كتبت /تليلة محمد الرازي
تقدم القناة الثانية، في وقت تناول وجبة الفطور في هذا الشهر المبارك الكريم، برنامج الكاميرا الخفية تحت عنوان “مشيتي فيها”. اختيار تقديمه في هذا التوقيت يفيد بأن القناة تراهن على برنامج الكاميرا الخفية وتعول عليه لاستقطاب نسبة كبيرة من المشاهدين، فقررت تقديمه في وقت الذروة من حيث نسبة المشاهدة، متصورة، من وراء ما تعتبره طابعا فكاهيا للبرنامج، أنها سترفه بواسطته على الجمهور، وستوفر له فرصة الاستمتاع بمواده.
غير أن المتابع لحلقات سلسلة “مشيتي فيها”، يتبين له بسهولة أن لا علاقة لهذا البرنامج بالمفهوم المتداول للكاميرا الخفية. إننا أمام شبه أفلام قصيرة، تتراوح مدة كل فيلم منها بين 10 و13 دقيقة، ومتفق على مضامينها مع الضيوف الذين يقع عليهم الاختيار لتمثيل أدوار الأبطال أو الضحايا في البرنامج. لا نشعر بوجود تلقائية وعفوية بتاتا أثناء مشاهدتنا للحلقات المقدمة من السلسلة المذكورة، فكل شيء يبدو مرتبا ومجهزا بشكل مسبق، وحين يأتي المشاركون في الحلقات، فإنهم يؤدون أدوارا محددة لهم سلفا، ومرسومة بشكل مسبق.
ففكرة الكاميرا الخفية تنبني أساسا على مباغتة الضحية وتصويره في لحظة لا يكون فيها منتبها إلى أنه تحت رقابة الكاميرا، وأنها ستنقل حركته الخاطئة التي يقوم بها إلى الجمهور، دون علمه وإرادته. فتصرف “الضحية” المفترضة للكاميرا الخفية بشكل عفوي، وأحيانا بارتباك، وبنوع من الاضطراب، حين ضبطه في خطئه، هو الذي يجلب البسمة والضحك إلى قلب الجمهور، وهو الذي يعطي للبرنامج بُعده الجمالي.
قوة الكاميرا الخفية تتجلى حين تضع “ضحيتها”، فعلا لا ادعاءا، في نوع من الورطة والإحراج، وتسبب له قلقا يجعله يبدو في حيرة من أمره، باحثا عن الخلاص من ورطته، هذا الخلاص الذي يتبدى له، لحظة إدراكه، أنه كان ضحية الكاميرا الخفية، فتنفرج أساريره ويشارك هو بدوره الجمهور، حقا، في الضحك على نفسه، وعلى الوضع الذي ضبطته فيه الكاميرا الخفية.
تعتمد الكاميرا الخفية على تكثيف اللحظة الزمنية لكل حلقة من حلقاتها، فالحدث الذي ترويه يفترض ألا تتجاوز مدته ثوان معدودة، بالمقدمة والموضوع والخاتمة؛ لأن الصورة التي تنقله ترتكز على الإيحاء والاختصار والإيجاز لتترك المشاهد على جوعه ولهفته لتتبع ما تحتويه، فالتمطيط والإطناب يقتلان الصورة ويقضيان على جماليتها.