أخبار عاجلةالأدب و الأدباء
بلقيس ” ليست ملكةٍ ولا شبحاً عند الروائية : هبة بنداري , للناقد الفنى السيد جمعه
بلقيس ” ليست ملكةٍ ولا شبحاً عند الروائية : هبة بنداري
” ما بين بلقيس واخواتها سِباحةٍ في الأعماق .. ” سـ جـ قبل ان نمضي معاً إلي قراءة لأعمالِ الروائية للمُبدعة هبة بنداري .. نتوقف قليلاً للتعريف بِشخصيتِها : • هي كاتبةٌ وروائية وشاعرةٌ مِصرية . • حاصلة علي ليسانس حقوق جامعة القاهرة . صدر لها : • رواية ” نفور الظباء ” 2014م • رواية “أنثي في ثياب رجل” 2015م • رواية “بلقيس ” 2016م . • نـفـو ر ا لـظِـبَـا ء روايتُها الإولي ( 2014 م ) ، وبطلتها تحملُ إسم ” شادن ” ، وشادن تعنيّ ” الظبي الصغير النافر” ، نعرفُ انها أولِ إصدارٍ لها ، الرواية تتمثلُ فيها الرومانسية الأُولي في البناء والسرد اللغوي ، والبناء العام لها ، قصةِ الحبِ الأول في حياة أي إنسان ، والذي في الغالب يبداُ بالصدفة ،- وكثيرا ما تكون الصُدفةِ هي المُتوقع وليس كما يُشاعُ غير المُتوقع – الحبُ الذي يوثقه القلب الأخضر المتعطش للحبِ الأول ، وتتداعي له كل الأحداث لِينشأ الكيان المُبهر لأي قصةِ حبٍ تجمع بين إثنين جمعهما الحب الأول ، وظفت الكاتبة الأحداث ، وهيأت المسرح بأشخاصٍ وعلاقاتٍ ، تُسهمُ في تصاعد هذا الحب ، ومنْ تشابُكِها ودرجات التقارب ، والتفاعل بينها يتنامي إيقاع البناء الدرامي ، ويتسق في هارمونية الرومانسية التي وفرتها الكاتبة من خلال قوة السرد واللغة المناسبة ، وأبيات الشعرِ المنتقاة والمعروفة لشعراء الرومانسية ، والمعروفة لديّ المتلقي مُثقفاً او غير مثقفٍ مكتفية بأسماءِ الشعراءِ الموسومون برومانسية الحب تعبيراً ، شادن ، ورءوف يسكنان فيلتان متواجهتينِ ، لا يعرف أي منهما الأخر ، تلعب الصدفة دورها فيتعارفانِ ، هُما يبدوانِ مُختلفان من تأثير نشأة وتربية كلٍ منهما ، وهذا طبيعي ، فليس هنك تطابقٌ بين البشرِ ، ومساحات الإختلاف في الغالبِ مرنةٍ ، عوامل عديدة تسهمُ في مرونتها ، لِتحقق عند درجة ما دائرة تفضي إلي التكامل الذي يحقق الإستواء في الحياة الشخصية للإنسان ، نلمسُ هذا جيدا بوضوحٍ من خلالِ أحداثٍ طبيعية سارعت في أن يدخل كلً من شادن و رءوف دائرة الإتلافِ والمحبةِ المُحاط بسياج التكامل لإكتمال شخصية كل منهما لٍيمضيا معاً بأمانٍ لحياة ينّعما فيها بالحبِ . وهكذا نجحت الكاتبة من خلال العناصر الروائية المعروفة ، ان تقدمُ لنا تجربتها الأُولي ، محققة درجة “جيد ” .
• أنـثي فـي ثــيـا ب ر جـلٍ الرواية الثانية للكاتبة ( 2015 م ) ، ربما هي شهقةٍ ذات حدينِ ، الأُولي شهقةٍ تؤكد دور الأنثي في مرحلة تحول مُجتمعي جديد تُساهمُ ضغوطاً مُتعددةٍ في تقليص دور المرأة ومشاركاتها في الحياة المجتمعية فالظروف الإقتصادية تدفعها لمواصلة كفاحِها مع الرجل وظروف أخري تُنسيها دورها كـ ” أنثي ” وبين هذين العاملين والظرفين المُتضديان تتداعي اُسس الحياة العادية والمُفترضة لإعمار الحياة ، فجأت ” الرواية ” لتأكيد دورالمرأةِ في المُجتمعِ الذي يَسمُ الحياة بالطابعِ ” الذكوري” من خلال إحتكاك و تنامي المؤثرات المُجتمعية التي ظن الجميعُ ان الزمنِ طواها ، وتجاوزها ، وفي محاولة تقليص حركة الإذعانٍ والتقاعس من المرأةِ نفسها ، وشد ّ عزمِها لمواجهة ما يمكن ان نسميهِ او يجدُ لها العلماء والمتخصصون والباحثون توصيفاً يضعُ هذا بين قوسين بإعتبارهِ مرحلةٍ أو مِفصلاً آنيا في تطور المجتمع العربي والمصري علي وجه الخصوص ، أما الشهقةُ الأخري ، فربما تتمثلُ في الشعورِ بغياب عُنصرٌ يتسق مع حالة المرأة في هذا الحِراك المجتمعي ، آلا وهو عنصر المشاعرِ الصادقة في حياة الإنسان ، والمرأةِ علي وجه الخصوص ، فإذا كانت المشاعر الإنسانية واحدةٍ لدي البشرِ ، فإن درجاتها مُتباينة في القوة ِ والضعفِ والحدةِ والإختزال والإحساس .. الخ .. فـــ ” لُبني ” ، بطلة هذه القصة ، والتي تدور معها وحولها الأحداث ، تجسدُ المرأة الثائة والرافضة لإرتداء ثوب الأنوثة ، ثوب ” الحريم ” ثوب إمراةِ الظل في المجتمع الذكوري ، مها كان تأثريها المعروف ، وجبروتها وقوتها في حملِ وتوجيه مسئوليات الأسرة رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً مهما كانت درجات القرابة أو العمر ، هي تفهمُ هذا وتعيهِ جيدا من خلال أسرتها والبيئة التي نشات فيها ، تعلمُ بوضوح قوة المرأة في إدارة المجتمع الصغير والمجتمعِ الكبير ” الوطن ” ، لكنها ترفض ان تكون ظلاً أو محركاً يعملُ بلا صوتٍ ومن وراء ستارٍ ، فهي تسعي بنفسها إلي أهدافها ، ولا احد يختارُ لها اهدافها ، ولا مواقفُها ، برعت الكاتبة في تجسيد شخصية” لبني ” ورصدت لنا حَركاتِها ومشاعِرها في حالات العلو والإنحسار في كل المواقف التي تمر بها ، مع تنامي الأحداث ، ودراميّتها المحبوكةِ والموظفة لبناء التكامل الروائي الداعم للشخصيات نفسها والمؤدي لترابط جاذبٍ للمتلقي من خلال إيقاعٍ سردي تجيدهُ الكاتبة بحرفية قوية في اللغة ، وعبارات الحوار دون ان تسقطُ أو تنزلقُ في هاوية التبسيط المُخل بقوة الحدث وتأثيراتهُ أو الشخصية نفسها ، و هذا يُمثلُ كما ذكرنا القدرة التي تمتلِكُها الكاتبة كمبدعةٍ وروائية حققت قدراً اكبرتميزت به في روايتها الثانية وبتقدير ” جيد جداً ” .
• بـلـقـيـس الرواية الثالثة ( 2016م ) ، راوايةً مُختلفةُ تخرجُ منها وبها الكاتبة من عِباءة الكاتبة إلي ساحة الإبداع كمبدعٍ ، غير الموسوم الجنس( رجلاً أو إمراةٍ ) ، ” بلقيس ” قفزت بها الكاتبة إلي عملِ إبداعِ تجاوزت به مراحلِها السابقة بخطواتٍ واسعةٍ مُحققةُ طفرةٍ في كل عناصر الرواية المعروفة والتي بدأت بها العملين السابقينِ ، بلقيس إسم الرواية وإسم البطلة هنا ايضاً يحملُ دلالاتٍ تاريخية حيث أنهُ اُسمُ غير دارج ، وله جذوره التراثية ، كملكة حاكمة ، لها من القوة والتأثير ما هو معروفٍ ، ومن الغموضِ مالا زال يكتنفهُ ، فما بين الحقيقة التاريخية الموثقة في كُتبِ التاريخ ، ومابين الأسطورة المتوارثة كان هذا خيارُ الكاتبة لإسم قصتِها ، وما بينهما تجري وقائع واحداث قصتنا ” بلقيس ” ومن خلال بناء درامي ، شَدتْ هيكلهِ بقدرةٍ وإقتدارٍ روائية تجاوزت بدايات الإحتراف بخطواتٍ كبيرةٍ ، ودعمت هذا الهيكلٍ بدعائم عناصر السرد اللغوي المُميز للكاتبة ، وايضا عنصر الحوار المُحترف والنابض بمثل قوة الحدث وإتساقٍ مع الشخصياتِ ذاتها الناطقةِ به ، فلا نشعرُ علي طولِ الرواية وكثافة الأحداثِ بوجود راوٍ أو مؤلفٍ ، وتلك من براعةِ الكاتبة وتميزها في هذا العمل ، ولعل من اكبر ِواهم درجاتِ التميز الذي حققته الكاتبة في هذه الرواية ، ويكاد يكون منه هذه الوثبة التي تحققت ، هو عنصر الغموض والقدرة علي الإمساكِ به حتي قرب نهاية الرواية ، تعايش المُتلقي مع الأحداث مُحاولاً الإمساك بخيطٍ يقوده إلي بصيصٍ يكشفُ به عن هذا الغموض ويقلل علاماتِ الإستفهام والتساؤل المُصاحب له منذ بداية الرواية ، لكنّ الكاتبةِ بإقتدار لا تدعُ الكاتب يَملٌ ، أو تقلٌ لديه درجات التساؤل وحدة الإنبهار، كي يَعرفُ من تكون ” بلقيس ” هذه بطلة القصة ؟ ، من خلال الغموض الذي يُحيطُ بها ، ويحيطُ بنا ونحنُ نتابع رحلة بطل القصة ” محمود ” عبر مراحل التواصل معها للتعرف عليها وتواصلنا نحنُ ايضاً معه وَ كمّ الأحداثٍ الغامضةِ والمُتشابكة والمُثيرةُ ايضاً . ايضا قدرة الكاتبة في توظيف المعلومات الطبية والسلوكيات المصاحبة للمرض النفسي ، و آليات التفاعل معه ومع اعراضه ، ومراحل العلاج والمهارية الدقيقة في تتبع مراحل المرض حتي إكتمال الشفاء التام للمريض ومن خلال الطبيب المُعالج ، في ” بلقيس ” حققت الكاتبة قفزتها الهائلة ودَعمت ثباتِها كَمُبدعةٍ في مجالِ الرواية بدرجة تجاوزت ايضا درجة ” جيد جداً ” وقاربت الإمتياز . ملحوظة ” تعمدت أن لا اتتبع سير الأحداث أو الأشخاص بالإقتراب “زووم ” منها لأترك للمتلقي شغف القراءة لهذه الأعمال ”
ســيــد جـمـعـه سـيـد ناقد تشكيلي واديب 2 / 4 / 2018 م