لم يكن عصام صالح، القيادي في “جيش الإسلام” السلفي في غزة، ليعقد مؤتمراً صحافياً، يطلق فيه مبادرة لحل الأزمة، بين “داعش” من جهة، و”حماس” من جهة أخرى، لولا أن هذه المبادرة، شكلت خلاصة لمشاورات وتفاهمات بين الأطراف الثلاثة، انتهت إلى اتفاق قائم، كما أوضح صالح، “على تحكيم العقل والشريعة”. الاتفاق يقوم على وقف “داعش” التفجيرات في القطاع، ووقف “حماس” اعتقال عناصره وتعذيبهم في السجون، “فالعملان يخالفان تعاليم الإسلام”. كما ينص الاتفاق على “التنسيق في العمل الجهادي، وإتاحة التدريب، والرباط للأخوة (السلفيين) في الأماكن المعدة لذلك [عند خطوط التماس مع الاحتلال]، وتوفير الإمكانات اللازمة للجهاد والتدريب”، ومنع مهاجمة المساجد والبيوت والخطف، وإطلاق جميع المعتقلين وإعادة الأموال والأسلحة الى أنصار “داعش”.
وأكد صالح أن أساس العلاقة بين “حماس” و”الدولة الإسلامية”، و”القاعدة” هو “الموالاة في حدود السنّة والشريعة فمن يعمل بالإسلام ويرعَ الإسلام فنحن نواليه”.
هذا الاتفاق، يمنح “حماس” صلاحية منح الشرعية لهذا التنظيم أو ذاك، لكنه يمنح أيضاً الشرعية لتنظيم أجمع الكون على اعتباره إرهاباً، قامت لمحاربته أحلاف وجبهات، وبالتالي، فإن الاعتراف بوجود “داعش” في قطاع غزة، وبشرعية هذا الوجود بموجب اتفاق مع “حماس”، الطرف القائم بالسلطة، ستكون له تداعياته الخطيرة على القطاع، إن من جهة إسرائيل التي ستجد في هذه الخطوة مبرراً لتواصل عدوانها، أو من جهة مصر، التي لا تكف عن تقديم أدلة تؤكد تورط قطاع غزة، عبر السلفيين، في أحداث سيناء. كما من شأن هذا الوجود المعلن، أن يعكس نفسه على العلاقات الاجتماعية في القطاع، إن لم يكن الآن، ودفعة واحدة، ففي الأيام المقبلة، وعبر التسرب التدريجي بين العائلات والشباب والأنصار.
السؤال المطروح على بساط البحث هو عن الدافع الذي ألزم “حماس” باتفاقية تعايش مع “داعش”، وهي التي تعرف جيداً معنى وجود هذا التنظيم وأهدافه السياسية والمجتمعية. خاصة أن الوساطة بين الجانبين ولدت هي الأخرى على يد تنظيم سلفي آخر، (“جيش الإسلام”) كانت بينه وبين “حماس” جولات قتال دموي عديدة.
لا نعتقد أن بإمكان “حماس” أن تروض “داعش” كما روضت “جيش الإسلام”، فلدى “داعش” مشروع دولة يقدم نفسه ليس في العراق وسوريا فقط، بل في أكثر من مكان، وبالتالي إذا كان “داعش” قد رضي بالحل الوسط بينه وبين “حماس”، فليس الإ من موقع تكتيكي لا أكثر، في انتظار ظروف أخرى، تمكنه من المجاهرة بأهدافه، بما في ذلك على الصعيد الاجتماعي، مكرراً تجربة “حماس” في فرض تقاليدها الاجتماعية على المواطنين، وعلى الصعيد السياسي ومكرراً تجربتها (“حماس”) في التمرد على السلطة الفلسطينية (في زمن عرفات) ورفضها اتفاقات التهدئة مع الاحتلال.