مقالات واراء

المرأة الحضور والمستعادة في حبر طلال مرتضى

احجز مساحتك الاعلانية

……….
بقلم : سيد محمد الياسري

تعري..
تعري من كل شيء..
مهلاً..
مهلاً حبيبتي
تعري
من ظنونك أولاً..
لملمي ملابسك الآيلة
لسقوط الجمر..
هل يستطيع ان يرى المرأة من دون تعري؟ ربما يبحث عن ذاكرة لم يجدها وربما اراد ان يغرس الذاكرة كي يتذكر وجه ويرسمه ويتحسسه!, حين كان الحنين يشده إلى وجه مفقود من الذاكرة, حاول رسمه وإعادة ترتيبة من دون جدوى، الا ان الوجه الاخير الذي تثبت به بكل طاقاته الحسية لم يفترق عنه، لذا كان في متخيل الشاعر رمزان, الاول ظاهر _المرأة الحضور_ والثاني قد تسربلت خيوط ذاكرته من حياكته وعجزت ان تجعله ثوبا ليستر _المرأة الغياب_ الجسد الثاني:
حين مضينا بعيداً في الصلاة..
أعلن النهد قيام القصيدة
لثماً حتى آخر
شهقة..
مادت بجيدها نحوي
حبل من زبد..
وعقدٍ من عرق
تكور ماساً بين
الفرقدين..
الرؤيا واضحة عندما يتذكر جسده الثاني الذي افتقده للمس وللواقع ليبحث عنه في الهواء وكأنه دون كيشوت وهو يحارب الهواء مع مخيلته، لقد رأى العرق عقد ماسية وتحسسها في اخيلته، بدأ بجملة ظرفية ليعلن ان الذاكرة موجودة، محاولا وضع المفهوم العام للتسلسل الزمني وكذلك ليوضح ان ما فات من واقع بظرف ما، لازال ملازما له في هذا الزمن أو ينطلق معه حتى في انفاسه، واختار جملة فعلية حين تحركت هي من محض ارادتها, لان الفعلية متغيرة وليس ملازمة مثل الاسمية التي تعرف بالثبوت.
فقد بدأ فيها يصفها بالرؤية دليلاً أنه يرى العرق ويستطيع أن يستنشقه أو يراه براقاً كاللؤلؤ أو الماس الذي يكسر ضوءه في عينيه، عكس هي مالت إليه وهي قابله إلى التسريب في نهاية الامر:
تحسسي رأسك الآن
كيف ستوارين الفضيحة؟.
هل تسمعين
دبيب الخطيئة فيكِ؟.
كنت أراقب عن كثب
انتفاخ
بطانة ثوبك
النبيذي الهدل..
أجزم أنك الآن حامل
مني..
سفاحاً
بملايين الأفكار..
_وأعرف أن أفكاركم
المتعطنة
ذهبت بعيداً
يا معشر القراء..
هي انعكاس مراياكم_
تعالي نمارس سوياً
لذة الحروف..
تعري..
تعري من كل شيء..
هنا عاد طلال مرتضى ليبدأ بالمتغير، الجملة الفعلية ( تحسسي) إذ سترى في النهاية منحنى القصيدة سيتغير وأنه سيذهب معك باللذة ويقودك للمتعة معه, يرسم الخيال ليشاركك في صورة الجسد وعتابه ولذته وقسوته وجماله كلها صور يضعها بمخيلة القارئ, لأنها تركزت في مخيلته منذ تطلاعاته الأولى بصور مركبة وأخرى يصعب تركيبها من الحقيقة, فصاغها من جديد هل ترى (دبيب) وكأنك معه تشعر بتلك الحركة تسري على ذاكرتك في قشعريرة نحو ذاكرة جسد المرأة، أنها الخطيئة.. التي يعلنها في الخيال, لأنها لم تتحقق بالحقيقة، ولا يمكن تحقيقها البته، لأن الصورتين إحدهما حضن أم نساه ولم يتحقق منه شيء من دفء الحضن، والثاني جسد الحبيبة رآه وتمعن به ولصقت صورته في ذاكرته, لكن لم يلمسه فقد ذهب عنه وعندما التقاه بعد عشرين عاماً غيبه الموت القسري عنه، وكأن أزيز المدافع كان صورة أخرى بشعة، فجاء بكلمة التعري وهي للانسانية, للحياة لأن المرأة هي الديمومة للحياة, بل هي خلق الحياة وحين تغتال اغتليت الحياة، والقاتل هو من توالد منها فلا بد أن تتعرى لإظهار حقيقة الحياة التي اصبحت بشعة, بذلك التوالد المر والمؤلم. فكانت افكارهم لا تدرك ما يقول وتذهب الأفكار بعيدة حين لامس جسد وأصبحت خطيئة الافكار… تنبلج من جديد من عالم الجمال والوجود إلى عالم البشاعة والفناء:
قالت:
هبني نبيذاً صادح
العطش..
لا ينطفئ..
غن على ليلاي
وتعال
نقيم الليل رقصاً..
أسكب كأس مدامك
انزياحاً..
من بوابة التوت
ارتشافاً
حتى التقاء
المسيل..
نادى المنادي:
الله يغفر توبة
العاشق..
وحين بان الخيط الأبيض
من الصحوة..
رأيت قميصاً من نبيذ
يصلي..
يرتل..
يرقص..
ينزف طقس القصيدة.
كثيراً من استخدم النبيذ والخمر ولم يشربه كما وصفه الشاعر محمد سعيد الحبوبي، أما الأموات من ذاكرة الصورة فحالة جديدة في الشعر العربي، حين يصنع من معشوقته الراحلة مع الزمان اللامتناهي والتي تعيش في ربوع الذاكرة المغنية بذاته، لم نجده -على حد علمي- ان شاعراً تكلمت حبيبته معه وتناديه ان يسترسل بكأس النبيذ وهي من أخيلة الماضي، وربما جاءت من مخزونه الآخروي بطفولته الأولى، بأن الله سيعطي نهرا من الخمر، فقد تقوده هذه المفردة إلى ان ذاكرته تلتصق بأخيلة الجنة التي عاشها صغيراً وتربى عليها وأنه يلتقي هناك معها وهذا دليل ان الشاعر لازال في ذاكرة الألم حين يتلذذ باطياف يصطنعها وهي في زمن اليقظة وينفصل عن العوالم الاخرى ليظهر الجسد ويشاهده وهو متكئ على الاريكة أو مستلقي على نبات الحديقة, تستل إلى جسده البرودة فينتشي في بيان الخيط الابيض الذي يرتبط بمفردة النبيذ (نهر الخمر) أو العبادات لازالت ملتصقة بذهنيته أو صياغة العبارة التي لا تنفك من ذاكرته فصاغ مفردة الخيط الابيض والاسود ليعرف أن زمن الرحيل عاد وانتهى الحلم الجميل ليركن إلى الألم ووجع الروح فيكتب القصيدة.
………….
الشاعر طلال مرتضى في سطور…
– ولد في ريف حلب سنة ١٩٧٣, حيث توفت أمه وهو ابن ثلاث سنوات, عاش طفولة مرة حد السقم لا يعرف معنى لكلمة “حنان”..
علمه والده بأن الله قهار وشديد وجبار, وحين دخل المدرسة وجد ان لله اسماء غير التي عرفها, الرحمن, الرحيم, الودود..
وكذلك حين تعرف في مراهقته على أول فتاة, تلمس بأن النساء لا تتشابه, كما كان يعتقد بأن كلهن يشبهن زوجة أبيه .
ولعل اكتشافه للوجه الآخر المغاير دفعه لِ رحلة “الهروب”.
في المرة الاولى إلى دمشق حيث يعيش اخاه..
وفِي المرة الثانية حين أعاده الأخ إلى الأكبر إلى منزل الاسرة، فكانت المفارقة وسافر عوضاً عن ذلك الى بيروت.
في منتصف ١٩٨٩ دخل بيروت، وكانت منهكة من الحرب الاهلية، وكل بناها التحتية مدمرة تماماً.. فكان كالمستجير من الرمضاءِ بالنار.
ومرة أخرى اكتشف ان للحظ اسماً آخر.. غير السيء.. وذلك حين أوصله هذا الحظ الى العمل مع سيدة عجوز وزوجها المثقف الماركسي، فبدأت رحلة التزود بالمعرفة من مكتبة العائلة. وهنا تعرف طلال إلى تولستوي وتشيخوف وكثرٌ غيرهم..
باكورة نثاره كانت مشاركة له في برنامج إذاعي من دمشق “نادي المراسلة” فكانت البذرة الاولى لانطلاقة جديدة أوسع وهي الكتابة في جريدة الكفاح العربي وذلك طبعاً، بدعم من هذه السيدة التي، بها عرف صورة الأم.
طلال الشاعر الطاعن في “الهروب” بحثاً عن الوجه الآخر للحقيقة..
قاده الحب والحرب.. الهجرة والتهجير.. والغربة والإغتراب إلى النمسا.. وهناك سكن ظِله.
وظل طلال مرتضى يرسم صورة أمه من خياله، لكن صورة حبيبته هي من واقعه, بقصائد قد تشبع غرائز عقله, لكن من دون جدوى.
له: مجموعة شعرية 2009 ربيع القوافي. قراءات نقدية 2017 قراءات تُغوي الريح.
مخطوط: روايتين.. في أدب السيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى