مهما بذل النظام الإيراني من جهود ومساع من أجل الإيحاء بالقوة والتماسك، وبأنه يمسك بزمام الأمور بقوة ومستعد لکل الاحتمالات، فإنَّ واقع حاله ليس کذلك أبداً، خصوصاً أنه يواجه أزمة حادة لم يتمکن من التخفيف من وطأتها، بالرغم من کل المحاولات التي بذلها من أجل ذلك.
هذه الأزمة تتعلق بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفکرية، بمعنى أنها أزمة عامة تضع نظرية ولاية الفقيه التي بني على أساس منها النظام في مهب الريح، تزداد تعمقاً وتجذراً وليس تزيد، بل حتى تضاعف، من احتمالات تدهور الأوضاع ووصولها إلى حد الانفجار.
التحذير من الخوف من مضاعفات هذه الأزمة واحتمال انفجار الأوضاع، لا يأتي من قبل المعارضة الإيرانية ولا حتى من الأوساط السياسية والإعلامية المعنية بالشأن الإيراني، وإنما من القادة والمسؤولين في النظام نفسه. والملفت للنظر أنَّ هذا التحذير يأتي مع استمرار الحرب الدامية في غزة، وهو ما يستدعي القول إن حسابات الحقل والبيدر للنظام بخصوص هذه الحرب التي سعى إلى استغلالها لصالحه، لم تتطابق، ولذلك فإنَّ الذي أراده النظام (عوناً) قد ينقلب ضده (فرعوناً)، وهذا تحديداً هو سبب الزيارة الخاصة لقائد فيلق القدس الإرهابي، إسماعيل قاآني، إلى بغداد وطلبه من الميليشيات المرتبطة به أن تخفف من هجماتها على القوات الأميرکية، لأنَّ تفجر الأوضاع في المنطقة في هذا الوقت بالذات سينعکس سلباً على النظام وقد يجعله في خبر کان!
بحسب ما أوردت وکالة رويترز فإن “قاآني أبلغ الفصائل المسلحة أنه يتعين عليها أن تبتعد عن المشهد لتجنب شن ضربات أميركية على كبار قادتها أو تدمير بنيتها التحتية الرئيسية أو حتى الانتقام المباشر من إيران”. وهذا الذي نقلته رويترز عن قاآني يوضح حقيقة أنَّ النظام الإيراني، وکذلك وکلاءه في المنطقة والعراق بشکل خاص، ليسوا في مستوى اندلاع حرب شاملة، وبشکل خاص النظام نفسه، والذي يمکن وصف أوضاعه بأنها على کف عفريت، خصوصاً أن الانکماش السياسي في النظام بلغ حداً غير مسبوق، إذ بدأ يطال الدائرة المقربة من خامنئي، مما يعني أنَّ الأوضاع بلغت مستوى وحداً بالغ الخطورة، خصوصاً أننا يجب هنا ألا ننسى ولا نتغافل عن مسألة حيوية أخرى يرتبط مصير النظام بها، وهي قضية خليفة خامنئي، الذي يعاني من مرض عضال وقد يموت في أي لحظة، ولذلك فإننا يجب أن نضع کل هذه الأمور أمامنا ونحن نتصدى للزيارة الخاصة التي قام بها الإرهابي قاآني للعراق وما ذهب من أجله.
النظام الإيراني الذي أکدنا مراراً بأنه يتخوف من المواجهة المباشرة، وحتى يتحاشاها، ويفضل المواجهة غير المباشرة عن طريق وکلائه، يسعى في هذه المرة إلى الضغط على وکلائه لأنه يعلم أنَّ الأوضاع تسير بسرعة أکبر مما کان يتصور، وکما أسلفنا القول، فإنَّ النظام في أسوء حالاته، ويواجه أزمة عامة قد تنفجر به في أي لحظة، ولذلك فإننا نرى أنَّ الوقت الحالي تحديداً هو وقت إضعاف النظام تمهيداً لسقوطه، وليس تقويته للمساعدة على بقائه!