نقلها لكم / محمود ابومسلم
نلتقي الآن على أرض أكبر دولة في العالم سكانا، وأكبر دولة في قارة آسيا مساحة.. نلتقي على أرض شهدت حضارة من أعرق الحضارات البشرية.. نلتقي في بلاد فتحها المسلمون بقيادة القائد العربي المسلم قتيبة بن مسلم الباهلي في عام 95هـ ، وإن كان الإسلام قد دخلها رسميا في عام 29هـ ، واعتنقه شعبها طواعية عن طريق القوافل التجارية والأساطيل البحرية العربية.. نلتقي على أرض الصين.
للصين حدود مع كل من كازاخستان، قرغيزيا، طاجيكستان، فيتنام، لاوس، بورما، الهند، سكيم، روسيا، نيبال، باكستان، وأفغانستان … وعاصمتها: بــكين، ولغتها الرسمية: اللغة الصينية… وهى دولة عظمى، سواء في حيث تعداد سكانها (1.3 مليــــار نسمة في عام 1992م)، أم من حيث مساحتها، أم من حيث اقتصادها وثورتها الصناعية في العصر الحالي…
كان أول ذكر للإسلام في تاريخ الصين قد ورد أيام أسرة تانج ( 618 ـ 907م )، وكان الصينيون في ذاك الزمان يسمون المسلمين الأوائل القادمين إليهم (هوى)، وأنهم جــاءوا من (تشي كوي)، أيْ: من الجـــزيرة العربية… وقد دخل الإسلام الصين فعليا عن طريق القوافل التجارية والأساطيل البحرية العربية، وكذلك عن طريق الفتح الإسلامي في عام 95هـ … ويقال إن الإســلام دخل الصـــين رسميا في عام 29هـ ، ومنذ ذلك الحين قامت للمسلمين عدة دول فيما يسمى “الصــين” حاليا، أو تركستان الشرقية والغربية.
وينحدر المسلمون الصينيون من قوميتين رئيستن هما: التركستانيون، وهم من العرق التركي، ومعظمهم من الإويغور، وموطنهم الأصلي تركستان الغربية (أذربجيان – تركستان- تركمانستان). والمسلمون الصينيون، وهم الذين اعتنقوا الإسلام، ولا يزالون، وتتعدد الأعراق التي ينتسبون إليها إلى نحو (56) عرقية … ويقيم أكثرهم في ثلاثة أقاليم: تركستان الشرقية (شينكيانج)، يونان، وقانصو.
ليس هناك تعداد محدد للمسلمين الصينيين، فالبعض يقدرهم بعشرين مليونا، والبعض يقدرهم بخمسين، وأقرب حصر يوضح أن تعدادهم يتراوح بين 70 ـ 100 مليون نسمة، نصفهم من جماعة (خوى، أو هوى) في شمال غربي البلاد، قرب الحدود الكازاخستانية والباكستانية والأفغانية، وتفرض الحكومة عـــليهم قيودا كثيرة وتحرمهم من الاحتفال بالمناسبات الدينية…
وعلى وجه العموم، فقد عانى المسلمون في الصين أبشع أنواع الاضطهاد والظلم من النظام الشيوعي القائم، وخاصة في عهد مؤسس الصين الشيوعية “ماو تسي تونج” منذ عام 1949م . وقامت الحكومة الشيوعية بتهجير المسلمين من مناطقهم وأقاليمهم، وعذبوهم وشردوهم واعتقلوا أعدادا منهم وقتلوا أعدادا كبيرة.. فثار المسلمون ضد هذا النظام الغاشم، واستمرت ثوراتهم بدءً من عام 1949 (ثورة الجنرال/ حسين مايو فان)، مرورا بثورة التبت وثورة الجوع، وانتهاء بعام 1965 م (ثورة الجنرال/ عمر باتور، في تركستان الشرقية).
وبهذه المناسبة، لا ينبغي أن نغفل فئة من أهم فئات المسلمين، هى فئة الشباب الذي نشأ في عصر الشيوعية، ولقنه قادة الشيوعية ما يبعدهم عن الإسلام، فأصبح الفتي لا يعرف من الإسلام سوى أنه مسلم، أو أن أبويه وأجداده كانوا مسلمين، هذه الفئة لابد أن يتداركها العلماء والدعاة المسلمين حتى لا تذوب في بقية قطاعات الشعب وتنسى دينها…
يزيد عدد المساجد في الصين على (30) ألف مسجد، أقدمها على الإطلاق هو مسجد “هوليشبخ” في مدينة قوانغشتو (عاصمة مقاطعة قوانجذونج)، ويرجع تاريخه إلى 1300عام، في عهد أسرة تاتج، وهو المسجد الذي دعا منه سعد بن أبي وقاص أهل الصين إلى اعتناق الدين الإسلامي، ويعني اسم هذا المسجد باللغة الصينية : الحنين إلى النبي r … ومن أقدم المساجد هناك، أيضا: مسجد “نيوجيه” في العاصمة بكين، ويرجع تاريخه إلى ألف عام، ومسجد “دونغسي”، ويرجع تاريخه إلى سبعمائة عام… ومن المساجد الصينية الشهيرة مسجد “ناننينج”، وهو المسجد الوحيد الموجود في مدينة ناننينج بجنوب شرقي الصين…
ويحـــتفل المسلمون في الصين بمناسبات إسلامية عديدة أبرزها المناسبات الثلاث الكبرى (شهر رمضان وآخره عيد الفطر- الحج وعيد الأضحى- المولد النبوي)، يجتمع المسلمون من المدن والمقاطعات المختلفة، وكذا أعداد وافدة من خارج البلاد، في مسجد ناننينج للاحتفال بالأعياد مع المسلمين المحليين. كما يشهد المسجد أنشطة اجتماعية، كالميلاد والبلوغ والزواج والجنازة للمسلمين المحليين… وفي كل عام، يوزع المسجد في “عــيد احترام المســنين” مائة ين (عملة) صيني على كل مسلم تجاوز السبعين من عمره. كما يقدم المسجد مساعدات مالية وتبرعات للفقراء المسلمين ومن انقطعت به السبل، وكذلك منح دراسية لكل من يلتحق بالجامعة…
لا يعتمد مسلمو الصين على الهلال، وإنما يصومون شهر رمضان بحسب حلوله بالحساب الفلكي، ولذلك فهم يصومون ثلاثين يوما سنويا. وقبل أن نتحدث عن فرحة المسلمين هناك برمضان ومظاهر احــــتفائهم به، نشير إلى أن مظاهر هذا الشهر لا يراها الزائر في الشارع العام ولا في وسائل الإعلام ..!! وإنما يعيشها عند دخوله أيّ مسجد من مساجد الصين…
وإذا كان المسلمون في الصين يتصفون بالكرم والسخاء، فهم في شهر رمضان أجود، فينحرون الذبائح ويوزعون لحومها على الفقراء والمساكين والمحتاجين… وتظل منازلهم وشوارعهم وميادينهم مضاءة طوال الليل في هذا الشهر… وهم يتلون القرآن الكريم من بعد الصلاة العصر إلى موعد الإفطار، ثم من بعد صلاة التراويح إلى ساعات متأخرة من الليل، وخصوصا في المساجد الكبيرة… ويلقى الأئمة دروس الفقه، وخصوصا فضائل ومزايا الصوم وأحكام الصيام وما يتعلق به..
ويصلي المسلمون هناك التراويح عشرين ركعة، وهم حريصون على أدائها في جماعة… ويقرأون بين كل ركعتين: (يا مُقلِّب القلوب والأبصار، ويا خالق الليل والنهار) ثلاث مرات. وبين كل أربع ركعات يقولون: (سبحان ذي المُلْك والكبرياء والجبروت، سبحان المَلك الحيِّ الذي لا يموت، ســـُبُّوح قُدُّوس ربُّ الملائكة والرُّوح)، ثلاث مرات. وبعد ثماني عشرة ركعة يقولون: (لا إله إلا الله المَلِك الحق المُبِين، محمد رسول الله السيد الصادق الأمين). وبعد عشرين ركعةً يقرأون: (اللهم إنَّا نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار، يا مجيد ويا أرحم الراحمين). وبعد ذلك يصلون صلاة الوتر في جماعة، أيضا، ويختمون ببعض الأدعية…
ويحرص المسلمون الصينيون على الإفطار على التمر، كما تزخر بيوتهم بحلوى خــاصة بهذا الشهر، وتقدم المطاعم الإسلامية الوجبات الشرقية والشامية والحلويات الرمضانية المشهورة في الدول العربية والإسلامية، بجانب أكلات وحلويات المطبخ الصيني، الذي يخلو من الكوليسترول، لأنهم لا تستعملون الدهون في الأكل.
وفي المناطق التي يكثر فيه المسلمون، يكون صوم رمضان إلزاميا على جميعهم، حتى صغار السن منهم، فالأطفال الإناث يلزمهم الأهالي بأداء الصيام في التاسعة من العمر، ويلزمون الأطفال الذكور بالصيام في سن الثانية عشرة. ومن يخرج عن هذه “القاعدة “، دون عذر واضح، يطرد أو ينفى من المجتمع …
وهكذا تشيع البهجة والفرح أرجاء المناطق الإسلامية بقدوم شهر رمضان والعيش في رحابه، حتى لمن لا يعرف من اللغة العربية سوى (لا اله إلا الله محمد رسول الله)… وتملتئ المساجد بالموائد الرمضانية الزاخرة بأنواع شتى من المأكولات، ويأتي كل مسلم بما يتيسر له من طعام من بيته إلى المسجد ليشارك إخوانه المسلمين في الإفطار جماعة …
وما أن يأتي عيد الفطر حتى يتبادل المسلمون التهاني فيما بينهم، كما يفعلون في عيد الأضحى وفي المولد النبوي الشريف، ويقدم المسلمون في العاصمة بكين (وهم من قومية “هوى”) بعض الأطعمة المقلية إلى جيرانهم من قومية “هان”، بينما يشتري هؤلاء الجيران بعض الأطعمة الإسلامية ويقدمونها لجيرانهم المسلمين إضافة إلى التهنئة بعيد الفطر …
وإلى اللقاء في رحلة جديدة مع “المسلمون في رمضان عبر العالم”..