المشاعر” وكيف نعبر عنها ادبياً ..
“الكاتبة : سوسن طنطاوي
في العادة وخاصة من الكاتبِ أ ومن له قدراتُ فنية تكون مُدركاتهُ ، واحاسيسهُ مُشرعةٌ تري الأحداث وتشارك فيها عقلاً و فعلاً ووجداناً .
وتقوم أجهزة إستقباله برصد ذلك كلهُ وتحليلهُ ، وحفظهِ بعد إعادة صياغتِه من جديد في ذاكرتِهِ الفكرية والوجدانية .
و بعد لٌئي ، وفي مرحلةٍ ما يري المُبدع أن يُفرغ طاقته الإستيعايبة ، لجديد قادم ، فَيُقدمٌ وفق ادواتهِ و وسائلهِ الفنية – أيما كانت – وبقدر توفيقه في إستخدام ادواتهِ يُقدم لنفسهِ اولا ، ثمّ لنا حصيداً مما جمعه علي مدي مشواره الأدبي أو الفني في صورةِ عملٍ هو بعضٌ منّهٌ ، وعندما يصادف التوفيق و النجاح عملهِ تأتي الثمرةُ مع عطرأريجها بما يَنّفعُ الناس جميعاً ، وهنا ننقلُ ما يدللُ علي ما قلنا في تقديم الكاتبة لكتابها ” مشاعر . خواطر ادبية ” حيث تقول نصاً :
” مشاعر أترجمها ليست لي وحدي بل لتعبر عنا جميعاً عن كل القلوب التي تعيش المشاعر ولا تستطيع أن تترجمها لكنها في كل الأحوال مشاعر نعيشها وتعيشنا سواء كانت مشاعر حب أو مشاعر فرح أو مشاعر حُزنٍ او مشاعر غربة مشاعر .. مشاعر ألام وأحلام وأمال وأمنيات ، مشاعر كثيرة مختلطة بالبكاءات وبأشياء و اشياء كثيرة وعديدة أردت كتابة مشاعر تترجمني وتترجم الآخرين لعلي استطيع بقلمي وكلماتي أن أكون لسان حالهم ويجدون في بعض كلماتي أنفسهم ومشاعرهم ” .
هذه لمقدمة هي عتبتنا الإولي للعبور إلي ما بين دفتي الكتابي ، و “العتبة ” هنا إستعارة من كتاب ودراسة منشورة لناقدنا القدير د . عزوز اسماعيل ، وهي تعني المُدخل الرئيسي والأساسي إلي متن النص .
يحتوي الكتاب عبر ” 75 ” صفحةٍ علي ” 65 ” خاطرة أدبية هي بمثابة فراشات أو بلونات ملونة اطلقتها الكاتبة تعبيرا عما سبق أن ذكرناه وذكرته في مقدمتها فهي متنوعةٍ وثرية إقتطفتها بدقةٍ خلال طوافها ومن علو أحياناً وكمون كثيراً فهي بعضٌ من تجاربها الذاتية ، وبعضٌ من خيالاتها منسوجةً ومضفرةً بإتقانٍ تُغبط عليهِ ، ومابين تعدد هذه المشاعر المتقدةٍ بحرارة الموقفِ أو الإحساس ، او الرأي ، إستطاعت الكاتبة أن تضع تعدد كلِ هذه المشاعر وزخمها ، إستطاعت ان تضعها في إطار أدبي جميل ، يكاد يُمسكُ بتلابيب وانفاس القارئ برقةٍ وحنوٍ بالغ العذوبة ، والرقيّ وايضا الدقةِ لتضمينها باقة المشاعر بكل ما فيها ودرجاتِ إختلافها ، في إطار الّحدث او الموقفِ أو الرأي .
إن الكاتبة – من خلال نصوصها ، ومشاعرها هذه – يتبين لنا عمق فهمها لمعني ” مشاعر” ، وإدراكها الواعي لما خلف هذه المشاعر من إسبابٍ ، وحذاقة وذكاء تترك ذلك الهم والإدراك للمتلقي مكتفية بإبراز إضاءاتٍ أو ومضاتٍ سريعة ومكتملة تعين المتلقي علي البحث إن شاء بحثاً ،او أكتفي بحرارة المشاعر ذاتِها ، وفي الحالتين هو في ساحةِ ثراءُ فكري و جداني .
ايضا تعكس هذه ” المشاعر ” قدرة وعمق تجربة معايشة الكاتبة للحالات الإنسانية العامة ، متمثلةُ في الرصد الدقيق لها، وجودة الإستعادة لهذا الكم الزاخر من المشاعر .
كما نتبين ايضا وبوضحٍ مَلكة الّتمكن والقدرة لأهم ادواتها ، وهي اللغة ، فالكاتبة نلمس انها أبحرت طويلاً وكثيراً في بحار وانهارِ وجداول اللغة العربية ، من ناحيةٍ ، وتدرك الإستخدام الأمثل للكلمة والحرف ن والجملة العربية السليمة ، فضلا عن موسيقي الكلمة والحرف التي اجات توظيفهما فأتت الصياغة شبه ” شعرية ” في موسيقاها ، وصورها التي إستدعتهما و وظفتهما ليأتي نص ” الخاطرة ” رقيقاً جاذباً فيُقبل المُتلقي ويمضي مع النص إلي نهايته ثمّ لنص آخر لِيُشبعَ وجدانهُ بطلاقة وإجادة الكاتبة .
ســيـد جــمــعــه
الناقد التشكيلي والأديب
20 / 1 / 2018 م
sayedjomja@gmail .co
https://www.facebook.com/cealsayed.jomha