الأدب و الأدباء

الوفاء للموتى

احجز مساحتك الاعلانية

 بقلم / زينة محمد الجانودي

الحياة عبارة عن تجارب واختبارات عديدة، منها السّعيد المفرح التي تحيي قلوبنا وتنعش نفوسنا، ومنها المؤلم القاسي التي ترهق قلوبنا وتؤذي نفوسنا، ولكنّها تعلّمنا الكثير من الدّروس و المواعظ والعِبَر…

ومن أقسى أنواع التّجارب والاختبارات في هذه الحياة، تجربة موت عزيز علينا، التي قد تؤدّي في كثير من الأحيان إذا استسلمنا وسيطرت على حياتنا إلى دمارنا، وجعلنا نعيش في دائرة وهم مغلقة، نعلّلها بتعريفها ( عدم النسيان)، ولا نسمح لأنفسنا بأن نخترقها، ونظنّ بأنّنا هكذا نكون الأوفياء لأمواتنا، وبأنّنا لن ولم ننساهم أبدا ماحيينا.

وهذا تعليل وفهم وتفكير خاطئ، لأنّه يجعلنا نتحوّل إلى أجساد فقط تشبه الآلة المتحرّكة، أي نموت روحيّا وفكريّا، وتتعطّل إرادتنا الإيجابيّة، ويسيطر علينا الوهم ونستسلم له، ونصبح غير قادرين على العطاء. وقد اختبرتُ هذا الشعور القاسي المؤلم، منذ ثلاث سنوات تقريبا، عندما فقدتُ والدتي، التي كانت تمثّل لي كل معاني الحياة، والتي كنتُ متعلّقة بها إلى أقصى الحدود لأنّني كنت ابنتها الوحيدة، وكاد هذا الوهم أن يسيطر عليّ، لولا أن أيقظتُ نفسي منه، وحطّمتُ قيوده، وتعلّمت ماهو معنى الوفاء الحقيقيّ للموتى، وهو لايعني نسياهم، بل على العكس من ذلك.

فقد اعتدتُ منذ وفاتها أن أذكرها وأكتب عنها دائما بالحزن والأسى واللّوعة، إلى أن أخذتُ قرارا على نفسي، بأن أبتعد عن ربط ذكراها بالمأساة،حتى وإن لم تكن معي وبجانبي في هذه الحياة، وأن أذكرها دائما بالفرح والابتسامة، كيف لا وهي من كانت تعطي الدّعم لكلّ من يعرفها، كيف لا وقد أحبَّها الكبير والصّغير،كيف لا وقد كانت تشعر بكلّ من حولها، كيف لا وقد كانت المثال للرقيّ والأخلاق العالية، والإيمان الحقيقيّ، كيف لا وابنتها الوحيدة هي الأثر الحيّ الموجود، والتي ستكمل مسيرتها وتستمرّ بالعطاء كما وعدتها، الابنة التي افتخرتْ بها دائما وبإنجازاتها ونجاحها، وقد كانت بغاية السّعادة دائما من أجلها، وأيّ نجاح و تقدّم في حياة ابنتها، أو أيّ قيمة أخلاقيّة وإيمانيّة، هو نتاج تربيتها الصّالحة ورضاها عنها، والدّعاء لها من قلبها.

أمّي سأذكرك دائما والأمل يرافقني والتفاؤل يساندني والإيجابيّة تدعمني، فهكذا أكون وفيّة ومخلصة لكِ، لأنّ رضاكِ واحترامكِ وتقديركِ والعمل بمبادئك، كان الأساس في حياتي تجاهك وأنتِ على قيد الحياة، ولآخر لحظة حتى وفاتك، كنتِ راضية عنّي، وهذا الرضاء والدّعاء لي، هو من أعطاني الاستمراريّة بقوّة وإرادة صلبة في الحياة.

فعدم الوفاء لكِ يكون بأن أحزن، لأنّ الحزن هو التّعاسة، والتّعاسة تجلب اليأس والتشاؤم، وهذا كلّه يؤدّي إلى التذمّر والرفض والانعزال، فيتحوّل القلب إلى الحقد والسّواد وعدم تقبّل الآخر، والعيش في وحدة مظلمة، والنّتيجة هي إنسان على هامش الحياة، غير منتج وغير قادر على الحبّ و العطاء والتغيير نحو الأفضل… ولذا قررتُ أن أخلع رداء الحزن، وجعل ذكراكِ ذكرى جميلة، لتكون أهم دافع لي للمضيّ بثبات واندفاع وحبّ، والتقدّم والتطوّر والنّجاح بشكل مستمرّ في هذه الحياة، كي أكون وفيّة لكِ أمي.

فكونوا الأوفياء لأمواتكم…

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button