أخبار مصرأهم الاخباراخبار عربية وعالميةالأدب و الأدباءالثقافةحصرى لــ"العالم الحر"
الناقد التشكيلى والأديب سيد جمعة يكتب ,,, التعريف والدلالات في “مالك المقبرة ” لـ د . / كريم صبح
كثر ممن ذرفوا الدمع بصقوا علي القبر وغادروا
المساحة التعريفية التي تفصلُ بين القصة القصيرة ُ جدا ، وبين الومضة القصصية ، ينتصبُ قوياً بينهما هذا العمل المُتميز وهو هذه الإصدارة ، المجموعة القصصية ” مالك المقبرة ” للدكتور القاص / كريم صبح ..
حيث نجدُ النموذجين واضحين للتعريف و بإجادة توضح ما القصة القصيرةُ جداً وما الومضة ، كونَ أن المجموعة إحتوت عليهما .
وقد كان من آليات وتقنياتِ دكتورنا الفاضل أن يُمثلُ من خلالِ ، التعريف العام لهذين النموذجين المختارين في هذه المجموعة ، ولم يكن إلتقاط الحدث او المشهدِ العام بهذا الحَذقِ ، وهذهِ العينُ المُدركة لِما وراء الحدثِ ، وما هو كامنٌ فيهِ من رؤي فكرية نابعة من تقييم السلوكياتِ وردودِ الأفعال في الحدثِ أو المشهدِ المُختار ، فضلا عن أن هذا الكم والتنوع في البيئاتِ وفي إطارٍ ” زمكانيا “ كل مشهدِ وحدثِ ؛ وهذا يعني مقدرةٍ في البحثِ لتحقيق الرؤية الفكرية المنشودة من وراء هذا البحثِ والرصدِ الأدبي لكل الدلالاتِ الفكرية والمُتمثلةُ في السلوكياتِ وردودِ الأفعالِ ، و لم يكن هذه كُلهِ ما إقتصر عليهِ الإبداع والتميز في هذه المجموعة ، لكن بعضاً من قدرات الإبداع تمثلت وفي براعةٍ وعمقٍ لتأكيد التعريفُ العام للقصةِ القصيرة جدا و الومضة ، و تأطير المشهدِ أو الحدثِ وإحتوائهِ زمنيا ومكانيا من خلال الكلماتِ والحروفِ في جملٍ سردية بالغةِ القصر تكاد في ذاتها تحملُ الظاهرُ والكامنُ من دلالاتٍ و رؤي فكرية لِتصلُ مباشرة لإدراكاتِ القارئ ،وبقدرِ حجم وسعة لوحة التلقيّ عندهُ ،
· في ” عــيــن ” :
” أنكرت عليهِ قلقهِ الدائم من عَورهِ . سوّغت له الأمر .. العين الواحدة تعني أنك تكذب أقل ، تركّز أكثر ، تنام بشكلٍ اسرع . نّم الآن وارحمني من عينك السليمة ! “
· وفي ” مــحــمــو ل ” :
” بحثوا عن شاهد قبرٍ في طريقهم إلي دفنهِ . سخرت منهم عجوز . قالت : علي مسؤوليتي اكتبوا : وجع محمول علي أكتاف . “
الكلمة وعمقُ العبارة إحتوايا علي الزمنِ والمكانِ والدلالة الفكرية بصورتِها الظاهرة او المُستترة و كلهمُ بِحسبِ لوحةِ الإستقبال لدي القارئ .
و ننتقلُ لنصٍ أخر تتداعي حولهُ – وهذه مَقدرة تُحسب للمبدعِ – عديدُ من التأويلاتِ أودعها بمهارة سردية مُتميزة :
· أ نـــصـــا ف
” قادني زبانية الدنيا إلي مصيرٍ خِلتهُ مجهولاً مثل اللّيل الذي داهما ونحن ندخل مدينةً غير فاضلة . قالوا : حان أجلكفاختر أنصافك مما تراه أمامك .
أشاروا إلي نصفِ امرأةٍ ونصف كفنٍ ونصف قبرِ. أمسكت بعد جهدٍ ضحكة هستيريةً وهم يأمرونني بدفع نصفِ الثمنِ من كل شئ . سألتهم :
– اصدقوني ، هل انا في حلم أم فقدت عقلي؟
رد عليّ مقدمهم :
– لا هذا ولا ذاك ، أنت اخترت أن تحيا نصف حياة . حان أجلك و استحقاقك الأنصاف فقط .
– ماذا لو تخليت عن كل شئ و اكتفيت بكفنِ كامل يستر عورتي ؟
– لا يمكن ، النصف الثاني من عورتك لم يحن أجله بعد . ”
· مـــا لــك ا لــمــقــبــر ة :
“ أهالوا التراب عليّوانصرفوا . كثر ممن ذرفوا الدمع بصقوا علي القبر وغادروا. هالني الأمر . جارتي الأربعينية هوّنت عليّ عندما حدّثتني عن الدفّان الذي يأتي ليضاجعها مي كلبّ ليلة خميس. جاري الخمسيني حدّثني عن زوجتهِالتي تزوره في ذكراه السنوية من كل عام ، و تحدثهُ عن النعيم الذي أورثتها إياه . في زيارتها الأخيرة .، شكت له و حدتها وحاجتها إلي رجل . منحهامباركته بشرط أن تتخلّي عن كل أملاكه ز إنقطعت عن زيارته منذ ذلك الوقت . جارتي و جاري وغيرهما بأعمارٍ مختلفةٍ .. حاصروني بسؤالٍ محرج . ما سبب البصاق ؟ أخبرتهم الحقيقة . اشتريتُ المقبرة مع حرية التصرف بأمواتها ، عند ذاك حدثني بعضهم عن مشكلاتِ المقبرة ، مثل عفونة الأحياء وضرورة أقامة جدارٍ عازلٍ بيننا وبينهم . ”
النماذج المُختارة من هذه المجموعة القصصية تضعنا مباشرةً امام قُدراتِ المُبدع و إدراكهُ الواعٍ ليس فقط بتقنياتِ القصة القصيرة جداً والومضة القصصية ، لكن عن كيفية إعادة صياغة المشاهد والأحداثِ والسلوكياتِ وردودِ الأفعال الواقعية و في البيئاتِ المُختلفة بعد رصدها و الولوج إلي العوالم الخفية للشخصيات ودون التعريفُ بها إستاداً إلي خلفياتِ القارئ
ففي كلِ قصةٍ مما جاء بعاليهِ تُجسدُ الجملة أجواء وشخصياتِ المشهدِ او الحدثِ المُختار بما لا يحتملُ أي إضافةِ ، التي قد تُسقطُ النص من عليائهِ لِينفرط ويتشظي لِيخرجَ من التأطير والتوصيفِ الذي سعي إليه مُبدعنا القدير .
” مالك المقبرة ” إسماً وغلافاً يَجعلانا نري أو نُحيلُ هذه المشاهدِ المُكثفة إلي ما يَجبُ أن نَقْبرهُ و نواريهِ الثري في حالِ تَطلُعنا بإقصاء ما في مقبرة المجتمعِ منْ تَدنياتٍ قِيميةٍ و سلوكيةٍ ؛ والتي تجعل من عفونة عالم الأحياءِ أقسي و أشدُ من عفونة عالم الأجسادِ التي في المقبرة !
ســيــد جــمــعــه
ناقد تشكيلي واديب
18 / 2 / 2019 م