طفل يُدعى محمود.. لم يتجاوز الأربعة عشر عامًا، توفى والده وتزوجت أُمه بشخصٍ آخر وأصبح الطِفل في حضانة عمه الذي لا يقدر على رعايته وهو مصاب بالسرطان! وعندما لجأ الطِفل لوالدته التي أنجبته.. “الأُم” التي يَلوذُ إليها كُل إبن ويَحتمي بذراعيها من قسوة الحياة؛ قد قَست وإنتُزِعَت إنسانيتها وأوصَمَت العار على لَفظ الأُمومة وما يَحتويه من معانٍ سامية، رافضة إحتضان إبنها كُل الرَفض لمُجرد أن زوجها يرفض وُجود إبنها!
ماذا علينا أن نقول أمام قسوة وتَجَبُر تِلك الأُم؟
يقول الطِفل بِصَوت شَيخ أكادُ أقسِم أنهُ لا يَرُوق لطفلٍ لم يَصل حتى أن يكون مُراهِقًا: هو فيه أكتر من لما أروحلها ساعة الفطار في رمضان، أخبط عليها الباب مترضاش تفتحلي!! فيه أكتر من كدا؟ ساعة الفطار في رمضان!”
أنهى الطفل جُملته مُغمِضًا عيناهُ في أَسى وكأنه يَرفُض أن يُصدِق ما أبلته بِه الحياة باكرًا.
يالـ قسوة الدُنيا ويالـ فُجور البشر وتَجبُرهم.. هل وصل بنا الحال إلى هُنا؟
طفلٌ يَأبى حتى أن يَبقى في بيتِ عَمِه الذي أحسن مُعاملته لمُجرَّد أنه قد تَلقى جُرعة قاسية من الرفض مِن شخصٍ كان لابُد أن يكون ملاذًا له..
عَبَر عَمه عن إحتجاج الطِفل في أسى قائلًا: هو قالي أُمي رمتني.. انت مش عايز ترميني ليه؟!”
الأمر الذي يَصِل بِنَا أن نشعُر بقَدر ما يمُر بِه ذلك الطِفل مِن مُعاناة نفسية قاسِية، جعلته يَزهد حتى في الشخص الوحيد الذي يَتقبله ويفتح له بيتُه!
أيُ أُم أنتِ يا هَذِ؟ كيف تنامين ليلًا؟
لن أعترِض على مشيئة الله وأسأله لِمَ كان الرِزقُ بِغَيرِ أهلِه؟
حاشاهُ أن يفعل أمرًا ظُلمًا أو عبثًا وإنمَا أسال الله أن يَرحَم ضعف ذلِك الطِفل ويُلَملِم جُروحه الدفينة.. أسأل الله أن يكون الدار الذي يَحتضِنهُ الآن عوضًا وسكنًا عمَّا فَقده من حنان تِلك الإمرأة رغم أن لا شيء في الدُنيا يُعوِض ذَرة واحدة من حنان الأُم ومكانتها، ولكِني لا أعتبرها أُمًا وإنما هِيَ شخصٌ قد حُمِل أمانة وألقاها في مُنتصَف الطريق بِلا رَحمة مُتجرِدة مِن كُل ما يَمُد للإنسانية بأيّة صِلة.
وإن كان في نَفسِي ثَمَة رَجاء خافِيًا فـ أنا أرجُو مِن كُل شخص مُقبِل على خَطوة الإنجاب أن يسأل نفسه أولًا إن كان مُؤهلًا أن يكون أب أو أُم لطِفل؟ هل لديه مِنَ المسؤولية أن يَتولّى أَمرَ رَوحٍ يَتسَلمها بأمرِ الله ويَخاف الله في رِعايتها الصِحية والنَفسية والوِدية والمادية حتى يَخرُج للمجتمع إنسانًا صحيحًا، مُعافَى من الأمراض والعُقَد النفسية أم لا يَلفَظ قرار الإنجاب بحياته أبدًا!
أتمنى من الله ألا يُعاني طِفلًا في بِداية رِحلته..
فـ الحياة مليئة بالفواجع والإبتلاءات ولابُد أن يَتَجرَّع كُل إبن آدم قَدرًا لا بَأس بِه من الدَعم والتَقبُل والدِفء في بيته حتى يَقدر على مُواجهة صَفعاتِ القَدر وقَسوة الدُنيا بالخارج.
– شيماء سليم