اخبار عربية وعالميةاسليدرمقالات واراء

ثورة مرشحة للأوسكار

احجز مساحتك الاعلانية

عبد الرازق أحمد الشاعر

في عام 2014، قام المخرج الجزائري المدهش لطفي بوشوشي بتقديم العرض الأول لفيلمه المدهش “البئر”، والذي تناول قصة تمرد شعبي ضد قوات الاحتلال الفرنسي، ذلك التمرد الذي تزعمته نسوة مدينة جزائرية محاصرة، حالت كتيبة المحتل بينها وبين الماء.

ورغم أن أحداث الفيلم لم تتميز بالجدة، إلا أن طبيعة المعاناة التي فرضت نفسها على ملامح الأمهات وجلود أطفالهن المتغضنة، كانت كفيلة بترشيح الفيلم للأوسكار ناهيك عن فوزه بعدد كبير من الجوائز العربية والدولية كونه يتناول بعدا إنسانيا هاما، ويتحدث عن وجع بشري مقيم.

وتتوزع البطولة على نسوة المدينة التي ذهب رجالها لقتال المحتل بالتساوي.

فلا تكاد تميز ملامح امرأة، فكلهن يحملن البؤس نفسه والتحدي عينه.

أما الأطفال، فقد قاوموا العطش ببسالة ليتركوا لأمهاتهن مهمة التفرغ لقتال القناصين الذين حاصروا المدينة من كافة أرجائها، واتخذوا من رؤوس الشباب هدفا لبنادقهم الحديثة.

وقد استطاع ياسين محمد بن لحاج أن يستخدم لغة جزائرية سلسة لا تميز منطقة عن أخرى، وكأنه أراد أن يوزع المجد على مدن الوطن بالقسطاس المستقيم.

وهذا الفيلم يسطر مشهدا من مشاهد المقاومة التي عكف الجزائريون على نسجها جيلا بعد جيل، ويسلط الضوء على معاناة لا يشعر بها المتحلقون حول الموائد المستديرة ليحددوا مصائر البلاد والعباد.

فيتعرض لمأساة امرأة تضع حملها وسط جو المشحون بالخوف والترقب.

ليوثق فوق الشاشات جرائم المحتل التي لا تريد أن تعترف بها المنظمات غير المحايدة، وليمنح أملا جديدا لشعوب لا تجيد إلا الصبر والتحمل والموت، وهو ما يتجلى في بشارة تمثلها صرخة مولود تحت الحصار.

وكأن لطفي بوشوشي أراد من وراء هذا العمل أن يؤكد لأحرار تونس وثوار مصر أن للجزائر قدم سبق في تحدي الثورات، وأنها سبقت دول المنطقة إلى ربيع عربي مغاير، حين تمردت على المحتل الفرنسي عام 1954، وفقدت خيرة رجالها وصفوة نسائها.

وكأنه أراد أن يؤكد للواقفين في ميادين التمرد هنا وهناك أن العملاق الجزائري قادم على الطريق، وأن تاريخ انعتاقه في لوح محفوظ.

اليوم تتحقق نبوءة بوشوشي، وتكتظ ميادين الجزائر بالواقفين على أقدام من فولاذ بعد أن درسوا سقطات الثوار في دول الجوار ليطالبوا بحقهم المشروع في ربيع عربي قادم.

وليسقطوا عهدة رجل بقي فوق كرسي الحكم حتى حوله إلى كرسي متحرك.

خرج شباب الجزائر من كل صوب ليعلنوا تمردهم المشروع على رجل قسم البؤس بينهم والبطالة، ووزع نفطهم وأرزاقهم على ثلة من الجنرالات ورجال الأعمال ليضمن ولاءهم وصمتهم، وليتمكن من تغيير الدستور عام 2008 رغم أنف المعترضين، ليبقى في الحكم لعهدة ثالثة ثم رابعة ثم .. ينتفض الشعب.

استطاع بوتفليقة العائد من منفاه الإماراتي في دبي أن يعود إلى بلاده مرتديا ثوب الحكيم القادر على انتشال البلاد من دوامة العنف بنزع فتيل القتل بين الإسلاميين والجيش وذلك بإصدار عفو عام عمن يلقي سلاحه .

وبالفعل استطاع الرجل بعد عقدين من الخذلان أن يصبح فارس المرحلة، وأن يتخلص من مناوئيه واحدا تلو الآخر، حتى ظن كل الظن أن المقعد قد خلا له، وأن أحدا لن يعترض على بقائه فوق صدر البلاد حتى وإن على كرسي متحرك.

ترى، هل كان بوتفليقه ينظر بعين الشفقة إلى القذافي وبن علي ومبارك وصالح وهو يراهم يتراجعون أمام جحافل الثوار التي ملأت الميادين والشوارع وهم يلوحون بقبضاتهم في الهواء؟

أم أنه كان يقضي عطلة الربيع كعادته خارج حدود العروبة؟

أعتقد أن الرئيس المقعد كان يثق جيدا بفرامل كرسيه ومن يوجهه يمينا ويسارا، وإلا لما بقي إلى يومنا هذا متمسكا بعهدة خامسة وهو يرى المشهد نفسه يتكرر لكن هذه المرة أمام عتبة قصرة.

لم يعلن بوتفليقة عن تنح فوري كما فعل مبارك، وإنما وعد أن لا يكون اسمه بين قوائم المرشحين للرئاسة، ووعد بإصلاحات جمة، وكأنه يريد أن يقول للمتجمهرين في شوارع العاصمة الثائرة أن الأمر لا يزال بيده، وأنه سيحيي من يشاء ويميت من يريد، وأنه الوحيد القادر على إخراج جني المصباح فانوسه الصدئ.

والحقيقة أن الرجل لا يريد أن يتراجع إلى ما وراء الستار قبل أن يضمن قصرا منيفا وإقامة مترفة ومستقبلا مشرقا لأحفاده البوتفليقيين، وأنه سيترك البلاد في أيد موالية يتولى فيها وزير الداخلية رئاسة الوزراء وكبير الخدم رئاسة البلاد.

فهل يترك الثوار كرسي الرئيس شاغرا حتى يعتليه وريث غير شرعي لحاكم فقد شرعيته منذ سنوات، أم تراهم سيتركون الميادين مطمئنين إلى وعود قائد الجيش بأنه لا طاعة لبوتفليقة في معصية قايد صالح؟

أم تراهم سيتنافسون المنصات وينزلون من فوق جبل الرماة ليجمعوا أسلاب ثورة لم تكتمل لتذهب ريحهم؟

أرجو أن يمتلك ثوار الجبل حكمة التاريخ وأن يعوا مواطئ أقدامهم التي حتما تراقبها أجهزة المخابرات في الدول كافة.

حفظ الله الجزائر وبارك أهلها.

رئيس التحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button