأى عن تأثيراتها. وفي ظل الشرط الأساسي المتمثل في احترام السيادة الوطنية، يتعين على جميع البلدان المشاركة في شؤون الأمن النووي، واعتماد روح منفتحة وشاملة لإقامة مجتمع ذي مستقبل مشترك بشأن مسألة الأمن النووي.
إن المنظمات والآليات الدولية القائمة يمكن أن تكون بمثابة منصات صلبة للتعاون الدولي في مجال الأمن النووي مستقبلا. فالوكالة الدولية للطاقة الذرية يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في تنسيق ودمج الموارد العالمية من أجل الأمن النووي، وتستخدم خبرتها المهنية لخدمة جميع البلدان. وباعتبارها المنظمة الدولية الأكثر شمولا، فإن الأمم المتحدة يمكن أن تواصل الاضطلاع بدور هام. ويمكن أن تلعب منظمات وآليات أخرى دورا مفيدا ومكملا وتعزز التعاون العملي في إنفاذ القانون وغيره من المجالات. وفي إطار هذه العملية، من الضرورة بمكان استيعاب الطلب المشروع للدول النامية وتقديم يد العون لها.
— تعزيز ثقافة الأمن النووي وتهيئة مناخ من الجهود المشتركة والمنافع المتبادلة. فالعامل البشري يشكل العنصر الأهم في تدعيم بنية الأمن النووي العالمي. فالوعي بسيادة القانون، والشعور بالحاجة الملحة، والاتسام بروح الانضباط الذاتي والتنسيق تعد أمورا ذات أهمية محورية بالنسبة لثقافة الأمن النووي. وعلى هذا النحو، لابد لكل شخص يعمل في هذا المجال من إتباع هذه الإرشادات فكرا وعملا حتى يتسنى له بسهولة فهم مسؤولياته والقيام بواجباته.
ومن المهم بالمثل أن تقوم الأوساط الأكاديمية وعامة الجماهير بتعزيز الوعي إزاء الأمن النووي. ولابد لنا من تشجيع المؤسسات البحثية في جميع البلدان على متابعة تطورات الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب النووي عن كثب، والقيام بدراسات في مجال الأمن النووي بشكل نشط، وطرح توصيات ذات قيمة أكبر حول هذا العمل لتدعيم بنية الأمن النووي العالمي وتعزيز الأمن النووي لجميع البلدان. وبالإضافة إلى ذلك، لابد لنا من إتقان العمل لنشر المعرفة بشأن الأمن النووي وزيادة فهم عامة الجماهير واهتمامهم بالأمن النووي.
الزملاء الأعزاء ،
وباعتبارها أكبر دولة نامية، تلتزم الصين دائما بتطوير واستخدام الطاقة النووية في نفس الوقت الذي تضع فيه ضمان السلامة في المقام الأول. وهذا لتجسير الفجوة في إمدادات الطاقة ومواجهة التحديات التي يفرضها تغير المناخ. وتعد الصين البلد الأسرع نموا في مجال الطاقة النووية. وفي الوقت ذاته، تحافظ على سجل جيد للأمن النووي. فمنذ انعقاد القمة في لاهاي ، أحرزت الصين تقدما جديدا في مجال الأمن النووي.
— وفي سعيها إلى تحقيق الامتياز من خلال التحسين المستمر، سعت الصين جاهدة إلى استكشاف سبلا فعالة لتعزيز الأمن النووي. وقمنا بالفعل بإدراج الأمن النووي في نظام الأمن القومي للصين وتدوينه في قانون الأمن القومي وتعريف طبيعته الإستراتيجية. ونعمل باستمرار على تحسين الإطار القانوني الوطني المتعلق بالأمن النووي ودراسة إصدار قانون حول الطاقة الذرية وقانون حول الأمن النووي. وقمنا بصياغة وتنفيذ خطة عمل متوسطة إلى طويلة الأجل حول الأمن النووي، ونبذل حاليا جهودا لتحسين آليات المراقبة وإنفاذ القانون ولتطبيق عملية بناء القدرة بحيث تشمل جميع العاملين في هذه الصناعة ولتنظيم أنواع مختلفة من تدريبات المحاكاة لرفع القدرة على الاستجابة في حالات الطوارئ.
— وفي إطار التزامها بوعدها بشأن الأمن النووي، أوفت الصين بالتزاماتها الدولية وتعهداتها السياسية. وصادقت الصين على جميع الصكوك القانونية الدولية في مجال الأمن النووي، ونفذت قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بشكل مستمر ودقيق، ودعمت المبادرات الدولية المتعلقة بالأمن النووي وشاركت فيها بكل نشاط. واكتمل إنشاء مركز الامتياز للأمن النووي الذي وعدت به في القمة التي عقدت في لاهاي وذلك قبل عام من الموعد المقرر ويباشر عمله الآن في بكين؛ وتم بكل سلاسة تحويل مفاعل “مصدر النيوترون المصغر” الذي يعمل باليورانيوم عالي التخصيب والتابع لمعهد الطاقة الذرية ليبدأ في استخدام وقود من اليورانيوم منخفض التخصيب الأكثر أمنا؛ وتم إحراز تقدم إيجابي في البرنامج الذي ينفذ بمساعدة صينية ويهدف إلى تحويل مفاعل بحثي يعمل باليورانيوم عالي التخصيب في غانا.
— وتطلعا منها إلى تحقيق تعاون يقوم على الكسب المشترك، تعمل الصين بقوة على تعزيز التبادلات والتعاون الدوليين. وتدعم الصين بثبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تنفذ خطة العمل المتعلقة بالسلامة النووية وستزيد من التبرعات التي تمنحها لصندوق الأمن النووي. واتفقت الصين والوكالة الدولية للطاقة الذرية على أن تبدآ رسميا في تنفيذ الخدمة الاستشارية الدولية الأولى للحماية المادية هذا العام. وفي فبراير من العام الجاري، عقدت الصين والولايات المتحدة بنجاح الحوار السنوى الأول للأمن النووي. كما سنعمق تبادلاتنا وتعاوننا مع البلدان الأخرى ومع الأمم المتحدة ومع المبادرة العالمية لمكافحة الإرهاب النووي.
وفيما تعزز من أمنها النووي الخاص، ستدفع الصين بنشاط التعاون الدولي ذي الصلة، وتتقاسم التكنولوجيات والخبرات، وستساهم بالموارد والمنصات. وأنا هنا أعلن:
أولا، ستقوم الصين ببناء شبكة لبناء القدرة في مجال الأمن النووي. وسوف نستخدم المنصات القائمة بما فيها مركز الامتياز للأمن النووي ومركز التدريب الصيني لكشف الإشعاع بالجمارك للقيام بتدريب أفراد متخصصين في مجال الأمن النووي، وللقيام بتدريبات وتبادلات فيما يتعلق بتكنولوجيات الأمن النووي وأنشطة أخرى. ونرحب بمشاركة دول آسيا الباسيفيك، والدول الواقعة بطول “الحزام والطريق، والبلدان النامية الأخرى في مشروعات ذات صلة وسنظل نجري تعاونا وثيقا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ثانيا، ستعزز الصين نمط التعاون من أجل تحقيق استخدام أقل لليورانيوم عالي التخصيب. وسندعم جميع الدول في الوصول باستخدام اليورانيوم عالي التخصيب إلى الحد الأدنى وفقا لاحتياجاتها طالما أن الأمر قابل للتطبيق اقتصاديا وتكنولوجيا. ونحن على استعداد للبناء على “نموذج غانا” ومساعدة الدول في تحويل مفاعل “مصدر النيوترون المصغر” العامل باليورانيوم عالي التخصيب والمستورد من الصين بموجب مبدأ التطوعية والبراغماتية. وسوف نقدم للدول المهتمة الأخرى نمط التعاون متعدد الأطراف هذا في تحويل مفاعل “مصدر النيوترون المصغر” العامل باليورانيوم عالي التخصيب لتتخذ منه مرجعا لها.
ثالثا، سوف تنفذ الصين خطة العمل المتعلقة بتدعيم أمن المصادر المشعة. وللحيلولة دون سقوط الكمية الكبيرة من المصادر المشعة في أيدي الإرهابيين، سنقوم، خلال السنوات الخمس القادمة، بمراجعة المصادر المشعة داخل الصين، وتحسين النظام الأمني وإعطاء الأولوية لإجراء مراقبة في الوقت الحقيقي للمصادر المشعة المتنقلة عالية المخاطر. ونحن على استعداد لتقاسم خبراتنا مع البلدان الأخرى والعمل معها لتعزيز المراقبة الأمنية للمصادر المشعة.
رابعا، سوف تطلق الصين مبادرة الدعم التكنولوجي في مواجهة أزمة الإرهاب النووي. وسوف نقوم، جنبا إلى جنب دول ومنظمات متقاربة في الفكر، بإجراء بحوث علمية في مجالات تحليل وتتبع المواد النووية المدنية، وبتنظيم تدريبات محاكاة بشكل نشط، وبتعزيز قدرتنا على مواجهة الأزمات بشكل مشترك.
خامسا، سوف تعزز الصين نظام مراقبة أمنها الوطني للطاقة النووية. فالصين تطبق المراقبة الأمنية الأشد صرامة لضمان سلامة وأمن محطات الطاقة النووية داخل الصين وتلك المصدرة إلى أنحاء أخرى من العالم. فلا شيء يترك للصدفة. واعتمادا على المركز الوطني للبحث والتطوير من أجل تكنولوجيات مراقبة السلامة والأمن النوويين والإشعاعيين ، سنساعد الأخرين على تعزيز قدرتهم على مراقبة الأمن وسنسهم بنصيبنا في تعزيز سلامة وأمن الطاقة النووية في أرجاء العالم.
الزملاء الأعزاء ،
ما نزرعه في الربيع، ستتفح زهوره في الصيف، ويطرح ثماره في الخريف، ويقوينا طوال الشتاء. وكلما كان حرثنا أكبر، سيكون حصادنا أكثر. وطالما أننا نتعاون بنية صادقة ونواصل تعزيز الأمن النووي، ستقدم الطاقة النووية بكل تأكيد مستقبلا أكثر إشراقا للبشرية.