من خلف زجاجه المطل على الشارع المزدحم يمسك فرشاته و ألوانه ليرسم لوحة .. فى حيرة اختيار اللون تذكر أنه لا يجد ما يرسمه فى خياله فاختار أن يرسم الشارع و من فيه كصورة لما يراه كل يوم .. تحت لهيب شمس دنت من الرؤوس تمشى سيدة تجر طفلتها و حقيبة أثقلت بالهموم و بالكتب تنظر الأم لابنتها فتقول : علينا أن
نسرع لنحضر أخاك من المدرسة فترد الفتاة بأسنان متكسرة و فم صغير ” حسبى الله و نعم الوكيل ” يبتسم لما يسمعه و يرسمه .. فى الركن من الرصيف يتكئ رجلا غطى الوحل ملامح وجهه المتسخ يرتدى شيئا كان يوما بنطالا و شئ آخر يغطى صدره و يظهر البطن مهلهلا و قد كان يوما قميصا .. يحمل سيجارة بين شفتيه ينفث دخانها و يشاهده يصاعد او تبدده الريح لا يعبأ بالمارين كأنه توج ملكا لهذا الرصيف و فى الناحية الأخرى قصة حب تبدأ فى سن الأربعين قصة مثالية التكوين لا ينغصها الا تأخرها و أنها أصبحت بلا هدف أو أمل فى الانجاب تمشى ممسكة بيديه غير عابئة بشعره الأبيض و هو غير عابئ بوجهها قليل الحظ من الجمال أو بدنها الممتلئ .. و الناحية الأخرى عجوز اتكأت على عصا تمشى الهوينة كأنها تخشى أن تنكسر من ضعفها ممسكة بالعصا و اليد الأخرى ممتدة منبسطة عل أحد المارين يضع فيها بعض الجنيهات لتقتات بينما يمشى المازحون الى جوارها و ربما سألها احدهم ” كم صرت تكنزين أيتها العجوز ؟ ” .. بالقرب من الرصيف رجلا فى الخمسين يمشى ممطرا عرقا يمسك منديله يحاول أن يمسح به بعض هذا الماء و فى يده الأخرى أكياس الخضار .. و ثلاثينى يحمل هاتفه المحمول يبكى دون خجل و يقول ” لم أعد اريدك و لم اعد اتحمل المهانة بعد الآن فاذهبى ” .. و على الناصية مقهى قديم حط عليه العاطلون يكركرون النرجيلة و يلعبون الطاولة و فى الركن منه كاتب يكتب قصة .. هذه القصة .. و ينظر حوله كى يدقق فى تفاصيل ما يكتبه …