اهم المقالاتحصرى لــ"العالم الحر"

تاريخ العلاقات بين مصر وجيبوتى

احجز مساحتك الاعلانية

 

    د. محمد فؤاد رشوان                                                                

دكتوراة العلوم السياسيه جامعه القاهرة

تأتى زيارة رئيس دولة جيبوتى اسماعيل عمر جيلة كرد للزيارة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مايو من العام الماضى والتى كانت أول زيارة يقوم بها رئيس مصرى لجيبوتى منذ استقلالها والتى نتج عنها تقدم كبير على مستوى العلاقات الثنائية حيث تم عقب تلك الزيارة فتح فرع لبنك مصر فى دولة جيبوتى وهو ما يمثل نقلة كبيرة فى تسهيل المعاملات الائتمانية والبنكية بين الدولتين مما ترتب عليه مضاعفة التبادل التجارى بين الدولتين إلى 85 مليون دولارحتى نهاية عام 2021 بعدما كان 37 مليون دولار خلال عام 2017.

تاريخ العلاقات بين مصر وجيبوتى

بدأت العلاقات بين البلدين منذ استقلال جيبوتى عام 1977، حيث كانت مصر من أوائل الدول التى افتتحت سفارة فى جيبوتى ، كما كانت مصر فى طليعة الدول التى رحبت بالاتفاق الإطارى للحوار السياسى الذى تم توقيعة بين الحكومة وائتلاف المعارضة الذى مهد لإنهاء الخلاف السياسي القائم .

ومن الجدير بالذكر أن العلاقات بين كل من مصر وجيبوتى تشهد تقاربًا كبيرًا على كافة الاصعدة التى ينمتى لها كليهما فكل منهما عضو فى الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامى، فعلى صعيد العلاقات السياسيةوالتى شهدت تطورًا كبيرًا خلال الفترة الماضية حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم فى مجالات استيرايد وعبور المواشى واللحوم، ومذكرة فى مجال التعليم الفنى واتفاق للتعاون الفنى والاقتصادى بين البلدين.

كما استجابت وزارة التعليم العالى إلى طلب وزارة الخارجية الجيبوتية بزيادة عدد المنح الجامعية والدراسات العليا بالجامعات المصرية لتصل الى 15 منحة بالاضافة إلى 10 منح فى الدراسات العليا ذلك فضلاً عن المبعوثين الذين يستقبلهم الأزهر الشريف.

أما على مستوى التعاون فى مجال الصحة فعقب الزيارة التاريخية التى قام بها الرئيس السيسى فى منتصف العام الماضى شرعت مصر فى بناء مستشفى للنساء والتوليد والأطفال فى جيبوتى، كما دعمت مصر القطاع الصحى لجيبوتى خلال جائحة كورونا العام الماضى بإرسال عدة طائرات تحمل مساعدات طبيه كهدية من الشعب المصرى للشعب الجيبوتى.

أهمية الموقع الجيوستراتيجى لدولة جيبوتى

تتمتع جيبوتى بموقع استراتيجى حيوى عند المدخل الجنوبى لحوض البحر الأحمر وتحديدًا باطلالها على مضيق باب المندب وخليج عدن والذى أكتسب أهمية كبرى عقب حرب اكتوبر 1973، فقد كان لإغلاق باب المندب دورٌ جوهريٌ في التأثير على مجريات الحرب المصرية الإسرائيلية، وهو ما لفت الانتباه إلى أهمية ذلك المضيق والممر المائي في التأثير على واقع دول المنطقة، وتتحكم في حركة التجارة العالمية وخاصةً النفط القادم من منطقة الخليج إلى أوروبا حيث يقدر عدد السفن وناقلات النفط العابرة في مضيق باب المندب بالاتجاهين بــــــ 21000 سفينةٍ بحسب بعض التقديرات، وهو مايصل الى 30% من حمولات النفط في العالم.

وأخيرًا تشهد دولة جيبوتى تنافساً عالمياً وإقليميًا فقد أصبحت من أكثر دول العالم احتواءً للقواعد العسكرية ( فرنسية، أمريكية، ألمانية، أيطاليا ، يابانيه، صينية ، تركية، وأخيرًا سعودية)، الأمر الذي قد يكون له تداعياتٌ خطيرةٌ على الأمن القومي المصري، وهو ما يعني أن هناك حاجةٌ ماسةٌ لسياسةٍ داخليةٍ وخارجيةٍ عقلانيةٍ ومتجاوبةٍ يمكنها التعامل مع المتغيرات الحديثة لتلك القوات الموجودة في المنطقة، والاستفادة منها وتقليل مخاطرها إلى الحد الأدنى.

وقد أدت التطورات المتلاحقة التي يشهدها العالم العربى منذ عام 2010 فيما عُرف بثورات الربيع العربي إلي صعود بعض القوى الدولية والإقليمية التي سعت لتعظيم حضورها القوي في المنطقة، وقد أسهمت الحرب في اليمن وتصاعد العمليات الحربية بين الحوثيون المدعومون من قبل إيران وبين قوات التحالف العربي في سعي كل قوةٍ منهما للسيطرة على مسرح العمليات وترسيخ أقدامها في المنطقة الأكثر أهميةً في حركة التجارة الدولية، خاصةً تجارة النفط الخليجي إلى أوروبا، وهو ما دفع إيران إلى محاولة التواجد في كلٍ من جيبوتي و إريتريا من أجل الحصول على موطئ قدمٍ لها على البحر الأحمر الذي يكاد يصبح بحراً عربياً خالصاً.

وبالتالى فتعد جيبوتى بوابة القارة الأفريقية من جهة الشرق فهمى مقر دول محموعة  IGAD وهو التجمع التنموى لشرق أفريقيا المكون من إثيوبيا والسودان وجنوب السودان والصومال وكينيا وجيبوتى وأوغندا وإريتريا، كما ان جيبوتى هى بوابة لتجمع اكبر وهو المجموعة الاققتصادية لدول شرق وجنوب افريقيا COMESA والذى يضم فى عضويته 19 دولة بتعداد سكان يقترب من نصف مليار شخص.

وتشترك جيبوتى والتى تبلغ مساحتها 23200 كم2 وتقع فى قلب منطقة القرن الأفريقي حدوديًا مع إريتريا من الشمال إثيوبيا من الغرب والصومال من الجنوب الشرقى ويتمد الشريط الساحلى لها بطول 370 كم على البحر الاحمر وخليج عدن .

أما عن الأهمية السياسة لجيبوتى بالنسبة لدولة إثيوبيا والتى تشهد العلاقات بينها وبين مصر توترًا بسبب نباء وتشغيل سد النهضة والتعنت الإثيوبي فى الوصول الى اتفاق ملزم لجميع الأطراف حول بناء وتشغيل السد، فالعلاقات بين كل من جيبوتى واثيوبيا علاقات فريدة خاصة بعد استقلال اريتريا عن اثيوبيا عام 1992 وبالتالى فقد أصبحت إثيوبيا دولة حبيسة ليس لها أى إطلالة على البحر ومع توتر علاقاتها مع إريتريا واستمرار الحرب الحدودية بينهما كانت جيبوتى هى المنفذ الوحيد لاثيوبيا لحركة تجارتها الخارجية والتى تعتمد بنسة 95 % على ميناء جيبوتى، لذا فقد قامت الصين بتمويل وإنشاء خط للسكة الحديد يربط بين أديس أبابا وميناء جيبوتى  المطلع على خليج عدن، والذى قلص المدة بين البلدين من 3 أيام  عن طريق البر الى 12 ساعة تقريبًا عبر خط السكة الحديدية وتم افتتاحة رسمياً فى عام 2017 .

أهمية زيارة الرئيس الجيبوتى لمصر

تأتى الزيارة فى وقت تشهد المنطقة العديد من القضايا المشتركة التى يتم مناقشتها خلالها سواء على صعيد العلاقات الثنائية أوعلى الصعيد العربى والتنسيق من أجل إنعقاد القمة العربية وكذلك على صعيد تطورات سد النهضة .

فعلى صعيد العلاقات الثنائية فستسهم الزيارة فى زيادة الاستثمارات المصرية فى جيبوتى وإتاحة المجال أمام الشركات المصرية للمساهمة فى مشروعات البنية التحتية وزيادة الصادرات المصرية إلى السوق الجيبوتية، أما على المستوى القارى فجيبوتى التى انتخب كعضو لمدة ثلاث سنوات فى مجلس السلم والامن الأفريقي، والذى من المفترض أن يضطلع بواجباته نحو تنفيذ توصية مجلس السلم والامن الدولى بتسوية النزاع حول سد النهضة بين إثيوبيا ودولتى المصب  (مصروالسودان)، وتأتى أهمية تلك الزيارة بالتزامن مع إعلان إثيوبيا بشكل منفرد البدء فى توليد الكهرباء من سد النهضة بشكل منفرد، كذلك إزالة 17 ألف هكتار من الغابات فى شهر فبراير الحالى تمهيدًا للبدء فى الإنشاءات اللازمة لعملية الملء الثالث للسد وذلك دون التوصل لاتفاق ملزم مع كل من مصر والسودان وهو الأمر الذى يقوض كل المساعى السلمية ويصبح معها التفاوض مضيعة للوقت لا جدوى ولا طائل منها، كذلك مناقشة عملية تأمين مضيق باب المندب من هجمات الجماعات الإرهابية، وكذلك مواجهة الجماعات الإهاربية بعد تغير استراتيجيات تلك الجماعات عقب ما فعلته حركة طالبان فى أفغانستان وسيطرتها على مقاليد الحكم بها ، فبدأت تسعى تلك الجماعات للسيطرة بشكل كبير على الموارد الاقتصادية للدول التى تتواجد فيها كما تسعى للسيطرة على السلطة فى تلك المناطق الامر الذى قد يؤثر بشكل كبير على وجود الدول الهشة بالأساس نتيجة للنزاعات الداخلية الطاحنة منذ عقود او ازمة نظام الحكم فيها والتى تشهد بالأساس قتال مستمر للوصول الى السلطة،  كذلك مناقشة قضايا التغيرات المناخية وتأثيرها على دول القارة الأفريقية خاصة بعد ازدياد تأثير الظواهر البيئة وتأثيرها على المحاصيل الزراعية التى تشكل الركيزة الأساسية وعصب الاقتصاد فى دول شرق أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي، وتداعيات جائحة كورونا والتى أثرت بشكل كبير على اقتصاديات الدول الافريقية التى تعانى بالأساس .

وعلى صعيد أخر يتم مناقشة العديد من القضايا على المستوى العربى وذلك تمهيدًا للقمة العربية المقرر عقدها بالجزائر خلال الفترة المقبلة، والتى تشهد العديد من التحولات الاقليميةمنها الانتخابات فى ليبيا وتشكيل الحكومة فى العراق ولبنان وأخر تطورات القضية الفلسطينية وعودة سوريا إلى الجامعة العربية مرة أخرى، ووحدة الصف العربى لتشكيل ثقل عربى بات أمرًا ملحًا خاصة بعدما تمددت قوى إقليمية غير عربية بالمنطقة العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى