القاهرة . أ ف ق
أولا يجب الإعتراف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان صادقاً ومتسقاً مع نفسه ، ومع برنامجه الإنتخابي ، الذي حظي بموجبه على أصوات الناخبين الأمريكيين الذين أوصلوه للبيت الأبيض .
فهو طوال حملته الإنتخابية كان قد وعد الأمريكيين بمواجهة الإرهاب خارج وداخل أمريكا ، عن طريق مواجهة تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط ، والضغط على الدول الراعية والممولة لتلك التنظيمات مثل المملكة العربية السعودية وقطر ، وبعض دول الشرق الأوسط ، لحماية العالم ، وعلى الأخص العالم الغربي ، من خطر إنتشار الإرهاب ، وتنامي الحوادث الإرهابية داخلها .
ومن جانب أخر مراقبة والحد من الهجرة لأمريكا من الدول التي تنشط بها تلك التنظيمات الإرهابية خاصة بعد ما أُطلق عليه ” الربيع العربي ” ، والذي اتهم إدارة أوباما بصنعه وتقويته ، وأيضاً وقف برنامج ” اللجوء إلى أمريكا ” الذي أطلقته إدارة أوباما لإستقبال اللاجئين من منطقة الشرق الأوسط ، وإدماجهم داخل المجتمع الأمريكي .
ويأتي قراره الأخير متطابقاً تماماً مع برنامجه الذي قدمه للشعب الأمريكي ، ونال أصواته بموجبه .
ولو نظرنا لقائمة الدول العربية التي شملها قرار ترامب الأخير بالإضافة إلى إيران ، سنجد أنها بالفعل دول تنشط فيها تلك الميليشيات الإرهابية التي تعمل تحت راية الإسلام بشكل كبير ، وهل ينكر أحد أن العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال هي من تلك الدول ؟! ، وأن البعض منها تم تفكيكه ، والبقية في طور التفكيك باستخدام هذه الميليشيات ، وأن بعض هذه الدول قد سقطت فيها الدولة بمعناها المعروف ، ومنها ما أصبحت محكومة عن طريق تلك الميليشيات ؟ .
أما ما يُقال عن رفض الأمريكيين لتلك القرارات ، فهو محض إفتراء وكذب ، لأن جُل الرافضين لقرارات ترامب هم من مجتمع النخبة الأمريكية في الشاطئين الشرقي والغربي الموالية لإدارة باراك أوباما / هيلاري كلينتون ، وهُم على الأخص من لوبي المال والسلاح في أمريكا ، ودوائر المستفيدين من الكارثة التي خططت لها تلك الإدارة في منطقة الشرق الأوسط ، عن طريق زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية للمنطقة ، بل وتصدير الأسلحة للميليشيات التي تتقاتل على الأرض العربية !!! .
ولكن ما هو القرار التنفيذي الذي يصدره الرئيس طبقاً للدستور الأمريكي ؟ .
———————————————————————-
هو توجيه ملزم قانونا يصدر من الرئيس لمسئولى الحكومة والوكالات الحكومية ، لا يمكن نقضه من قبل الكونجرس . ويسمح للرئيس قانونا ، باتخاذ قرارات كبرى ، دون موافقة النواب .
وهو يشبه إلى حد ما ” نظرية قرارات السيادة ” التي أخذ بها مجلس الدولة الفرنسي ، وتبعه بعدها مجلس الدولة المصري ، وعدد من الدول التي نقلت عن فرنسا وجود جهة قضاء إداري مستقلة عن القضاء العادي .
وفى حين أن الدستور الأمريكى في مادته الثانية يمنح الرئيس الحق فى إصدار القرار باعتباره سلطة تنفيذية ، فلا يوجد بند محدد يسمح باستخدام مثل هذه القرارات ، مما يجعلها متاحة لاختبارها أمام القضاء ، كما أن هذه القرارات محدودة فى نطاقها ومدتها ، وليست واسعة مثل التشريعات التي تصدر عن الكونجرس ، وقد رأينا أن قرار ترامب قد أصدره في إطار مهلة زمنية قدرها 90 يوماً .
ولا تستطيع المحاكم الأمريكية في الولايات إلغاء القرار التنفيذي الصادر من الرئيس ، ولكنها تستطيع فقط الحكم بوقف تنفيذه ، وهو حكم ليس له حجية إلا داخل الولاية التي أصدرت محكمتها الحكم بوقف التنفيذ ، كما أنها أحكام – لو صدرت – غير قابلة للتنفيذ ، بحسبان أن التأشيرات التي تُمنح لدخول الولايات المتحدة ، تصدر من وزارة الخارجية التابعة للرئيس .
ولكن المحكمة العليا ( الفيدرالية ) هي الجهة الوحيدة التي تملك إلغاء القرار التنفيذي الصادر من الرئيس إذا تبين لها مخالفته للدستور .
وطوال تاريخها لم تقم المحكمة العليا سوى بإلغاء قرارين تنفيذيين فقط ، من بين 133 ألف قرار تنفيذي أصدرها الرؤساء الأمريكيون ، كان من بينهم 3721 قراراً أصدرهم الرئيس فرانكلين روزفلت وحده ( 1933 – 1945 ) .
كما أن الكونجرس لا يستطيع إلغاء القرار التنفيذي إلا بأغلبية ثلثي المجلسين ( الشيوخ والنواب ) ، أو معاكسة الرئيس برفض تمويل تكلفة تنفيذ قراره .
فإذا علمنا أن أغلبية الكونجرس جمهورية ، كما أن رئيس وقضاة المحكمة العليا يعينهم الرئيس نفسه ، فتضحى المراهنة على إلغاء قرارات ترامب في هذا الشأن محضاً من الخيال .
نأتي إلى أزمة اللاجئين التي يحكمها شقان :
– الشق الأول قانوني وإنساني :
————————–
وهو يتم استناداً لمعاهدة چنيف الصادرة عام 19511 ، والتعديلات التي أجريت عليها ، وأهمها تعديل عام 1967 . حيث تقدم اتفاقية 1951 في مادتها الأولى تحديداً لمصطلح اللاجئ “Refugee”، وتقررأنه ينطبق على ” أي شخص يوجد نتيجة لأحداث وقعت قبل الأول من يناير سنة 1951 وبسبب تخوف له ما يبرره من التعرض لاضطهاده لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية خارج دولة جنسيته وغير قادر أو لا يريد بسبب ذلك التخوف أن يستظل بحماية دولته ، أو كل شخص لا يتمتع بجنسية ويوجد خارج دولة إقامته المعتادة بسبب تلك الظروف ، ولا يستطيع أو غير راغب بسبب هذا التخوف أن يعود إلى تلك الدولة ” ، وتضع الاتفاقية الحد الأدنى لمعاملة اللاجئين ، بما في ذلك الحقوق الأساسية التي يستحقونها ، كما تحدد كذلك المركز القانوني لهم ، وتنطوي على أحكام بشأن حقوقهم في الحصول على عمل ذي عائد ، وعلى رعاية فيما يتعلق بحصولهم على بطاقات هوية شخصية ووثائق سفر ، وأن تكون لهم معاملاتهم وحقهم في تحويل أموالهم إلى الدولة الأخرى التي قبلتهم لغرض إعادة استقرارهم .
– أسباب اللجوء فى القانون الدولي:
وردت فى اتفاقية الأمم المتحدة بخصوص اللاجئين عام 19511 وبروتوكول الأمم المتحدة بشأن الملجأ الإقليمي عام 1967 الأسباب الداعية لقبول اللاجئ ، وهى على النحو التالي :
11 – الخوف : ويقصد به ما كان ناتجاً عن التعرض للتعذيب والاضطهاد ، وهو حالة نفسية تستدعي من اللاجئ الهروب إلى مكان يشعر فيه بالأمان .
22 – الاضطهاد : وهو ما كان ناتجاً عن التعرض والتهديد للحياة والحرية ، وانتهاك حقوق الإنسان التي نصت عليها الإعلانات والمواثيق الدولية .
3 – التمييز : وهو يطلق على الاختلافات فى المعاملة ، والحقوق والفرص ، مما يولد شعوراً بعدم الأمان .
4 – العرق : ويطلق علي الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة تشكل أقلية ضمن مجموعة من السكان .
5 – الدين : وهو المعتقد الذى يعتنقه الإنسان ، والحرية الدينية مكفولة وفق الإعلانات والمواثيق الدولية .
66 – الانتماء : يكون الانتماء سبباً من أسباب اللجوء ، إذا انعدمت الثقة فى ولاء هذه الفئة أو تلك للنظام السياسى الحاكم ، مما يعرضها للملاحقة والاضطهاد .
77 – الرأى السياسى : وهو ناتج عن اعتناق أراء سياسية مخالفة لما يعتقده النظام السياسى الحاكم ، مما يؤدى إلى الخوف من الاضطهاد ، إلا أن ذلك الخوف لابد أن يكون له ما يبرره من انتهاكات فعلية كالسجن أوالتضييق .
وقد تم التوسع في أسباب اللجوء بعد بروتوكول 19677 طبقاً لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي واللجنة التنفيذية للمفوضية العليا ، حيث تم تمديد الحماية إلى : ” الأشخاص المجبرين على البحث عن الملجأ خارج بلادهم الأصلية ، أو بلد الجنسية ، بسبب العدوان الخارجي ، أو الاحتلال أو السيطرة الأجنبية أو الأحداث التي تضع النظام العام في خطر ، في كل أو بعض هذه البلاد ” .
كما أن المفوضية العليا لشئون اللاجئين قد أضافت توسعًا جديدًا بخصوص سبب اللجوء ، حيث لم تقصر اللجوء فقط على سبب الاضطهاد ، و إنما أضافت فئة أخرى ، هي فئة الأشخاص الذين يفرون من بلادهم بسبب النزاعات المسلحة ، والمتمثل في عدوان خارجي ، أو احتلال أو سيطرة أجنبية أو أحداث واضطرابات تضع النظام العام للبلد – كله أو بعضه – في خطر .
ولكن يبقى في النهاية ، أن قبول اللاجيء هو حق خالص للدولة التي يطلب اللاجيء اللجوء إليها ، وقبل ذلك لا يكون للاجيء أية حقوق لدى الدولة المطلوب اللجوء إليها .
أما الشق السياسي فيتمثل في الأتي :
——————————–
أن مخطط الشرق الأوسط الكبير الذي اعتمدته الإدارة الأمريكية منذ عام 20033 ، والذي يتمثل في إثارة النعرات الطائفية والعرقية والمذهبية تنفيذاً لما يسمى ب ” الفوضى الخلاقة ” ، ودعم ومساندة وتمويل فصائل الإسلام السياسي ، وغيرها من الفصائل والشخصيات الطامعة في الحكم والسلطة والثروة في دول المنطقة ، من أجل تفتيت دولها الكبيرة إلى عدة دويلات صغيرة وضعيفة ومفتتة ، من أجل ضمان بقاء إسرائيل أمنة للأبد ، وهو المخطط الذي اضطلعت بتنفيذه بنجاح إدارة أوباما تحت رعاية الصهيونية العالمية طوال السنوات السابقة فيما سمي ب ” الربيع العربي ” .
وكان هذا المخطط يقتضي تفريغ الدول الكبرى في المنطقة – وخاصة الدول الملاصقة لإسرائيل – من سكانها الأصليين ، من أجل ترك هذه الدول نهباً لفصائل الإسلام السياسي المسلحة والممولة من أمريكا وبريطانيا وألمانيا ، وبعض الدول الأوروبية . بدعم ومساندة النظام التركي التابع لحلف النيتو ، وبعض الدول ” القزمية ” في المنطقة مثل قطر ، أو الدول التي تتطابق مصالحها مع المصالح الأمريكية مثل السعودية ، ولمن نسي ، نذكره بالدور السعودي في صناعة ودعم وتمويل وتسليح وتدريب من أُطلق عليهم ” المجاهدون في أفغانستان ” ، وتنظيم القاعدة بعدها ، حيث أجهزت أمريكا عليهم بعد أن أدوا دورهم بنجاح في استنزاف الجيش السوڤييتي ، وتدمير أفغانستان وإعادتها إلى القرون الوسطى .
وطبقاً لهذا المفهوم فقد فتحت الدول الغربية أبوابها أمام اللاجئين من دول الشرق الأوسط بالملايين ، وبالمخالفة لمعايير اللجوء السياسي التي أقرتها المواثيق الدولية والقانون الدولي ، لتفريغ الدول الشرق أوسطية من سكانها ، وجلب أيدي عاملة رخيصة ولا حقوق لها للدول الأوروبية التي تعاني صناعاتها من نقص الأيدي العاملة ، نتيجة انخفاض عدد المواليد ، وتحولها إلى مجتمعات لكبار السن وأصحاب المعاشات .
ولنا أن نعلم أن عدد اللاجئين العراقيين في مختلف دول العالم يناهز 11 مليون لاجيء ( أكثر من 22 مليون لاجيء في ألمانيا وحدها ) ، منهم حوالي 8 مليون لاجيء شرعي ، والبقية لاجئون غير شرعيين ، وعدد اللاجئين السوريين في مختلف دول العالم منذ عام 2011 يناهز 8 مليون لاجيء ( حوالي 3 مليون لاجيء في تركيا وحدها ) ، منهم 5.4 مليون لاجيء وفقوا أوضاعهم ، والبقية لاجئون لم يوفقوا أوضاعهم ، أو دخلوا البلدان التي يقيمون فيها بطريقة غير شرعية .
وحتى نفهم هذه القصة ، علينا أن نعلم أن الجامعة العربية قد أصدرت قرارات متعاقبة بدءاً من عام 1958 بمنع تجنيس الفلسطينيين ، وتم التأكيد على تلك القرارات في بروتوكول كازابلانكا عام 1965 ، والذي نص على السماح بحمل الفلسطينيين وثائق سفر من الدول العربية اللاجئين فيها ، مع التمسك بحق العودة .
وكانت هذه القرارات من أجل أن يتمسك الفلسطينيون بأرضهم ، واستمراراً لتطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الخاص بحق العودة .
ولكن دولاً عربية مورست عليها ضغوطاً من إسرائيل وأمريكا وبعض الدول الغربية ، فخالفت قرارات الجامعة العربية ، وقامت بتجنيس الفلسطينيين ، وهو الأمر الذي استندت إليه إسرائيل فيما بعد ورفضت عودة اللاجئين الفلسطينيين بعد توقيع إتفاقية ” أوسلو ” متذرعة بأنهم قد أصبح لديهم جنسيات أخرى .
ويبدو أننا نريد تكرار مأساة فلسطين مرة أخرى ، عندما يأخذنا الحماس الغير عقلاني والغير موضوعي إلى الضغط على أمريكا والغرب من أجل قبول لاجئينا ، وتفريغ دولنا التي دُمرت بسبب الربيع الأمريكي من سكانها .