الواجب الأول أيها الأباء انتبهوا :
إن أبناءنا يعيشون اليوم في زمن كثرت فيه أسباب الفساد وانتشرت فيه وسائل الشر فتن تموج كموج البحر كما أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
إن الأبناء إما أن يكونوا فخراً وزينة ونعمة لآبائهم وإما أن يكونوا شراً ووبالاً ونقمة على أبائهم فالله الذي قال: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾، قال: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ فكم من أبناء اليوم يعذبون أبائهم وكم من أباء يبكون من أبنائهم لأنهم أهملوا تربيتهم في الصغر فعذبوهم في الكبر قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
ولهذا فإن أنبياء الله قد سألوا الله الذرية الطيبة والأبناء الصالحين ولم يسألوه مجرد الأبناء قال تعالى عن إبراهيم أنه قال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ وقال سبحانه عن زكريا عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾.
كم من الآباء من يرى أبناؤه يضيعون الصلاة أو يراهم في الشوارع والأسواق في أوقات الصلاة ثم بعد ذلك لا يضغط عليهم ولا يأمرهم بالمحافظة على الصلاة يقول الله: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾، وامتدح الله نبيه إسماعيل فقال: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾، وفي دعاء إبراهيم عليه السلام قال: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع”.
كم من الآباء من يرى أبنائه ينظرون إلى الأفلام الخليعة ويجسون بالساعات على وسائل التواصل الاجتماعى ولا يحرك ساكنا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة” ولذلك فإن نبينا صلى الله عليه وسلم بعد أن قال مروا أبناءكم بالصلاة لسبع قال مباشرة: وفرقوا بينهم في المضاجع”. حتى يتربى الأبناء منذ الصغر على العفة والحشمة والصيانة والديانة قال تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾.
اسمعوا إلى هذه النصائح الذهبية والوصايا والربانية التي يسديها والد لولده ويعظ بها ابن ابنه قال تعالى عن لقمان الحكيم (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).
وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم ينصح غلاماً طاشت يده في الصحفة كان يأكل بشماله ولم يتأدب بآداب الأكل فقال له: “يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك”.
إن على الأب أن يكون وسطاً في تربية أبنائه بين الشدة والتساهل والإرخاء والجفاء فلا تكن ليناً فتعصر ولا صلباً فتكسر فإن من الآباء من يقسوا على أبنائه أكثر من اللازم ومنهم من يتساهل مع أبنائه أكثر من اللازم وخير الأمور الوسط الوسيط وشرها الإفراط والتفريط ” عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُقبل حسينا فقال إن لي عشرة من الولد ما فعلت هذا بواحد منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم”.
كذلك يجب على الأب أن يكون قدوة صالحة قال تعالى: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ فإياك أيها الأب أن يسمعك أبناؤك لعاناً أو سباباً أو شتاماً أو يرونك مخزناً أو مدخناً أو كذاباً فإنهم يقتفون أثرك ويقتدون بك ويعكسون صورتك ويعملون مثل عملك.
كذلك يجب على الأم أن تكون قدوة لبناتها في حيائها وحجابها ولسانها قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾.
الواجب الثانى أيها العامل أطب مطعمك : عليك عزيزى العامل بالاتى
1ـ العلم بواجبات ومتطلبات العمل:
وذلك حتى لا تقصر فى أدائها
2ـ الشعور بالمسؤولية تجاه العمل:
فلا تهمل أو تقصر أو تغش فمن طرق الكسب الحلال كما يذكر العلماء تجارة مشروعة بصدق أوعمل مشروع بإتقان أو عطية مشروعة بحق.
3ـ الأمانة والإخلاص:
فالغش خيانة ليست من صفات المؤمنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من غشّ فليس منا) روه مسلم، وأخذ الرشوة، وتضييع الأوقات كل ذلك خيانة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) الأنفال.
4ـ الإتقان والإجادة:
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) رواه الترمذي وصححه الألباني.
5ـ التعفّف من استغلال الوظيفة أو النفوذ للنفع الشخصي أو لنفع الغير:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من استعملناه على عمل ، فرزقناه رزقا فما أخذه بعد ذلك فهو غلول) رواه أبو داود وصححه الترمذي.
الواجب الثالث الإحساس بالآخرين:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس). رواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله) رواه مسلم، فإذن يرحم بعضهم بعضاً، ويحس بعضهم بما يعاني منه المصابون الآخرون، وهكذا يتراحمون فيما بينهم كما قال الله: ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ سورة البلد17، وهذه المرحمة هي الرحمة على العباد وبموجبها يرحم الله أهلها وتواصوا بالمرحمة يعني مرحمة الناس، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ سورة البلد18، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم لا يرحم)، ومع الأسف فإن الحياة المعاصرة جعلت الفرد يتمحور حول ذاته، حتى لا يكاد يحس بشعور الآخرين ومصابهم، وما يكونون فيه من الشدة والمرض والفقر وكثير من المسلمين اليوم يعانون من أحوال مادية صعبة، وأحوال نفسية سيئة، ويحتاجون إلى مواساة ومساندة،
الأيتام.
ومن الذين يعانون في المجتمع هؤلاء الأيتام الذين فقدوا حلاوة الأبوة، وعندما يرحل كاسبهم عن الدنيا يبقون كفراخ الطير، فإذا كانت بلا آت يأتيهم بما يسد جوعتهم فكيف يكون عيشهم؟ وسائل المدارس وفيها هؤلاء الأيتام عما يعانونه بين زملائهم في الدراسة عندما يقارن الواحد حاله بحال الآخر الذي له أب يأخذه ويأتي له بهدية ويشتري له أغراض المدرسة، ولذلك ترى من يتذكر منهم أباه، يعيش أحلاماً ويسرح بذهنه شارداً متفكراً في ذلك الماضي وفي المستقبل الغامض الذي ينتظره ويتغيب بعضهم عن المدارس من أجل ذلك، وربما قالت تلك الطالبة الصغيرة: إنهم يطلبون منا أغراضاً في المدرسة وليس لي أب يشتريها لي، فإما أن تعاقبني المشرفة وإما أن أغيب، وربما كثر الغياب في مثل هذه الحالات، وإذا كان العيد فما بالك بمن فقد من يأتيه باللعب ويأخذه إلى أماكن يكون له فيها نصيب من الترفيه، فهؤلاء يحتاجون منا إلى المواساة والله، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌسورة البقرة220، وقال عز وجل: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ سورة الضحى9، فإن رحيل الأب فيه ذل لهذا المسكين، أفيجرع كأساً آخر من الذل؟ كلا والله، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ سورة الضحى9، وقد توعد الله بالويل على مؤذي اليتيم، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ سورة الماعون2 فماذا له؟ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ سورة الماعون 1-2 فهو يؤذيه بأي نوع من أنواع الإيذاء، توعده الله سبحانه وتعالى، وكذلك في المقابل جعل مجاوزة العذاب عاقبة لمن أحسن إلى اليتيم فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ سورة البلد11 عقبة العذاب يوم القيامة، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ سورة البلد12-15، فما بالك بالذين يأكلون أموال اليتامى من الأقارب، وقد قال الله: أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ سورة البلد14-15، وهؤلاء يأكلون أموال أقاربهم اليتامى، إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا سورة النساء10، وجعل الله الأجر العظيم بمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ثواباً لمن كفل اليتيم وأنفق عليه ورباه، وكان علاج قسوة القلب بمسحة حانية على رأس فاقد الأب، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو قسوة قلبه فقال: (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ارحم اليتيم وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك)، حديث صحيح، وكان ابن عمر إذا رأى يتيماً مسح برأسه وأعطاه شيئاً، وكان العبد الصالح الذي أعاد بناء الجدار كي لا ينكشف مال اليتيمين مثال عظيم لحفظ الأمانة،وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ سورة الكهف82، إن المحافظة على أموال اليتامى أمانة عظيمة، وتنميتها وإخراج زكاتها والإنفاق عليهم منها هو من واجبات ولي مال اليتيم، وقد علمنا الله تعالى كيف نفعل إذا بلغوا، فإذا رأيناهم يحسنون التصرف في الأموال في البيع والشراء وغيره سلمناهم أموالهم وأحضرنا الشهود، إنها عملية فيها اختبار، فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ، ثم قال: فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ سورة النساء6. إنها أمانات وليست القضية إلقاء هذه الأمانة عن الكاهل بأي طريقة، وإنما هي بطريقة فيها جهد، وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى سورة النساء6، إنه اختبار وملاحظة للنتائج فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم، ثم قال: فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ سورة النساء6، فهكذا إذن يكون أداء الأمانة كما حفظها لهم في السنوات التي مرت.
الأرامل.
إن رعاية الأرامل أيضاً، وخلف من مات في أهله بخير من العبادات العظيمة، ولذلك كان الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وهكذا يحسن الأبناء إلى زوجة أبيهم وإلى أولادها، وكثيراً ما يأكل أولاد هذه الزوجة حق إخوانهم من الزوجة الأخرى، يأكلون حق إخوانهم من أبيهم، وتحدث بينهم المعارك والمطاحنات، وهذه أروقة المحاكم شاهدة على ما يكون بين الإخوة لأب، أليس أبوهم واحداً ومع ذلك لا يتراحمون، بل ربما تقاتلوا عند المحامين في المجالس،
مواساة الآخرين.
إن من وضع عن مسلم، أو تجاوز عنه أظله الله في ظله يوم القيامة، والمؤمن مع المؤمن كاليدين وشبك بين كفيه، فهكذا تعاضد وتناصر، وأيضاً فإن الذهاب مع أصحاب الحاجات لقضاء حاجاتهم حتى تثبت لهم مما يثبت الله به الأقدام على الصراط الذي هو مزلة الأقدام يوم القيامة، وإن المعاناة الموجودة عند عدد من الأسر هؤلاء الذين لا يستطيعون دفع إيجار بيوتهم، أو تسديد الديون لهذه البقالات التي يشترون منها، والذين لا يستطيعون توفير الحاجات لأولادهم في المدارس، ، (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به)، هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان السلف يفرحون إذا جاء السائل. ويقول سفيان: مرحباً بمن جاء يغسل ذنوبي. وكان الفضيل يقول: نعم السائلون يحملون أزوادنا إلى الآخرة بغير أجرة حتى يضعوها في الميزان. ولقد وجد في زمننا هذا من الكذابين والمحتالين الذين يطوفون على الناس في المساجد وغيرها ما جعل بعض النفوس تنفر من مساعدة المحتاج، فإن هذا الكذب يجعل النفس لا تقبل على كل محتاج، والذي ينبغي على المسلم أن يميز وأن يتفرس، وأن يسأل وأن يستدل، ومن سأل اهتدى، إن من يخفف الشدائد عن الناس يفرج الله عنه الكربات يوم الدين، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن أقال مسلماً أقال الله عثرته، ومن ستر عورة أخيه ستر الله عورته يوم القيامة، ومن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل، والناس نيام، دخل الجنة بسلام، ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الله.
أصحاب المرض.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تديموا النظر إلى المجذومين) لماذا؟ لأن هذا المرض الذي يظهر على الجسد إحداد النظر إليه يؤذي صاحبه، يؤذيه نفسياً، فقال: (لا تحدوا النظر إليهم) لا تديموا النظر إليهم، فكيف بما هو أكثر من النظر؟ أو هذا الذي في جسده شيء نهى النبي صلى الله عليه وسلم لما ضحكوا من ابن مسعود وكان دقيق الساقين، وأخبر (لهما أثقل في الميزان من أحد)، ولذلك فإن الذكر الذي يقال عند رؤية المبتلى “الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك بك وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً” إنما يقال سراً لا جهراً، إن عمر بن الخطاب لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في غم من نسائه اللاتي يكن يطالبنه بنفقة لا يملكها دخل يواسيه، ولما رآه واجماً ساكتاً قال: لأقولن شيئاً أضحك به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهكذا إذن الفعل مع من وجدته مع إخوانك في غم، فإنك لا تزال تتلطف معه بالكلام حتى تخرجه من غمه وما سيطر عليه من شعور النفس نتيجة حاجة أو مصيبة من مصائب الدنيا، وإن النبي صلى الله عليه وسلم عرف ما في وجه أبي هريرة من الحاجة، وكان يتمنى أن أحداً يرحم حاله في جوعه: فلما رآني عرف ما في نفسي وما في وجهي وقال: (الحق يا أبا هر)، وهكذا حتى سقاه اللبن فجعل بعده لا يجد مسلكاً..