الثقافة

** حي الإبراهيمية **

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم المهندس/ طارق بدراوى

 

حي الإبراهيمية حي سكندرى شهير مزدحم ليلا ونهارا شوارعه وحاراته ضيقة وبيوته متلاصقة سكنته الطبقة المتوسطة من الجاليات اليونانية والإيطالية والأرمينية والفرنسية حتى منتصف القرن العشرين الماضي وكان الحى إلى عقود قريبة هو حى الجالية اليونانية بالإسكندرية ويشتهر الحي بشارع لاجيتيه ويمر بالحي أيضا ترام الإسكندرية الأزرق الشهير والذى يتقاطع مع نهاية شارع لاجيتيه عند محطة الإبراهيمية ويشتهر بها أيضا ميدان الإبراهيمية والكورنيش الممتد على طول مدينة الإسكندرية القديمة من قلعة قايتباي إلى قصر المنتزة بطول يقارب سبعة عشر كيلومتر طولي تقريبا ……
ويمكن بمقارنة خريطة الإسكندرية عام 30 ق.م وخريطتها عام 2015م أن نستشف أن حى الإبراهيمية لم يكن معمورا حين أنشئت المدينة ولكن يحتمل أن أجزاء منه حاليا قد تكون ضمن نطاق الإسكندرية القديمة أو على مشارفها وقد أُنشئ الحى الحالي فى القرن التاسع عشر الميلادى على التخطيط اليونانى القديم فشوارعه وحاراته ضيقة وعرضها مناسب للعربات التي تجرها الخيول كما أن شوارعه متعامدة و يحده البحر من الشمال و منطقة الحضرة وترعة المحمودية حتى شريط السكة الحديد لقطار القاهرة الإسكندرية جنوبا كما يجاور حى الإبراهيمية من الغرب حي كامب شيزار ومن الشرق منطقة إسبورتنج ويقال إن الحي كان أرضا مملوكة لأحد أحفاد القائد إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا وعلى وجه الدقة فإنها كانت مملوكة للأمير إبراهيم إبن الأمير أحمد رفعت باشا الإبن الأكبر للقائد إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا …..
وتقدر مساحة الحى بحوالى 0.62 كم2 ومحيطه يقترب من 3.8 كم والحى يقارب شكله المستطيل بطول تقريبى 1.3 كم وعرض 450 مترا تقريبا ويمر بحي الإبراهيمية أشهر طرق ومحاور الحركة الطولية بمدينة الإسكندرية وأقدمها وأطولها وهى الطرق الموازية لساحل البحر الأبيض المتوسط وهي طريق الكورنيش وشارع بورسعيد وشارع الترام الذى يمر به ترام الإسكندرية الأزرق الذى يعتبر من أشهر معالم المدينة ومن أهم وسائل مواصلاتها بالإضافة إلي طريق الحرية ومن أشهر الشوارع الداخلية بحي الإبراهيمية وأطولها شارع لاجيتيه الذى يربط بين شارع الترام و طريق الحرية أو ما يطلق عليه الإبراهيمية بحرى أى شمالا والإبراهيمية قِبلِىى أى جنوبا ويظن البعض أن إسم حى الإبراهيمية نسبة إلى إبراهيم باشا بن محمد علي باشا القائد العسكري المشهور وأول قائد للجيش المصري الحديث ولكن فى واقع الأمر فإن إسم الإبراهيمية يعود إلى حفيده الأمير إبراهيم إبن الأمير أحمد رفعت باشا الإبن الأكبر له والذى كان وليا للعهد في فترة حكم عمه محمد سعيد باشا ولكن القدر لعب لعبته ففي عام 1858م أقام محمد سعيد باشا وليمة كبيرة بالإسكندرية دعا إليها جميع أمراء الأسرة العلوية بمن فيهم ولي العهد الأمير أحمد رفعت باشا وشقيقه الذى يليه في العمر الأمير إسماعيل إلا أن الأمير إسماعيل إعتذر عن حضور الوليمة نظرا لمرضه وبعد إنتهاء الوليمة عاد أحمد رفعت باشا وبصحبته الأمير محمد عبد الحليم إبن محمد علي باشا وبعض رجال الحاشية بقطار خاص إلي القاهرة وإذا بالقطار ينقلب بركابه في النيل عند كفر الزيات فيغرق كل من فيه إلا الأمير محمد عبد الحليم باشا وبذلك وجد الأمير إسماعيل نفسه فجأة وقد اصبح وليا للعهد بحكم فرمان الوراثة الذى يمنح حكم مصر للأكبر سنا من أفراد الأسرة العلوية وولاية العهد لمن يليه في السن وكان هو من يلي الأمير أحمد رفعت في السن وبذلك صار وليا للعهد والأمير إبراهيم إبن الأمير أحمد رفعت باشا هو والد النبيلين محمد علي إبراهيم وعمرو إبراهيم وكانت أرض منطقة الإبراهيمية كلها مملوكة له بما في ذلك أراضي نادي إسبورتنج …..
ويعتبر حي الإبراهيمية من الأحياء المتوسطة حيث إشتهر بسكانه من الطبقة المتوسطة من الجاليات اليونانية والإيطالية والأرمينية والفرنسية ولا تزال أسماء المحال والمقاهي والمخابز تحمل أسماء بعضهم لكن معظمهم للأسف هجروا الحي وهاجروا خارج مصر ما بين الخمسينيات والسبعينيات من القرن العشرين الماضى وسكنه المصريون وإن كان لا يزال بعض الأجانب من اليونانيين والإيطاليين لم يفارقوه إلا أن أعدادهم قليلة جدا وقد تواجد اليونانيون في الإسكندرية منذ القرن التاسع عشر الميلادى وبلغ عددهم 37 ألف نسمة عام 1882م وإرتفع إلي 56 ألف نسمة عام 1917م ثم تقلصت أعدادهم بسبب سياسة التأميم في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر منذ أوائل الستينيات من القرن العشرين الماضي وهاجر معظم أفراد الجالية إلى اليونان والبرازيل وكندا وأمريكا وأستراليا ويقطن الإبراهيمية حاليا عدد من أبناء الجالية الأرمينية بالإسكندرية وهم أكثر عزلة من اليونانيين المنفتحين على المصريين ومن بصماتهم في الحي نادي ديكران يرجاد الأرمنى الذي تأسس عام 1902م ونادي هومنتمن نوبار الرياضي الأرمنى وقد إشتهر العديد من الأرمن بإمتهانهم مهنتي الطب والصيدلة ومايزال لهم صيدليات عديدة بالإبراهيمية وتحتضن الإبراهيمية جالية أفريقية من جنوب السودان ونيجيريا والسنغال وأغلبهم من الطلبة مرتادي جامعة سنجور أو الجامعات المصرية عموما ويقطنون الحي لقربه منها ويقول أحد اليونانيين المصريين كنا نطلق على الإبراهيمية إسم كوكينيا وهي كلمة يونانية تعني اللون الأحمر والمقصود بها الحى الأحمر وهو نفس إسم الحي المماثل في اليونان الخاص بالطبقة العاملة حيث كان حي الإبراهيمية معقلا للطبقة المتوسطة من اليونانيين وكذلك كانت بالحي العديد من الفيلات كان يتملكها إيطاليون وأرمن تفوح من حدائقها رائحة نبات الدفنباخيا أو وِدن الفيل والفل والياسمين وروائح مميزة نتنسمها ليلا وكان طراز بنائها يظهر روعة الفن اليوناني والروماني القديم حيث كان هو الطراز السائد في أغلب أنحاء الإسكندرية وبالأخص في وسطها وللأسف حاليا معظم الفيلات قد تهدمت وبنيت مكانها عمارات ضخمة …..
ويشتهر حي الإبراهيمية بالعديد من المعالم التي تميزه وتضفي عليه شخصيته التي تختلف عن أى حي آخر في مدينة الإسكندرية ومنها ؛-
— يوجد بحي الإبراهيمية العديد من المخابز والحلوانية الذين نالوا شهرة واسعة فمن أشهر الأماكن عند سكان الحى فرن فينو الذي كان إسمه فورنوس ذي ميترا على إسم الآلهة الإغريقية الأسطورية أميترا وكذلك حلوانى خاموس عند محطة الترام والذى أغلق فى التسعينيات من القرن العشرين الماضي والذى أسسه الخواجة ديمتري خاموس عام 1900م وورثه إبنه نيكولاه وزوجته الكسندرا وإبنهما ديمتري
— شارع لاجيتيه حيث يشتهر حي الإبراهيمية بوجود شارع لاجيتيه La Gaité داخل حدوده وهو إسم فرنسى معناه البهجة أو السعادة وهو شارع تجارى مزدحم ضيق يصل بين طريق الحرية ومحطة ترام الإبراهيمية على شارع الترام طوله حوالى 800 متر وعلى جانبيه محلات تجارية وباعة وبعض المراكز التجارية مثل مينا مول وطيبة مول وكان في الشارع مسرح لونا بارك وسينما لاجيتيه وكان مالكوها يونانيين وكانت سينما لاجيتيه تعرض فيلمين أجنبيين ولكن تم هدمهما فى نهاية السبعينيات من القرن العشرين الماضي وبناء مجمع تجاري وكذلك يوجد في نفس الشارع مطعم باناجوس الشهير وأيضا إستوديوهات تصوير كثيرة يديرها إيطاليون وأرمن وفرنسيون وبالشارع ايضا يوجد مستشفى دكتور السجينى وهو أيضا من المعالم القديمة بالحي
— شاطئ الإبراهيمية وكان الشاطئ قديما يرتاده الأجانب من العائلات اليونانية والفرنسية والإيطالية والأرمينية حتى ستينيات القرن العشرين الماضى كما ظل المصريون يرتادونه حتي تسعينيات القرن العشرين الماضي وكان دائما يزدحم بالمصطافين من داخل وخارج الإسكندرية خاصة خلال شهرى يوليو وأغسطس من كل عام ولكن بعد التوسعات فى كورنيش الإسكندرية بعد ذلك تم إلغاء شاطئ الإبراهيمية
— سوق شيديا حيث يشتهر حي الإبراهيمية بهذا السوق وهو أحد أشهر أسواق الإسكندرية للخضروات والفاكهة ومعروف عنه التنوع الكبير في أصناف وأنواع الخضر والفاكهة التي تعرض به ولقد ذكرت المؤلفة السويسرية إستر هارتمان هذه السوق في كتابها حياتي في مصر – مذكرات فتاة سويسرية والتي عاشت في الإسكندرية في الفترة ما بين عام 1934م وحتي عام 1950م قائلة كنا نعيش في الإسكندرية في الأربعينيات من القرن العشرين وكنت أذهب كثيرا إلى سوق الإبراهيمية تقصد سوق شيديا حاليا وفي حي السوق كان يسكن مواطنون من بلدان البحر المتوسط في منازل تتكون من طابق أو طابقين وكان من بين هؤلاء بالإضافة إلى المصريين اليهود واليونانيون والمالطيون والأرمن والإيطاليون والشوام تقصد السوريين واللبنانيين وكثيرون من بلدان البحر المتوسط
— محل آيس كريم صابر وهو من أشهر محلات الآيس كريم فى الإسكندرية وفي مصر كلها ويوجد في الإبراهيمية ويقدم ايضا أطباق الأرز باللبن والقشدة كما يوجد بالحي مطعم الوحيد للفول والفلافل بشارع لاجيتيه وعلى محطة ترام الإبراهيمية محل مشاوى شهير إسمه كبابجى الصفوانى ويقابله على الجهة المقابلة من شريط الترام المخبز الآلى
— ومن المعالم الأخرى الشهيرة بالحى مكتب بريد الإبراهيمية ويقع على طريق الترام وسينما ريفيرا وكانت فى جنوب حي الإبراهيمية فى شارع يتفرع من طريق الحرية ولكنها هدمت شأنها شأن سينما لاجيتيه ومستشفى الأمين الخيري ومستشفى الدكتور محمد ميلاد بشارع بورسعيد
— يوجد بحي الإبراهيمية العديد من المساجد الكبيرة والزوايا حيث المساجد مبان مستقلة مخصصة للعبادة أما الزوايا فهي صغيرة المساحة وتقع غالبا أسفل المبانى السكنية لأداء الصلوات وفى كليهما تقام صلاة الجمعة نظرا للإكتظاظ السكانى بالحي ومن تلك المساجد والزوايا نجد دار السلام والإيمان ورمضان يوسف والشهيد عبد المنعم رياض والحاج شاكر رأفت والأمين وأبو خطوة والسلام والوعى الإسلامى والمرور والرحمن وعباد الرحمن والعزيز المجيد والإبراهيمية والرحمن والفتح والفتاح والتوحيد ومحمد على إبراهيم والهدى النبوى والفولى كما يوجد بالحي أيضا مجموعة من الكنائس منها كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس وكنيسة الأنبا تكلا والكنيسة المعمدانية الكتابية الأولى وكنيسة القلب المقدس ……
وإلي جانب ماسبق نجد أن هناك بعض المشاهير الذين ولدوا أو عاشوا بحى الإبراهيمية مثل الفنان الكوميدى حسن فايق والذى ولد في حي الابراهيمية بالإسكندرية في يوم 17 يناير عام 1898م والفنان اليوناني العالمي ديميس روسوس والذى ولد في مدينة الإسكندرية في يوم 15 يونيو عام 1946م وعاش في حي الإبراهيمية حيث كانت تقطن غالبية الجالية اليونانية وكان والده يعمل مهندسا ويدعى يورجوس أى جورج ووالدته من أصول إيطالية وتدعى أولجا وكان كلاهما قد ولد في مصر أيضا وتربيا وعاشا بمدينة الإسكندرية ورودلف هيس نائب الهر أدولف هتلر الزعيم النازى الألماني وهو من مواليد الإسكندرية عام 1894م وتحديدا في حى الإبراهيمية لأبوين ألمانيين ثريين هما فريتز وكلارا هيس وعندما بلغ الخامسة عشر من عمره أخذه والده إلى مدرسة التجارة العليا فى سويسرا لكى يواصل تعليمه الذى كان قد بدأه فى المدرسة الألمانية فى مصر بمدينة الإسكندرية وكانت نيته معقودة على أن يستكمل دراسته فى جامعة أوكسفورد بإنجلترا ولكنه إنتظم بالسلك العسكرى فى ألمانيا وتقلد أرفع المناصب فى حكومة هتلر خلال الحرب العالمية الثانية مابين عام 1939م وعام 1945م وكان الرجل رقم 3 فى حكومة هتلر وقرب نهاية الحرب سافر سرا إلي إنجلترا للسعى فى صنع السلام بين ألمانيا وإنجلترا ولكن مساعيه من أجل السلام فشلت وإتهم بالخيانة وتمت محاكمته وحكم عليه بالسجن مدى الحياة …..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى