بقلم/ علاء الدرديري
تعد قضايا التربية من اهم القضايا التي تخلي عنها بعض أفراد مجتمعاتنا، مما خلق نوعا من عدم الاهتمام بالابناء وقلة السؤال عنهم باستمرار، مما ساعد كثير من الابناء في ان يتصرف كل بطريقة معينة، واصبح كثير من الاباء لا يعرفون شيئا عن ابنائهم، ولا عن اصدقائهم، ولا عن دراستهم او في مرحلة يدرسون، ولا مع من يقضون أوقات فراغهم، حتي أدي بهم ذلك ألي الانحراف الاخلاقي والسلوكي، او قد ينتهي بهم الامر الي الادمان او السجن
فعصر الحداثة سمح لكثير من الشباب بمزيد من الامكانيات التي تقوده الي الانحراف وتعاطي المخدرات ومن ثم إلي عالم الجريمة، مع العلم أن المجتمعات في الماضي لم تخلو من تعاطي المخدرات، لكن تلك المواد التي كانوا يتعاطونها في الماضي لم تكن تتعدي التبغ والمشروبات الكحولية والافيون، وكانت أعمار المدمنين في الماضي تتعدي العشرون عاما، أما العصر الحالي وما يشهده من تقدم تكنولوجي جعل الشباب يلجأ إلي بعض العادات المستهجنة والقبيحة مثل تعاطي المخدرات وادمانها في العقود الاولي من أعمارهن، ولم يقتصر الامر علي الذكور بل شمل الاناث، مما أدي إلي كثير من الاضرار الاقتصادية والاجتماعية “قتل، سرقة، دعارة، قمار، فساد، عنف، حوداث سير، حوادث انتحار” الخ…
كذلك لجأ كثير من فئات الشباب الي ادمان المواد المخدرة تحت حب الاستطلاع، والاعتقاد الخاطئ لديهم بأنها تساعد على النسيان وتزيل القلق والتوتر، دون المبالاة بالعواقب، حتي انقادوا في احضان الرذيلة “الزنا، الاغتصاب، الخيانة الزوجية”
وكثير من الابناء تجردوا من مشاعرهم تحت مفعول وتأثير المواد المخدرة للتحول الي أداة تمتص رحيق جيوبهم، لتحولهم إلي ذئاب بشرية تجعلهم لا يشعرون بالحنان إتجاه الاباء والامهات، وجعلتهم يتطاولون عليهم ليس فقط بخشونة وقسوة الحديث والالفاظ الجارحة التي تمس القلب والمشاعر قبل العقل، بل وصل الامر بالبعض الى ان امتدت يده بالضرب على امه وابيه، وربما وصل به الحال الي قتلهم
ولا شك ان ظاهرة القتل التي انتشرت بصورة كبيرة في هذه الشهور الاخيرة من هذا العام، ارجعه البعض الي تعاطي المواد المخدرة و الامراض النفسية، التي تفقده السيطرة تحت وطأة الغضب الشديد الذي يجعله في حاجة الي بعض المال للحصول علي المواد المخدرة التي سبق ان تعاطاها، فيلجأ الي القوة لابتزاز من حوله وان كانوا اقرب الناس اليه، و قد يصل الامر به الي السرقة او القتل، لان هذه المواد تسلب متعاطيها عقله وقدرته علي الحكم علي الامور، حتي ينتج عن ذلك عواقب وخيمة، لانها تجعل الشخص عبدا ذليلا معتمدا عليها نفسيا
ومن وقائع القتل التي حدثت في الشهور الاخيرة من هذا العام
عاطل قام بقتل والدته البالغة من العمر 74 عاما، بمحافظة الاسكندرية، نتيجة إصابتها بكدمات وسحجات متفرقة بالجسم، بسبب طلبه مبلغا من المال لشراء مواد مخدرة يتعاطاها
وفي محافظة بني سويف، أقدم شاب علي قتل والدته بضربها “بشاكوش” بسبب اضطرابات نفسية
وفي محافظة الدقهلية، شاب يقتل والدته البالغة من العمر 47 عاما خنقا، بعدما رفضت إعطاؤه مبلغا ماليا لاعتياده تعاطي المواد المخدرة
وفي محافظة الشرقية، تجرد عاطل من مشاعر الرحمة، وأقدم علي قتل والدته بعدة طعنات بالوجه والرقبة داخل منزلها بمركز بلبيس بسبب رفضها إعطاءه مبلغاً من المال لشراء مواد مخدرة
وفي محافظة أسوان، إبن يقتل والدته بآلة حادة علي رأسها، بسبب نصحها له بالعمل وترك المخدرات
ومن هنا يجب علي الاباء ان يقوموا بتنفيذ المنهج التربوي الذي رسمه الاسلام، عن طريق مراقبة سلوك أبنائهم، واختيار أصدقائهم، حتي لايختلطوا بذوي الاخلاق الفاسدة والعادات القبيحة، لأن الاولاد إن عودوا الخير في صغرهم نشئوا عليه وسعدوا به في الدنيا والآخرة، وإن نشئوا علي الشر ودرجوا عليه، شقوا وهلكوا، حيث أن الطفل الناشئ كالعجينة اللينة في يد صانعها يشكلها كيفما أراد
فلو التزم كل مسلمٍ بتعاليم الإسلام في تربية أبنائه، لوجدنا جيلاً من الشباب الصالح المتدين العارف بربه المتمسك بكتاب الله وسنة رسوله، الحريص على مصلحة وطنه وحمايته من كل خطر، وصيانته عن كل منكر، لكننا نلاحظ أنّ كثيراً من الاباء يهربون من هذه المسئولية، ويعرضون أبناءهم للضياع، ويتركونهم للانحراف، وكم من ولد جرّ على أهله الخراب والدمار، لسوء أدبه، وقلة حيائه، وكم من فتاة ألحقت بأسرتها الخزي والعار، لأنها تركت بلا رقيب، وسارت في ركب الشيطان بلا حسيب
والأسرة هي المحضن الأول الذي ينشأ فيه الأبناء، ورب الأسرة وزوجته كلاهما شريك الآخر في تلك المؤسسة الاجتماعية التي أمر الإسلام برعايتها والحفاظ عليها، ولا يمكن أن يتحقق النجاح للأسرة إلا إذا تعاون كل من الرجل والمرأة في تربية الأولاد، والولد يتأثر بوالديه في أخلاقه وسلوكه وتصرفاته واتجاهاته الدينية والعقائدية
قال الله تعالى في وصية لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ . وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ . وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للحسن لما أخذ تمرة من تمر الصدقة: «كِخْ كِخْ»؛ لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟!» (متفق عليه، وهذا لفظ البخاري)
فما أحوج الآباء والأمهات إلى هذا الهدي القرآني والنبوي في تربية الأجيال، فإنه من أهم وأخطر ما تحتاج إليه الأمة في حاضرها ومستقبلها، وهو أهم ما تبذل فيه الحياة، وتنفق فيه الأوقات، وهي مهمة كل راعٍ فيما استرعاه الله، ومهمة الآباء في أبنائهم وبناتهم وأهليهم، ومهمة الأمهات كذلك، فاحرصا أيها الأب وأيتها الأم على أن ينشأ ولدكما على الإسلام والأخلاق النبيلة، ولا تعتذرا ولا تتنصلا عن دوركما بحجة كثرة المشاغل، فلعل ولدك يكون أمةً، أو يهدي الله به أمةً، أو يكون واحدًا ممن يعيد للأمة مجدها وعزها، بل يكفيك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (رواه مسلم)
فاحرص أيها الوالد الكريم وأيتها الأم الحنون أن تكونا قدوة لأولادكم، فالإبن الذي يرى أباه يحافظ على الصلاة في الجماعة في المسجد، ولا يفتر لسانه عن ذكر الله، ويعامل الناس معاملة حسنة، ويتخلق بالأخلاق الكريمة، ويتخلى عن الأخلاق الرذيلة، يتأثر الابن بذلك حتى تصير سجية فيه،