د.صلاح عبادة في أحيانٍ كثيرة، يكون معياري الأوليّ في الحكم علي عمل أدبي ما، قصة أو قصيدة أو رواية؛ هو مدي سرعة القابلية القرائية لهذا العمل. وهو معيار قد يبدو ذوقيًا ذاتيًا، ولكن الذوق معيار نقديّ أساسيّ، لابد أن يسبق كل معيار آخر؛ لأنه يمثل حصيلة الخبرات الجمالية التي اكتسبها القارئ الناقد في رحلة ممارسته الطويلة للنصوص. وهكذا تولد الشرارة الأولي ـ حسب هذا المعيار ـ بين القارئ ونصه، فما إن يبدأ القراءة في عمل حتي يجد نفسه لا يستطيع التوقف إلا في نهايته مهما تكن الظروف.
ولا ينطبق هذا المعيار إلا علي أعمال أدبية جدّ قليلة، وصفها النقد القديم بأنها أعمال «مطبوعة مصنوعة» أي اجتمع لها عنصر الأصالة الذاتية المستمدة من روج مبدعها، إلي جانب إحكام الصنعة الفنية ودقة النسج. إلي هذا النوع من الأعمال الأدبية الفذة، تنتمي أعمال الكاتب الروائي المبدع بهاء طاهر. وإذا أردت مثالاً ناصعًا صادقًا لاختبار صحة هذا المعيار فاقرأ روايته الفذة «الحب في المنفي»، التي حازت إجماع معظم نقاد الأدب الكبار وإعجابهم. فقد وصفها الدكتور علي الراعي بأنها «رواية كاملة الأوصاف» ووصفها الدكتور شكري عياد بأنها «نموذج جديد للرواية الواقعية»، ووصفها محمود أمين العالم بأنها «رواية عن عصرنا كله.. تفيض بالوعي والإبداع» ووصفها الكاتب الراحل جلال السيد بأنها «رواية غاضبة وهادية.. عن الجلادين والضحايا.. تقف في صف أجمل الروايات العالمية بكل المقاييس» ووصف د.أمين العيوطي أسلوبها بأنه «أسلوب يقطر شاعرية وعذوبة ورقة»، وقالت عنها الناقدة الدكتورة اعتدال عثمان: «اتسعت الرؤية في الحب في المنفي لتشمل الذات والوطن والعالم بشماله وجنوبه وبلغت خبرة الكتابة أوج نضجها». ويطول المقام لو رحنا نتتبع كل ما قيل عن هذه الرواية وغيرها من أعمال بهاء طاهر.
يوم الأربعاء الماضي، الثامن عشر من مارس 2015، نال بهاء طاهر جائزة ملتقي الرواية العربية في دورته السادسة. لتنضم إلي بقية الجوائز التي حصل عليها تقديرًا لأعماله وحكمًا بأصالتها وتفوقها. فقد حصل علي جائزة الدولة التقديرية للآداب عام 1998، وجائزة البوكر للرواية العربية عن روايته «واحة الغروب» 2008، وجائزة جوزيبي أكيربي الإيطالية عن روايته «خالتي صفية والدير» عام 2000، وجائزة آلزياتور الإيطالية عن رواية «الحب في المنفي» عام 2008.
تنوعت أعمال بهاء طاهر بين المجموعات القصصية والروايات ومنها :«الخطوبة» و«بالأمس حلمت بك» و«أنا الملك جئت» و«شرق النخيل» و«قالت ضحي» و«خالتي صفية والدير» و«الحب في المنفي» و«نقطة النور» و«واحة الغروب». وقد أشربت هذه الأعمال كلها دماثة بهاء طاهر وروحه العذب، ورفيفه الإنساني النادر.