كثيرة قصص الغش أثناء الدراسة بكل مراحلها وأتذكر أحد أولادي بدأ ممارسة الغش في الصف الأول إبتدائي كي ينال درجة النجاح ، للغش أساليبه وطرقه الخاصة لتضليل الكشف عنه عند المراقبة .
أثناء الطفولة تسود عمليات الغش في سبيل النجاح والربح من خلال اللعب الجماعي وكنا نتخاصم كثيراً ويكثر النقاش والصياح وأخيرا نحتكم إلى أكبرنا من أجل كشف غش أحدنا الذي لا يعرفه الحكم طبعاً .
في حديث عائلي حول مائدة الغداء لم أكن أعلم أن أحدى بناتي ذكرت عن طريقة نقل بعض الفقرات بين أناملها ، في حين هناك طرق حديثة في عملية نقل الأجوبة في الامتحانات العامة بتقنية بارعة منها السماعات والاجهزة الالكترونية . تذكرت أيام الدراسة الثانوية كنت أعاني من نسيان القصائد فأعتمد على نقل الحروف الأولى من كل بيت شعر سواء على أطراف اللوحة الجدارية ( السبورة ) أو على جدران الصف بدون أن يشعر المدرس المراقب عن ذلك .
وفي مجريات الحياة تعددت الأساليب والغش واحد ولا يستهان به لما فيه مردودات مستقبلية خطيرة قد نعرف نتائجها بعد حين وتضر بالمجتمع كلما تعلمناه ( الغش ) مذ الصغر سيكبر معنا عند الكبر .
بما إن تأسلمت أكثر الأشياء عندنا في الوقت الحاضر فهل عملية الغش في الامتحانات الخاصة بالطلاب حلال أم حرام ؟ وهل يشمل ذلك الغش في اختبارات لغرض التعيين أو نيل الدراسات العليا والنوع الخطير هو الغش في التربية والتعليم وينتج قاعدة غير سليمة على مدى الدهر في مجالات مهمة في المجتمع ويعمّ الضرر في الصحة والقانون والزراعة والصناعة وغيرها وقد يدمر مستقبل البلاد بالكامل .
من هنا يأخذ المقال منعطفاً آخر نحو التبرير اللامنطقي وغير الواقعي عند تصديق كل ما جاء عن طريق الغش ، لا نريد أن نتوسع في مجالات الغش منها في عمليات الانتخابات وقرارات البرلمان والأحزاب والحكومات .
هناك نوع محمود للغش عندما يقوم الجندي بإجراء عملية الإختفاء والتمويه ليضلل به عدوه في الحروب خاصة الطائرات الحربية . والمصورون عادة ما يقومون به من تجميل وتزين الصورة قبل طبعها بعد وضع الرتوش لإظهار الصورة بأفضل حال من الصورة الواقعية ، وتطابق عملية الفوتوشوب .
ونوع آخر من الغش على حساب بعض الإجراءات التي تتخذها بعض الدوائر ضد المواطنين الذين يضطرون على فعل الغش لإجل إعفائهم أو قبولهم فمثلا زيادة أجور الكهرباء يتعمد بعض أرباب الأسر إلى عمليات الغش في سحب التيار من أعمدة التوصيل وكذلك البناء العشوائي في الأماكن العامة التي تعود للدولة ومهملة من قبلها لكن سكان هذه الدور المشيدة بصورة غير قانونية يقومون باعمالهم ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة على حسب الأصول فالحديث
( من غشنا ليس منا ) أصبح مجرد شعار لدى بعض الناس .
أما غش الساسة في مجالات متعددة منها الانتخابات لكي يترشح في المجلس لأجل المطالبة بحق الشعب ومحاربة الباطل وليقيم الحق في مسار الدولة وغش عمليات المقاولات لتعزيز قدرة حزبه الأسلامي لمواكبة نشاطه السياسي في البلد وتوزيع الثروات التي تم الحصول عليها على المنتمين ثمناً لدورهم وأفعالهم التي استفاد منها الحزب كذلك الحال بالنسبة لتزوير الشهادات الدراسية في سبيل الحصول على امتيازات البرلمان والمناصب في الدولة ومنها العيش الرغيد له ولأسرته الكريمة بينما هناك نوع من الغش بعد عودة أكثر المهاجرين من بطش الحكم البائد ويروم في تعويضه كل ما فاته من ثروات البلاد ومكاسبه هذا الباب مفتوح للآخر للسادة الساسة وطلاب الامتيازات والمكاسب الحزبية .
غش الخريج لإجل الربح لتسديد الاقساط الخاصة برأسماله في التجارة والبيع والشراء في الحارة لكسب عيشته وعيشة من يعيله ، نرى بعض الشباب يقوم بالغش لتصريف بضاعته وإلا لخسر جهده ورأسماله فيضطر الكثير منهم للحفاظ على ديمومة عمله في التجارة ، وقد وجدت بعض منهم يضطر إلى تبديل مهنته من بائع إلى مصلح حاجات منزلية وربما سيمرّ علينا زمن نرى فيه أنواع من عمليات الغش الحديثة التي لا تخطر على البال أبداً .
في السبعينات ذكر لي أحد الأصدقاء أن بقالاً يغش أسلوبه في زرق حقنة ماء ( الاسالة ) في البرتقال الذي يبيعه بسعر أرخص من بائع مجاور ، وهناك عملية الغش كبيرة في بيع زجاجات الخمر وكذلك الحال إلى السكائر وغيرها من سلع استهلاكية .أما غش في الألبان والعصائر فهي على قدم وساق لا يشعرن به أحدا في مقبولة ولو أختلف المذاق بين عامة الناس على أن الغالبية العظمى تذم الغش بشتى أنواع المذمة لكن لو نقارن أن نسبة الغش ترتفع إلى مستويات قد تتعدى الذين يذمون الغش بأنواعه الضارة والنافعة والبسيطة والمعقدة في مجالات الحياة كافة .
أغرب وأقرب عملية غش هي تسريب أسئلة التربية الإسلامية للامتحانات الوزارية لهذا العام رغم بساطة الدرس مقارنة مع الدروس الأخرى التي لا يفوتها فرص الغش بطرق أكثر دقة لا يكتشفها أدهى مراقب وأعتى جهاز فحص المرور .
ناهيك عن الغش في لعبة كرة القدم والمسابقات الرياضية الأخرى للنيل من جوائز يحلم بها الكسالى .
أخيرا وجدت عمليات الغش واسعة ولا يمكن حصرها في مقال مثل هذا الذي ذكرته لكن لابد من التذكير ببعض الشرائح التي لا تسمح بها الغش منها الأدب والفن وكل ما يتعلق في التعبير الصادق يستثنى من ذلك الاعلام المضلل والمُسيَّس .
عبدالزهرة خالد