نشر بثينه سالم
بقلم الدكتور عادل عامر
إن قرار البنك المركزي بتحرير سعر الصرف خطوة جيدة جدا في طريق ضبط منظومة السياسة المالية والنقدية في مصر، مشيرا إلي أن هذا القرار يسهم بشكل مباشر في السيطرة علي السوق السوداء إلي حد كبير ولن تتعدي الفروقات حاجز الـ٥٪ ما يعمل علي ضبط المنظومة والقضاء علي العشوائية التي سادت خلال الفترة الماضية.
أن السوق هو من سيفرض سعر الجنيه، ويجب علي الدولة تحديد المشكلة الرئيسية وهي نقص مصادر العملة الأجنبية وليس السعر في حد ذاته، فما كان يحدث مؤخرا في السوق السوداء كان مهزلة، ولهذا فإن تشجيع الإنتاج يجب أن يكون علي رأس أولويات الحكومة لزيادة التصدير ومصادر العملة وهذا يشمل أيضا تشجيع السياحة والدخول في أسواق جديدة. أن تحرير سعر الصرف سيعمل علي زيادة الصادرات المصرية إلي الخارج، وجذب العملة الأجنبية المتداولة في الأسواق، ولكن المتابعة المستمرة للسوق ضرورة ملحة ويجب تجريم تداول العملة خارج البنوك مع إثبات مصدرها، مع العمل علي تشجيع الإنتاج وزيادة الحصيلة الدولارية من جميع القطاعات التي شهدت تراجعا خلال الفترات السابقة لضمان القضاء نهائيا علي السوق السوداء.
ولتحرير سعر العملة مستويان: التحرير المُدار وفيه تضع الدولة مستوى استرشاديًّا للسعر وتترك لقوى السوق والبنوك حرية الحركة حوله، مع مراقبته والتدخل الدوري لضبطه في إطار المحافظة على التوازن وصيانة المستويات التي قررتها ارتباطًا بمعدلات النمو ومؤشرات التضخم وحجم الاقتصاد وكمية النقد المصدر، والنوع الآخر هو التحرير الكامل، وهو ما لجأ إليه البنك المركزي، وفيه يتم ترك سعر الصرف لقوى السوق وآليات العرض والطلب بشكل كامل، ويحتاج هذا النظام إلى آليات رقابة وسياسات مالية قوية وديناميكية، تقرأ خريطة السوق لحظة بلحظة من أجل الموازنة بين مستويات النقد المصدر ومعدل التضخم بما يراعى نسبة النمو في الناتج المحلى الإجمالي.
الأهم من معنى قرار البنك المركزي المصري بتحرير سعر الصرف، وهل هو تعويم كامل للجنيه أم تعويم مدار، محاولة الاقتراب من أثر القرار ومدى فعله في السوق المصرية، وفق حالة الاقتصاد وشكل السوق خلال الشهور الماضية، ولا شكّ في أن القرار سيُحدث تغيرات كبيرة وهيكلية في الساحة الاقتصادية وسوق الصرف،
وربما من المبكر التنبؤ بكونها تغيرات إيجابية أو سلبية، فمدى ما يمكن أن يُحدثه القالدولار،ر يرتبط بالمقبل أكثر مما يرتبط بالراهن، والقرار في ذاته لا يمثل أكثر من خطوة جريئة وإلزامية، ربما كنا نحتاجها منذ سنوات، وما تحمله الأيام المقبلة على صعيد سياسات البنك المركزي ورقابته على البنوك، والدقة في قراءة خريطة الاقتصاد وأرقامه الدالة، من نمو وتضخم وعجز بالموازنة وحالة موازين السوق، الحساب الجاري والميزان التجاري وميزان المدفوعات، والموازنة بين المعروض الدولارى، ومعروض السلع والخدمات، مع حجم النقد المصدر والمتداول في السوق المصرية، دون إغفال الادخار السلبي، ودون تقييم جزافي له، ما يعنى ضرورة التدقيق في كمية البنكنوت المتاحة، وعدم التوسع في طباعة النقد كما كان الحال خلال الفترة الماضية. إن البنك المركزي المصري سيطرح أربعة مليارات دولار في عطاء استثنائي لبيع العملة الصعبة”، وقفزت السندات الدولارية لمصر عبر شتى آجال الاستحقاق مع ارتفاع بعض الإصدارات نحو سنتين بعدما تقرر تحرير سعر الصرف.
و أن السندات المصرية الحكومية لأجل عشر سنوات التي جرى إصدارها العام الماضي ارتفعت 2.2 سنت للدولار بينما ارتفعت السندات استحقاق 2020 و2040 بواقع 0.7 سنت وسنتين على الترتيب. وتقلص متوسط علاوة عائد السندات المصرية 29 نقطة أساس وفق أدوات الخزانة الأمريكية
أن تحرير أسعار الصرف يستهدف إعطاء مرونة للمصارف العاملة في مصر لتسعير شراء وبيع النقد الأجنبي بهدف استعادة تداوله داخل القنوات الشرعية وإنهاء السوق الموازية للنقد الأجنبي تماما. ومع وصول عجز الموازنة إلى 12 في المائة في 2015-2016 وتفاقم التشوهات في أسواق العملة، اتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي في (أغسطس) على الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار على ثلاث سنوات لدعم برنامج إصلاح اقتصادي. وفي إطار هذه الإصلاحات كان من المتوقع على نطاق واسع أن تخفض مصر سعر الجنيه وتتبنى آلية أكثر مرونة لسعر الصرف، وهي خطوة ستؤدي إلى اجتذاب استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات”.
أن حزمة الإصلاحات النقدية والمالية المتكاملة تمكن الاقتصاد المصري من مواجهة التحديات القائمة وإطلاق قدراته وتحقيق معدلات النمو والتشغيل المنشودة بما يتناسب مع إمكانيات وموارد مصر البشرية والطبيعية والمادية.و أنه لن تفرض شروط للتنازل عن العملات الأجنبية، وأنه يضمن أموال المودعين في الجهاز المصرفي بكافة العملات، وأنه لا توجد أي قيود على إيداع وسحب العملات الأجنبية للأفراد والشركات.
تأتي قرارات البنك المركزي في سياق البرنامج الأوسع للإصلاح المالي والهيكلي، الذي أعلنته الحكومة المصرية وجارٍ تنفيذه بإحكام لتخفيض عجز الموازنة والدين العام من خلال استكمال إصلاح منظومة الدعم وترشيد الإنفاق الحكومي وخفض الواردات، خاصة الاستيراد العشوائي وزيادة الصادرات وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي وبرنامج الطريحات في البورصة المصرية. أن البنك المركزي المصري كان يتحكم في سعر صرف الجنيه من خلال عطاءات دورية يبيع من خلالها الدولار للمصارف
أن يقضي التعويم على السوق الموازية “السوداء”.حرية تحديد سعر النقد الأجنبي للبنوك من خلال آليات العرض والطلب إن البنوك لا تبيع الدولار ، فلماذا لا يذهب إلى شركات الصرافة ، السعر مثل البنوك ، وأحيانًا يكون أقل لجذب الأفراد لشراء الدولار. ن السوق السوداء تلقت صفعة على وجهها بعد قرار المركزي الأخير، الأمر الذي دفعهم للامتناع عن بيع الدولار حتى يمتصوا الصدمة ويعيدوا ترتيب أوراقهم.
إن “المركزي” نجح في تخفيض الجنيه وتقليص الفجوة بين السعرين الرسمي والموازى، وسينجح في القضاء على السوق السوداء إذا ترددت أنباء حول إصدار المركزي تعليمات للبنوك بتوفير الدولار للعملاء إن فرض حد أحد للإيداع بالدولار، و أنه “قرار طارد ومعوق للاستثمار”، وسيفتح الباب لكثير من المعاملات خارج القطاع المصرفي.
أن البنوك لا تمنح فائدة تذكر على الودائع الدولارية، والبنك المركزي بقراره يعنى أنه “ليس بحاجة للإيداعات الدولارية” في وقت تعانى فيه البلاد من تآكل ملحوظ في الاحتياطي النقدي الأجنبي الذي استقر عند مستوى 15.43 مليار دولار بنهاية يناير الماضي بعد سداد قسط قيمته حوالي 700 مليون دولار لنادي باريس مطلع الشهر الماضي، إضافة إلى رد وديعة قطرية بقيمة 2.5 مليار دولار نهاية 2014 بعد طلب رسمي من الدوحة. أن تمنح الودائع الخليجية القطاع المصرفي السيولة المطلوبة لضبط سوق الصرف بـ”صورة مؤقتة”، لكنها أكدت في الوقت ذاته أنه
لايمكن الاعتماد عليها كأساس لتنظيم سعر الصرف لعدة أسباب، في مقدمتها أنها غير مملوكة للدولة لأنها دين يتم سداده وفقا للآجال المتفق عليها. وأن حسم مسألة سعر الصرف يتطلب آلية أكثر انضباطا وفقا لأسس هيكلية وطنية ومستقرة، منوهة أنه في حالة الاختلاف مع إحدى الدولي المانحة سيواجه القطاع المصرفي أزمة، وهو ما حدث بالفعل عندما توترت العلاقات بين مصر وقطر واضطرت مصر لسداد الودائع القطرية بطلبات رسمية من الدوحة. أن يواصل البنك المركزي تخفيض سعر الجنيه حتى يستقر بالقرب مستوى 7.75-7.85 للدولار للقضاء على السوق الموازية قبل المؤتمر الاقتصادي، و أن هذا لن يتحقق إلا بتوفير البنوك لكل احتياجات المتعاملين والمستوردين من العملة الصعبة.