حاتم السر علي: النظام الإيراني “سرطان العصر” ولا يمكن التعايش معه وعلى المجتمع الدولي دعم المقاومة الإيرانية

حاتم السر علي: النظام الإيراني “سرطان العصر” ولا يمكن التعايش معه وعلى المجتمع الدولي دعم المقاومة الإيرانية
في أجواء رمضانیّة غلّفها التضامن والرغبة في نصرة الحرية، شهدت مدينة أوفير سور واز قرب العاصمة الفرنسية باريس مساء الخميس 6 مارس فعالیات مؤتمرٍ حمل عنوان «رمضان شهر الأخوة والتسامح في مواجهة ولاية الفقيه والتطرف»، وذلك بدعوةٍ من السیدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانیة. جاءت هذه الفعالیة لتؤكّد على الدور المحوري الذي یمكن أن یلعبه التآزر الإقلیمي والدولي في التصدي لسياسات نظام ولاية الفقیه في إيران، والذي یُعتبر – بحسب العدید من المشاركين – مصدرًا رئیسیًا لزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا على حدّ سواء.
افتُتح المؤتمر بعدة كلمات ترحیبیّة ألقت الضوء على أهمية شهر رمضان باعتباره موسمًا للتقارب بین الشعوب والأدیان، وفرصةً لتعزیز القیم السامية من تسامحٍ وأخوّةٍ إنسانیّة. وقد تطرّقت الكلِمات الافتتاحیّة إلى واقع الشّعوب في الشرق الأوسط والتي تُعاني من التدخلات الخارجيّة والحروب بالوكالة، بخاصة تلك التي یُتّهم النظام الإیراني بالضلوع فیها، سواءً بشكلٍ مباشر أو غیر مباشر. وفي سیاق ما تفعله المقاومة الإیرانیّة منذ عقود لمجابهة هذا النّظام، كانت الفقرة الأساسیّة في المؤتمر هي كلمة السید حاتم السر علي، وزیر التجارة والصناعة السودانی السابق، الذي سجّل حضورًا لافتًا وقدّم خطابًا حماسيًا یؤكّد فیه تضامنه الكامل مع مساعي المقاومة الإیرانیة.
استهلّ حاتم السر علي حدیثه بالإعراب عن اعتزازه بالمشاركة في هذه المناسبة الرمضانیة التي تُجسّد أسمى معاني التضامن مع الشعب الإیراني ومع المقاومة الساعیة إلى تحقیق الدیمقراطية وإنهاء القمع. وأشار في مقدّمته إلى المكانة المحوریّة لشهر رمضان الذي یحمل في طیّاته قیماً إنسانیّةً تجمع الشعوب مهما اختلفت ثقافاتها. وقد وجّه تحیّة خاصّة إلى السیدة مریم رجوي، واصفًا إیاها بالمناضلة ذات المسیرة الطویلة التي تبذل جهودًا جبارة في توحید صفوف المقاومة الإیرانیة ورصّ صفوفها على مدار سنواتٍ طویلة.
ثمّ انتقل لیوضّح رؤیته حيال ضرورة إنهاء ما یسمّیه بـ«إمبراطوریّة دولة الفقیه والملالي»، إذ اعتبر أنّ هذا النظام هو السبب الرئیس في الأزمات العدیدة التي تضرب المنطقة من صراعاتٍ عسكریّة واضطراباتٍ سیاسیّة إلى مشكلات اقتصادیة تعاني منها دول عدة في الشرق الأوسط وأفریقیا. واستشهد بوضع السودان الذي یواجه ظروفًا أمنیّة صعبة وحالةً من عدم الاستقرار، معتبرًا أنّ جذور هذه المشكلات لا تنحصر فقط داخل حدود الوطن، وإنما تتّسع دائرتها لتشمل تدخلات إیرانیّة تُفاقم الأزمات وتُشعل الحروب في أكثر من بقعة.
وتوقّف حاتم السر بشكلٍ لافت عند مفهوم “مواجهة المشكلة من جذورها”، مشدّدًا على أنّ الشکوى من الحروب والأوضاع الصعبة لا تكفي إن لم يتمّ التصدّي للمصدر الرئیس، والذي یراه متمثّلاً في نظام طهران القائم على ولاية الفقیه. وحذّر من حصر خطورة هذا النظام في الجانب الإقلیمي فقط، ذلك أنّ تداعیات سیاساته تمتدّ إلى دول مختلفة في الشرق الأوسط وإفریقیا، بل وتتسبّب في تقویض الأمن العالمي ككل.
وفي معرض حدیثه عن برامج المقاومة الإیرانیة وأهدافها، أكّد حاتم السر أنّ هذه المقاومة تُطالب بحریّةٍ حقیقیّة ودیمقراطیةٍ عادلة، وتسعى لاستبدال الدیكتاتوریة المتغلغلة في طهران بنظامٍ یحترم حقوق الإنسان ویتبنّى مبدأ السلام بدل الحرب، ویعترف بالتعددیة الفكریة والدینیة بدل فرض رؤیةٍ أحادیّةٍ شمولیّة. وأوضح أنّ أيّ إنسانٍ “متعافٍ وسلیم” – على حد تعبیره – سوف یؤیّد هذه الأهداف ویدعم أيّ مشروعٍ یرمي إلى نشر القیم التی تحفظ كرامة الشعوب وحریتها. ومن هذا المنطلق، دعا الحكومات والمنظمات الدولیة إلى التحلّي بالمصداقیّة وعدم الكیل بمكیالین، وانتقاد نظام الملالي علنًا ودعم المعارضة بصورة رسميّة، لا أن تظلّ مواقفها رهینة صفقات خفیّة أو أجندات سیاسیة تضرب بمبدأ حقوق الإنسان عرض الحائط.
ثمّ أوضح حاتم السر أنّ تجاهل المجتمع الدولي لجرائم النظام الإیرانی یُعَدّ تفریطًا في حقّ الشعوب المتضررة، سواء في إیران أو في غیرها من دول المنطقة، مشیرًا إلى أنّه لا یمكن التعايش مع مثل هذا النظام بوصفه «سرطان العصر»، لأنه یتغذّى على إطالة أمد الأزمات وتصدیر التطرّف بما یمكّنه من المحافظة على بنیته السلطویة. واعتبر أنّ عدم اتخاذ الحكومات قراراتٍ حاسمة في مواجهة هذا النظام سیؤدي إلى مزیدٍ من الدمار ویزید من تشرذم المجتمعات، مطالبًا بضرورة الاصطفاف مع الشعب الإیراني الذي یعاني الویلات جراء القمع الوحشي والاعتقالات التّعسّفیّة.
وانتقل وزیر التجارة والصناعة السوداني السابق للحدیث عن تجربته الشخصیّة في المعارضة، لافتًا إلى أنّه لا یمكن قیاسها بتجربة المقاومة الإیرانیة التي امتدّت لأكثر من نصف قرن. وأشاد بقوة هذا التنظيم وقدرته على البقاء متماسكًا وموحّدًا، على الرغم من الظروف العصیبة والتضحیات الجمّة التي تكبّدها أعضاؤه. ووصف السیدة مریم رجوي بـ«المرأة الحدیدیة»، مُقدّرًا دورها في الحفاظ على وحدة الصف ورصّ جموع المناضلین من مختلف التیارات والخلفیّات والفئات الاجتماعيّة، حتی باتت المقاومة قادرة على جذب داعمین من شتّى أرجاء العالم، على اختلاف الدیانات والثقافات والانتماءات السیاسیة.
لم یكتفِ حاتم السر بكیل الثناء على صمود المقاومة فحسب، بل دعا الحاضرین والمجتمع الدولي برمّته إلى تقدیم دعم حقیقي ملموس لها، مؤكدًا أنّ الواجب الأخلاقي یُملي على جمیع القوى السیاسیة الحریصة على الدیمقراطیة وحقوق الإنسان أن تقف في صفّ الشعب الإیراني، وأن تعلِن ذلك دون مواربة. وأشار إلى أنّ انتصار المقاومة الإیرانیة یُمثّل بوصلة لاستعادة استقرار المنطقة، لأن سقوط نظام الملالي سیُسهم في قطع دابر التطرّف، ویمهّد لحقبةٍ جدیدة یسودها السلام والتسامح ویحظى فیها الشعب الإیراني بحقوقه المشروعة.
واختتم كلمته بالتفاؤل بحلولٍ قریبة، مُذكِّرًا بأنّ شهر رمضان شهر الانتصارات في التراث الإسلامي، متوقّعًا أن تتكلّل جهود المقاومة بنصرٍ یبدّد أحلام الظلم الدیكتاتوري، ویجعل من إیران دولة حرة دیمقراطیّة قائمة على احترام التنوع واحترام الجیران والمجتمع الدولي. وفي الختام، دعا جمیع الحاضرین إلى توحید صفوفهم والانضمام إلى ما أسماه “حملة دعم واسع للشعب الإیراني” بوصفها فرضًا إنسانیًّا وأخلاقیًّا لا یقبل التسویف أو الانتظار.
وعلى هذا النحو، جسّد حاتم السر علي في كلمته موقفًا عربيًا صارمًا داعمًا للمقاومة الإیرانیة، موضحًا أنّ المسألة الإیرانیة لا تنفصل عن قضایا المنطقة، بل تشكّل قلب المعادلة الأمنیّة والسیاسیّة التي تعصف بالشرق الأوسط وأفریقیا. ومع تصاعد وتیرة الأحداث الدولیة، یبقى الرهان قائمًا على وعي المجتمع الدولي وجهوده المنسّقة لإنهاء حكم ولاية الفقیه في طهران، وترسیخ نهجٍ دیمقراطي یفتح الباب أمام مستقبل أكثر ازدهارًا وسلامًا لإیران وجمیع شعوب المنطقة.