الناقد التشكيلي سيد جمعة يكشف الرموز الصاخبة ودلالاتها البصرية “عند الفنان المغربي / محمد الرعاد
في اعمال الفنان المغربي ” محمد الرعاد ”
” هذه القراءة تشرفتُ ان تكون هي المُقدمة والإفتتاحية لكتابٍ صدر عن ” المركز الإبداعي للفنون والآداب ” عام 2017 ، عن هذا الفنان المغربي والمبع في فن ” الفطرة ” ، وشارك في هذا الكتاب نخبة من النقاد من مصر ، والعراق ، وليبيا ”
” كي ندرك عملا فنيا لابد أن ننتبه إليه كله ، وإلى تفاصيله وعناصره المكونة له ، وأن ذاكرتنا غالبا ما تعمل بشكل نشط حتى يكتمل هذا الإدراك ”
” الفنون البصرية وعبقرية الإدراك ”
د . / شاكرعبد الحميد
تؤثر البيئة وعناصرها الطبيعية سواء كانت بيئة صحراوية أو بيئة زراعية أو ساحلية … الخ .. واسلوب حياة البشر فيها وسلوكياتهم الحياتية ، ونتاج أعمالهم فضلا عن الموروث العقائدي والإجتماعي الحضاري ، وتفاعلهم الدائم والمتغير لإضافات جديدة مستحدثة تنم عن التطور والقدرة الفكرية على حل مشكلات قديمة أو حديثة تواكب وتتسق مع معطيات وافدة تأتي بها وسائل الإتصال ، والتفاعل الإيجابي مع جديد العصر .
وفي الفن التشكيلي على وجه الخصوص ينعكس ذلك بصورة واضحة ، ومكثفة في صورة من التباين الفعال مع هذه البيئة بما ذكرنا فيها ، وبين المبدع ، وقدرته على إلتقاط ما في البيئة من مكونات مختلفة والتي تم ذكرها ، سواء بصورتها كعنصر أو عناصر قائمة بذاتها ، ومن ثم إعادة تجميعها في صياغة وتركيب جديد لها ، ليكون إبداع جماليا آخذا من البيئة هذه العناصر ، بعد إعادة تمثلها ذهنيا وبصريا على خلفية فكرية وبصرية مخزونة لديه ، وتمثل أدواته وتقنياته ووسائله الخاصة به في نفس الوقت العنصر الأكثر أهمية والذي من خلاله توجه الدعوة للمتلقي ليشحذ هو ايضا المجمعة من تحصيله الفكري والبصري ، في محاولة إدراك اللامرئي في العمل الذي هو بصدده ، وإستنتطاق ما هو كامن في هذه العناصر المجمعة التي طرحها المبدع على سطح فراغ لوحته .
والفنان المغربي / محمد الرعاد وهو فنان تشكيلي مغربي نجد في خلال تمكنه ومن تجربته الشخصية انه يتقن بحرفية بالغة تقنيات إستخدام الرموز والدلالات من خلال إعادة تخيل صاخب ومتعدد من موروثه البيئي ، والشعبي متمثلا في الشخصيات والحيوانات التي لها علاقة جذرية وممتدة بين ما هو واقعي وآني ، وما بين أساطير التراث نفسه المتعددة والممزوج بحضارات أمازيغية وأفريقية في إتساق ومقاربة تجعل من أنساق مفرادتها ، ثم إعادة تجميعها مرجعية متكاملة يأخذ منها ، ويتفاعل معها فنيا على سطح اللوحة ، ليقدم لنا عملا يحمل بصمته الشخصية ، ويؤكد إنفراده بتجربة إبداعية متميزة .
إن عنصر الإبهار في هذا التكثيف للرموز مع تعددها وإتساقها في التوزيع على سطح اللوحة وبهذا التكامل يحيل المتلقي إلى لغة حوارية دائرة تتناقلها هذه الشخوصات والرموز بينها وبين بعضها وعليه تتبعها والإصغاء التام إليها لإدراك المزيد مما هو كامن وراء هذا الثراء العددي وايضا اللوني الذي اجاد المبدع توظيفهما بحرفية عالية ليأتي العمل محملا بعديد من وسائل الإدراك لما هو كامن أو كائن في العمل .
غير اننا قد نحبذ – ولصالح المبدع – أن يضمن بعضا من أعماله ، شيء من السمات أو اللمسات التي تزاوج بين هذا التراث البيئي الإسطوري بما فيه من عنصر ( الحكيّ ) والمتناقل بين الأجيال كموروث ثقافي تاريخي ، وعناصر أخرى يستقيها من واقعه الحالي ، وذلك كرافد معزز لقيمة تراث الماضي ، وتأكيدا لتفاعل مستمر يعبر عنه ويجسده كرصد وثائقي لا يتقنه غير الفن ومبدعه .
ســيــد جــمــعــه ســيــد
ناقد تشكيلي واديب