أخبار عاجلةأهم الاخباراسليدرالأدب و الأدباء
أخر الأخبار

حدود حلمي قصة قصيرة جيهان حكيم

الكاتبة جيهان حكيم

احجز مساحتك الاعلانية

حاولت والدخان يتصاعد من إنفاس الرجال أن أكتشف لون الفضاء أبحث في السماء عن تفاصيل عالم بعيـــــــــــــــــــد

                                                         ( 1 )
أنا رومانسية ..

جئت من حقيقة عشقتها وأنتميت اليها بإخلاص قبل أن يطغى طوفان المادة على كل ما هو جميل ونقي
أنا رومانسية ..
جئت ومعي زرقة ترفعني ، أطير معها فلا أذهب ولا أعود
أنا رومانسية ..
من مربع طفولتي وملاعب صباي بدأت أرسم أحلامي التي كانت تنام معي وتكبر معي بخيوط ناصعة البياض وبريشة تفوق قوة أصابع البيانو وما بين الصمت والنغم ، وبألوان قوس الشمس وخيوط السحب كنت أشكل عمرى بحرير المطر
أنا رومانسية ..
دائماُ ما أرى السماء طرقات واسعة ، فسيحة ، أتنزه فيها وأتوه في الافق البعيد  أصادق صوت مسافر نحوى من ضمائر النجوم ؛ وأمتطي جناح اليَمامِ بلا استذان
وعند أوائل الفجر أوشوش العصافير بالأسرار ومع شدو البلابل أعزف أعذب الحان الكمان
أنا رومانسية ..
أعتدت أن أقفٌ على بوابةِ الغيم حتي يهطل الندى لتزهرُ الأماني وتنثرُ عِطرأ فأرسل إنفاساً ودودة لكل الأشياء
أنا رومانسية ..
كل يوم قبل الغروب أرتدي ثوبي المزركش ، وأخرج لألعب في ساحة العشب الكثيف ، أرقص كالفراش بلا وعي وأدور بخفة ورشاقة حتي أقع ضاحكة في حضن الزهر
ومن حيث لا أدري ، ولا أحب ، وبلا تفسير ودون كلمة ترحيب أرتطمت بالأرض لأجدني داخل غابة لا أعرف مساراً صحيحاً بها يودي بي للأمان
آه يا الله، ماذا يحدث؟
أين االأشجار العطرة التى كنت أستظل تحت أوراقها الوارفة
اين االخضرة السندسية التي كنت أتكأ عليها
لا شيء سوى فراغ معتم وصخور صلبة سقطت فوقها
ألماً لم أعهده يوماً يخزني ، يؤلمني
أختلج كالمسوسة ، تتقاذفني الرياح ،وتذلني الأمطاربصقيع بارد  تلطخ ثوبي الأبيض النظيف الذى لم تلوك أطرافه أو حواشيه البكر كسرة أو فتحة بالطين
حاولت النهوض ولكن ..
لم يكن القمر قريبًا لأتشبث به
                                                    ( 2 ) 

ما أن بلغت العشرين من عمرى حتى تأرجحت مابين السماء ، وحقيقة أني رومانسية  مع ايقاف التنفيذ متجمدة في فراغ من اللاوعي
وقتها وقع في روعي إنى سائرة نحو غياب ذاتي إلى الأبد فكل شيء قد تغير إلي حد مروع
ظللت أتسائل؟؟
من أنا ؟؟
ولماذا لا أحد يشبهني في رومانسيتي
ماعدا شخص قابلته ذات ربيع
وفي كل مرة كان يحاول التقرب مني أبتعد هاربة
بينما ظل هو يلاحقني بأبتسامته الودودة حتي طوق وساوسي المتقطعة هامساً لي بكلمات حنونة للغاية :
” منذ زمن وأنا أبحث عن وجهك الملائكي يازهرتي الصغيرة ”
لحظتها تفحّصت ملامح وجهه الهادىءٌ ونظراته العميقة عمق البحر وشعرت بالراحة لأنني مع شخص يعرف أين طريقي

صدقته ..
نعم  ..  فأنا أريده أن يحقق لي أمنياتي
لكنه أبداً لم يفعل !!
                                                    ( 3 )     
لم ترق لي أبداً فكرة الزواج
ولكني لم أجرؤ على عصيان أمر أبي
بعد برهة قصيرة من توقيعي على هذا الأقرار الذي لم أكن أفهم سببه ولم أكن أعلم أنه سوف يغير مسار حياتي للأبد
عندما فتحت أجفاني كدت أشهق ؛ ثم أعتقدت إنني أحلم ، ففركت عيني  ورجعت إلى وعيي قليلاً
هل حقا ما تراه عيناى؟ !
هل حقا ما تسمعه أذناى؟ !
كيف وصلت إلى هنا ؟

                                                    ( 4  ) 

الأن ..
أيقنت أن كل رجل يضع قلبه في جيبه فور أنتهاء مراسم الزفاف يفصل عقله وقلبه بل وكل حواسه عن زوجته
ويتسلل التذمر والعبوس ويجلس وسطهم يدعوهم إلى مائدته العامرة بسفور الكلام الي ان تتلاشى بينهما العلاقة والرغبة
وقبل أن أفيق من دهشتي أكتشفت إنه لم يبق شيء لي حتي اللوحة الكاذبة التي رسمها له قبل الزوج مزقها وألقى بها في زاوية من النار
ولم يعد هناك حدود أضبط بها أيقاع التوتر الذى يفجر داخلي جروحاً فأتقيأ ألماً وأنا أرى الجهامة على وجهه تقودني بروح التهكم دون أرادة منى وتحدد مشيئتي وسلوكي الجديد ، فأبكى بحرقة من لا يقدرعلى الفكاك من أنياب سيده .
                                                       ( 5  )
في خلواتي مع نفسي ، التي تلت شجاراتى مع زوجي ، راودتني الرغبة في الهروب إلى عالم لا أعرف ذاتي إلا فيه

راقت لي الفكرة ، وراحت تتلون في قلبي وتفتشه ، تتحسس نبضه ، وقطرات دمه ، وبين شرايينه المرتعشة
لم أجد سوى صوت الحنين النائم في داخلي يأتي متماوجاً مع صوت عبدالحليم الذى يتقاطر بالدفء  ويتصاعد بالشجن من المذياع  وكأنه فتح لي فجوة على زمن لم يعد له وجود
الا أن هذا الخاطر كان كشعلة عود الثقاب ، سرعان ما أنطفأ مخلفاً صوت زوجي زاعقاً _كعادته_ يشيح في برودة:
” أطفئ المذياع ، أنا لا أحب سماع الأموات ”
قلت :

” لم أكن أعلم أنه مات
اطلق ضحكة بغيضة محمومة وقال :

” إذاً قولي له أن يمت أن لم يكن قد مات ”
”  كنت تهديني اغانيه و  ..

دفعنى بيديه فأرجعني بضع خطوات للوراء حتي كدت أسقط علي ظهري لولا أني تمالكت نفسي وقبل أن أستعيد توازني قال :
” أين الغذاء ”
تمتمت بصعوبة :

“حاضر”
رمقني بغيظ  وهو يقول أكبر خطأ يرتكبه أى رجل في حق نفسه هو أختيار أمثالك زوجة لا تجيد سوى الثرثرة عن الماضي
لم أكن أعبأ كثيراً بتفسيره لذاتي فقد تبدلت أبتسامتى البريئة فيما مضي حزنا ، ولم يعد فى قلبي مكان لبذرة جديدة تطرح ثمرة أخرى فهو يعرف أنّ بداخلي رومانسية لن تتحررله أبداً
حتى وتيرة أنفاسي ، باتت معوجة تجرجرُ خيبتها في حضرة وجود زوج جاف غليظ فظ القلب
وفي صمت مسلوب الأرادة راحت دموع كثيفة تتهدج  بداخلي كأمواج غاضبة تحقن العضلة الأخيرة لقلبي بالتعاسة وأنا أضع الطعام على السفرة
( 6 )
من أشتهائي لطفل أضمه إلي صدري وأحنو عليه، أنبثقت أمومتي وتدفقت ، ومعها راحت تمرح أحلامي من جديد، ترنو نحوى ، لهوفة ، متشبثة بأطراف ثوبي وأنا أرفع أبني الصغير الذى لم يتجاوزعامه الثالث  أناغيه وأقبل شفتيه المنفرجة عن سن صغيرة بيضاء

ووقع في تصوري آنذاك انه قطعة منى وإنه الوحيد الذى له القدرة على أن أحفظ أخر ما بقى من مشاعري
ورغم أني  مازلت مكبلةٌ على هذه الأرض الجائرة ولا أملك شيء سوى الدمع المالح الذي يُحرق تشققات روحي
رحت أفتش عن أبجديتي التائهة
رحت أبحثُ في أحياءِ رومانسيتى القديمة عن مسكني وحينها قبضت بكفي على صدري الامس عقدى اللؤلؤي لكنه أنفرط على حافة الجبل وتساقط وأندثر

 

الإعلامية جيهان حكيم

كاتبة حرة وأدبية حصلت على العديد من الجوائز في القصة القصيرة ، نائب رئيس مجلس إدارة مجلة المجتمع سابقا ، نائب رئيس تحرير جريدة الأمة ، رئيس القسم الأدبي بجريدة العالم الحر ،كاتبة مقال الرأى بجرائد عدة منها جريدة العالم الحر _ صوت الوفد _جريدة الوتر _ نبض الشارع وغيرهم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى