كتبت /شيرين سعيد رضوان
ندخل إلي صاله السفر تتصارع داخلنا مشاعر غريبه مابين حزن ،ألم ، شجن، وداع لأقرب الناس إلي قلبنا، وجع قاتل تكاد تشعر بإنفلات قلبك من بين ضلوعك..
وفي نفس الوقت نوع أخر من المشاعر:
أمل وتفاؤل ببناء مستقبل أفضل
توقع حياه جميله وهادئه مع شريك حياه وتخطيط لأحلام جميله ومستقبل رائع ، وتأتي اللحظة الحاسمه بصوت تنبيه بالتوجه للطائرة وتنظر كثيراً مابين النوافذ الزجاجيه لتمتع عينك بأقرب الناس لقلبك سواء أب ، أم ، أخ ، أخت ..
كل أهل لك بكل ذكريات طفولتك وشبابك وحياتك معهم..
تنظر لهم وتحفر ملامحهم في قلبك قبل عينيك ، ولسان حالك يحدثك :هل سأراهم مره أخري؟
هل سأسمع صوتهم ؟وهل وهل وهل ..
تتوجه إلي الطائرة وتجلس في مقعدك وأكون واثقه ومتأكده لو طلبوا منك النزول والرجوع لحضن الأهل والوطن لفعلتها بلا رجعه ..
وتنطلق في السماء ويظهر ويتجلي أحساس كل فرد منا أنه قريب من الله عز وجل بشكل لا يتصوره إنسانً ويتحدث بقلبه قبل لسانه لخالقه ، يناجيه ، يدعو من قلبه ، ويستودعه طموحاته واماله وكل مايملك،وتأتي لحظه أخري وهي:
هبوط الطائرة إلي بلاد الغربه ، وفي هبوطها هبوط داخلي لك في كل شئ، اعتقد بتفسيري لهذه اللحظه أنك تكون في هذا الوقت مثل طفل صغير تائه من والدته ، لا تعرف شئ ، لا تري ولا تفهم ولا تسمع ، تكون علي يقين تام وقتها أن الزمن توقف عند هذه اللحظه ، ولكن تدرك تماماً أنك في مرحله الاعوده ، من الممكن أن تكون الغربه أجمل بلاد العالم لكن الوطن له طعم آخر مهما كانت المساوئ ،
وتتوالي ايام الغربه والشهور والسنوات بكل مافيها وما عليها وتأتي لحظه حاسمه لكل مغترب
يقف أمام المرآة ويسأل:متي كبرت؟؟
متي تغيرت ؟؟
كيف مرت السنوات هكذا ؟
ومابين كيف ومتي تضيع الأجابات وتبقي التساؤلات،
لحظه من فضلكم أعزائي القراء:
حياه المغترب ليست ورديه ولأكون منصفه وليست بالسيئه إيضا، ولكن يترك أب وام ويأتي ليراهم أما مرضي أو موتي ، كم أفراح وكم أحزان، ترك أطفال وجاء وصاروا كبار وجوه يتذكرها ولكن صار لا يعرفها، وجوه مواليد جديده وأيضاً وفيات كثيره ، وهنا يظهر فعلياً معني روايه أديبنا الكبير (نجيب محفوظ)
حديث الصباح والمساء.
لا أتحدث هنا عن مشاكل عمله ولا أشياء كثيره تواجهه والمضحك أنه يدفع كل الضرائب بوطنه والبلد المغترب بها ، ولا أستطيع أن أنسي الأبناء الذين يدفعون ثمن الغربه وينطبق عليهم المعني الحرفي لكلمه (الغربه)
والكثير والكثير ..
وتأتي اللحظه المنتظره بعودته إلي وطنه مره ثانيه ..
ومره أخري تتضارب المشاعر والأفكار والقلب تائه والعقل منهك فعلياً ،
المره هذه صاله الوصول، وتنقسم إلي قسمين :اول قسم أجازة سريعه او حتي شهور صيف طويله سوف ألخصها بكلمه واحده :
هل تشعر وقت السحور عندما تنوي الصيام وتكون جائع بالفعل ، وفجاه تسمع أذان الفجر؟؟
لا أكملت طعامك وشبعت ولا أكملت شرابك وارتويت ..
هذه هي الأجازة القصيره لكن لسان حالك يقول الحمد لله وتكمل مسيره غربتك.
القسم الثاني مابعد الغربه (الأستقرار)
تستمر طوال غربتك تحلم بالتجمع والعائله والثرثره ولكن تتفاجئ بتحولك إلي مستمع بعد ماكنت لا تترك الحديث والمرح والحيويه،
حتي الطعام الذي كنت تشتهيه نسيت طعمه أو بمعني أدق تعودت علي طعم أخر وكنت ترفضه ولكن لأسف أصبح جزء لا يتجزء منك ..
تبحث عن نفسك القديمه وتتفاجئ بأنها ضائعه ،
تبحث عن أصدقاء قدامي لكن هما أيضاً اصبح لهم عالمهم الخاص وحياتهم ،
لا المكان هو المكان ولا الأشياء هي الأشياء ولا الروح هي نفس الروح القديمه ، تنظر إلي الاماكن القديمه وتحدثها بذكرياتك وأحلامك وطموحاتك وروحك السابقه ومن كثره الحنين والشجن تكاد تسمع الشوارع والطرقات تناجيك وترد مطلبك وسؤالك..
المغترب مثل الراقص علي السلم ، لا ذلك رآه ولا الآخر سمعه ..
المغترب في المنتصف المميت ، حيث لا حول ولا قوه ، المغترب مؤشر انفعالاته من خلال شاشات ألكترونيه سواء فرح ، حزن ،
المغترب مهما بلغ مستواه المادي لكن يعيش بسجن مكيف ،
المغترب في حياه من الممكن جميله ،رائعه ،نظيفه ،
لكن لا توجد بها روح،مشاعر صادقه ..
ومابين صاله السفر وصاله الوصول :
دمعه في العين تأبي عن النزول لأنها تعلم جيداً في ظهورها علي الوجه اشتعال شعور مكنون..
وهكذا تتلخص حياه المغترب بين السماء والأرض.