أخبار مصرأهم الاخبار

حسن بخيت يكتب في ظل الرأسمالية ( الفقراء يموتون في صمت )

احجز مساحتك الاعلانية

من الطبيعى أن يولد الانسان وهو لا يمتلك لنفسه إختيار لمولده ، أو لعائلته ، وهل غنى أم فقير ، ولا حتى أن يختار المكان الذى يعيش فيه ، فالأمر كله بيد الله سبحانه وتعالى .
فإنك ما افتقرت الا بقدر الله ، أو ما قدر الله علبك أن تكون فقيرا” .
فليس عيبا” أن يكون الإنسان فقيرا” لأن الله عز وجل هو الذى فاضل بين عباده فى الرزق ، بحكمة عظيمة لا يعلمها الا هو ، ويخفيها علينا لمصلحة العبد ، والمال ليس بمعيار للتفاضل بين البشر عند الله ( ولا تفاضل للناس الا بالتقوى والعمل الصالح ) لا بحسب ، ولا نسب ، ولاجاه . ولابمكانه ، ولا بمال ، ولا بمنصب ، ولا بوزارة ، ولا غيرها .
( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم .( ليأتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضه )

والإسلام لا ينظر إلى الفقر على إنه عيب اجتماعي أو ذلة للفقير ، ومنقصة من كرامته فقد علّم الإسلام أبناءَ هذا المجتمع ومنهم الفقير نفسه أن الكرامة والرفعة فيه ليست بالثروة وما يملك المرء من عقار ومنقول ومن فضة وذهب؛ بل بالإيمان والعلم والعمل الصالح والتقوى ، وقد جاء ذلك في أيات كثيرة في القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، وقد كان الناس في المجتمع العربي الجاهلي يقيسون أقدارَ الناس بمبلغ ما يملكون من أموال وما يصحبها من جاه وسلطان، حتى أنهم ليعترضون على نبوةٍ محمد – صلى الله عليه وسلم – في أول الأمر؛ لأنه فقير وتمنّوا لو أن الوحي نزل على أحد الرجلَين الثريَّيْن الشهيرَين في مكة أو الطائف: الوليد بن المغيرة القرشيّ وعروة بن مسعود الثقفيّ، وقد كان هذا هو نفس مسلك بني إسرائيل عندما اعترضوا على أن يكون طالوت ملكاً عليهم لفقره ، ولما قالتْ ساداتُ العرب وأغنياؤهم للنبي – عليه الصلاة والسلام – “اجعل لنا يومًا ولهم يومًا يجيئون إليك ولا نجئ، ونجئ إليك ولا يجيئون” يعنون بذلك التفريق بينهم وبين الفقراء في المجالس ، وجاءت الشريعه الاسلامية ناكرة ونافية لمثل هذا التفريق والطبقية بين الناس بسبب الجاه ، أو المال ، أو الفقر ، أو الغنى ، ولا فرق بين الناس الا بالتقوي والعمل الصالح .

والله ( سبحانه وتعالى ) عندما يفقر من يفقره ويغني من يغنيه، يصنع حكمة أخري من وراء ذلك؛ ولكنها لمصلحة الجماعة ككل؛ حيث تصلح بها أحوالُ الدنيا وتعمر بها الكون وهي حكمة إيجاد تفاوت في أرزاق الناس، ناتج عن اختلاف قدراتهم ومواهبهم وإمكانياتهم العقلية والجسمية والذي يؤدي بدوره إلى تسخير هذا لذاك وتسخير ذاك لهذا وتعاونهم معًا وبالتالي تأخذ الحياة دورتها، فطبيعة الحياة البشرية قائمة على التفاوت في مواهب الأفراد والتفاوت فيما يمكن أن يودّيه كل فرد من عمل والتفاوت فيما مدى إتقان هذا العمل. وهذا التفاوت ضروري لتنوّع الأدوار المطلوبة للخلافة في هذه الأرض فلو لم نكن متفاوتِيْن متفاضِلِين أرزاقًا وأقدارًا ومختلفين خبرةً وتخصّصًا لما قام مجتمع ولا استقامت حياة ولو كان الناس نُسَخًا مكرّرةً ما أمكن أن تقوم الحياة في هذه الأرض بهذه الصورة ولبقيت أعمال كثيرة جدًا لا تجد لها مقابلاً من الكفايات ولا تجد من يقوم بها والذي خلق الحياة وأراد لها البقاء والنمو خلق الكفايات والاستعدادات متفاوتةً تفاوت الأدوار المطلوب أداؤها وعن هذا التفاوت في الأدوار تتفاوت الأرزاق….. وهذا التفاوت هدفه التعاون بين أفراد المجتمع وأن يكون الكل خلايا في نسيج كامل متكامل لا للتغابن والتشتت، وللتراحم لا للتظالم بين سادتهم ومسوديهم بين فقرائهم وأغينائهم بين حكامهم ومحكوميهم، فلا يتخذ السادة من قيام هذا التفاوت ذريعة إلى إعنات المسودين ولا يتخذ الحكام منه ذريعة لهضم المحكومين ،ولا يتخذه الأغنياء ركيزة ليزدادوا غنى على حساب زيادة فقر الفقراء فالأغنياء إذا لم يؤدوا حق الله في أموالهم يكونون سببًا في فقر الفقراء. أو كما قال “علي بن أبي طالب”: إن الله تعالى فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم فان جاعوا أو عروا وجهدوا فبمنع الأغنياء وحق على الله تعالى أن يحاسبهم يوم القيامة ويعذِّبهم عليه ، أو كما قال “كرم الله وجهه”: ما جاع فقير إلا بما منعه غني. وقال: ما رأيت نعمةً موفورة إلا إلى جانبها حق مضيع. كما أن الله – سبحانه وتعالى – حينما يمسك الرزق على أحد لابتلائه إنما يتم بتقصير الآخرين في أداء حق المال الذي فُرِضَ عليهم.

ولكننا فى زمان انتكست فيه المفاهيم وانقلبت فبه الموازين ،فهناك أناس لا يملكون قوت يومهم يعيشون وسط المجتمع ، وبين أناس لا يعرفون لأموالهم عددا ، فكم من ملايين تنفق هباء منثورا من جانب الأغنياء ، عندما ينفق أحد رجال الأعمال المصريين على حفل زفاف ابنته والذى أقيم في ايطاليا ( 40 مليون جنية مصرى ) وفى نفس الوقت نجد ملايين الفقراء لا يجدون ما يملأ بطونهم من الجوع ، وعندما يتجمع الكثير من رموز المجتمع والصفوة من الناس فى فرح لإبنه راقصة مشهورة ، أو لاعب كرة مشهور ،أو رجل أعمال حرامي ، أو مسئول كبير مرتشي ، وترى ما أعد لهذا الحفل من ملابس وماكل ومشرب وحلوى ، ناهيك عن السيارات الفارهة لضيوف الحفل والتى تتجاوز الملايين ، أما عن مائدة الطعام فحدث ولا حرج ، فلم نراها الا فى أفلام الخيال العلمى .

إذن فهناك فئة تنعم بالإسراف في كل ما لذّ وطاب من صنوف الأطعمة والأشربة وغيرها من مُتَع الحياة وقد تموت بالتخمة من فعل الشَبْع الزائد وتتورَّم حتى قِططها بكثرة ما التهمت مما ألقى إليها وفاضت بها براميلُ المخلَّفَات والقُمَامةُ من طعام دسم وهي السبب في وجود فئة أخرى، كان الله في عونها تموت جوعًا؛ لأنها لا تجد ما تسدّ به الرمق وتتساقط هياكلها العظيمة أو جلودها اللاصقة بالعظم من فعل الإعياء والجوع لتلقى حتفها المحتوم.

اتساع الفجوة بين الأغنياء والقراء نتاج حتمي للنظام الرأسمالي الذي يسود العالم حالياً، حيث إن ازدياد التطور الرأسمالي يكون على حساب الفقراء والتحكم بمقدراتهم المعيشية، وهنا تنعدم العدالة في توزيع الموارد الاقتصادية للبلد بالتساوي للجميع، حيث لا سلطة للدولة على المال، وذلك في ظل الاقتصاد الحر، مما يحول تلك الموارد إلى أداة بيد رؤساء الأموال الذين يستخدمون الفقراء كعمالة رخيصة تُنفذ عليهم مشاريعهم الرأسمالية التجارية، دون رقيب حيث حكم المال وحده، ومع التطور الرأسمالي هذا، وازدياد الربح التراكمي للرأسمال، يزداد الفقير فقرا والغني غنى، وتتسع الفجوة تدريجياً بين الأغنياء والفقراء، كما هو الحال في عالمنا اليوم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى