التقارير والتحقيقات

المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا يؤكد أن الإسلام يدعو إلى الصراط المستقيم

احجز مساحتك الاعلانية

 

13654228_1154153231293441_7873661516042574025_n

بقلم \ الكاتب و المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد اللطيف
رئيس تحرير جريدة الأمة العربية ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
إن الإنسان – نظرًا لما منحه الله من نعمة العقل – لم يطبعه الله على جبلَّة مستقيمة لا تعرف الانحراف عن سننها، كما طبَعَ الحيوانات والجَمادات وسائر الكائنات على العمل حسب ما سُخِّرت له، فوكله لعقله يَستهدي به في تصرُّفاته، ويتَّخذ مِن مُدرَكاته عِلمًا يسهّل عليه من أسباب العيش ويحسّن من وسائله، ومنَّ عليه بشرائعَ سماويةٍ أوحاها إلى الصفوة المختارة من خلقه في كل جيل من أجيال البشرية؛ ليستضيءَ بنورها في قطعه مفاوزَ حياته وسلوكه إلى القربى من الخالق المُبدِعِ.

فالطريق القويم الذي يصلُ بالإنسانِ إلى الكَمالِ البشري، يكون مُحاطًا – والحالة هذه – بكثير من المُضلّلات لا يتبيَّنه الإنسانُ من بينها إلا بجهد عظيم، وقد بذلت الفلسفة والعلوم جهودًا جبَّارةً في سبيل تمييزه عن الطرق تَعترضه ذات اليمين وذات الشمال؛ لأن الإنسان مطبوع على البحث عن الطريق المستقيم، وبذل الجهد في تطلُّبه، لا يصرفه عنه إلا هوى متغلِّب، أو قصور مستحكم.

عُني الإسلام عناية خاصة ببيان الصراط المستقيم، وبالدعوة إليه، ونبَّه إلى أنه المقصود بكل ما أمر الله به ونهى عنه في كتابه الكريم؛ لأنه الطريق الموصل إلى حضرة المولى سبحانه، والوصول إليها هي غاية الغايات والثمرةُ المقصودة من جميع العبادات؛ فقال تعالى: ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴾ [الحج: 24]، وقال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1]، وقال تعالى: ﴿ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 53].

وقد امتنَّ الله – سبحانه – على رسله بأن هداهم إلى الصراط المستقيم؛ فقال تعالى في حق موسى وهارون: ﴿ وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الصافات: 117، 118]، وقال في حق خاتم رسله محمد – صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المؤمنون: 73].

ولكي يكون المُؤمنون على ذكر من صراط الله المستقيم؛ جعله مائلاً في فاتحة كتابه وأوجَبَها في الصلاة، فترى مئات الملايين في العالم يُردِّدون كلمتي الصراط المستقيم في مشارق الأرض ومغاربها مرارًا عديدة كل يوم: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفاتحة: 6، 7].

ولأنَّ السير على الصراط المستقيم هو الغاية القصوى من الحياة الدنيا؛ جعله الله مكافأة على تفانيهم في العبادة، وتهافُتِهم على الزلفى منه؛ فقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 175].

كل أهل المِلَل والنِّحَل يدَّعون أنهم على صراط موصلة إلى الكمال وإلى الله تعالى، نعم؛ إنهم على صراط ولكن بعضها انحرف أهلها عن الجادة، فصُرفوا عن صراط الله المستقيم، وتأدَّوا إلى سبُلٍ تقذف بهم إلى متاهات يضلُّ فيها العقل ويحار الدليل.

فالوصف المميِّز الوحيد لطريق الله هو أنه مستقيم لا عوج فيه، وإليه يشير الله بقوله: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]، فتوصية الله تعالى للمؤمنين أن يتحرَّوا صراطَ اللهِ من جميع الطرق التي تدفعهم شؤون الحياة لسلوكها، فالجائز لهذا الوصف المميِّز – وهو الاستقامة – هو طريق الله، وما عداه فطرق شيطانية لا تُوصِّل إلى خير.

الشرائع لا تخرج عن كونها عقائدَ وعباداتٍ ومعاملات، فإذا أردتَ أن تتبيَّن أيها على الصراط المستقيم، فتأمل هذه الأقسام الثلاثة كل على حدة، على السلوك الذي يشير إليه العقل الفِطري، ترَ أنها في باب العقائد قد اختلفَت في ذات الله؛ فمنها ما تعدَّت تعديًا صريحًا، ومنها ما جسَّمت، ومنها ما شبَّهت، ومنها ما وحَّدت المُتعدِّد، وكل هذا لا يستقيم في العقل ولا يتفقُ والعلم.

وأما في قسم العبادات فقد دسَّ فيها إلى جانب عبادة الله عبادات أخرى، فقديمًا عبد الناس أنبياءَ وملائكةً وغيرهم يزعمونهم شركاء لله، أو يَقربون إليه زلفى؛ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

وفي قسم المُعاملات تراها قد فرقت بين الطوائف وبين الآحاد على حسب ثروتهم، فأسرفت في منح الامتيازات للأقوياء، ومنع الأنصاف عن الضُّعفاء، ولا يصدر مثل هذا الظلم عن حكم عدل، فكيف عن اللهِ الحق؟

فالصراط المستقيم لا يوجد في جملة هذه الشرائع التي انحرفَت عن الجادة كما تدل عليه بداهة العقل لمن يكون غير متورِّط فيها بحكم الوراثة أو بحكم القومية أو المصلحة المادية.

فإذا وجهتَ نظرَكَ إلى الإسلام ونظرت في شريعته، لم تتمالك نفسك من القول بأن هذا هو صراط الله المستقيم حقيقة؛ لأنك تجده أمَرَك بعبادة الله مُطالبًا إياك بالدليل على وجوده من طريق النظر في آثاره، والتفكير في مَصنوعاته، والتأمُّل في أعلام الكون وبنائه، ثم يُحذِّركَ أن تتجاوَز هذا إلى الطموح لاكتناه ذاته، والتطاول لتحديد صفاته، قاطعًا بأن المخلوق يعجز أن يكتنه حقيقة الخالق، ولو توسَّل لذلك بكل ما يتخيله من الوسائل؛ ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: 110]، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11] ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103].

أما من ناحية العبادة فإن الإسلام يقودُها للخالق، لا يُشرك معه أحدًا من خَلقِه، ولو كان مُقربًا أو رسولاً مُكرمًا أو قدِّيسًا مُتبتلاً، ويَمزج فيها بين مطالب الأرواح ومصالح الأجساد بحيث يؤدي العمل بها إلى ترقية الطبيعتين، وتحصيل السعادتين.

أما من ناحية المعاملات فإن الإسلامَ فرض على أتباعه العدل المطلق والمساواة بين الأقوياء والضعفاء وبين الشرفاء والوضعاء، لا فرق بين جنسٍ وجنسٍ، ولا بين لون ولون، أو لغة ولغة، وأمر أن يُبنى على هذا الأساس كل ما يُجدِّد علاقات الناس بعضِهم ببعض، وكل ما ليس لهم من النظم، ويُوضَع من التدابير، ويتجلى هذا في قول الرسول الخالد عند رفض وساطة أسامة بن زيد: ((وايمُ الحق، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها)).

ويرى الناقد البصير أن كل ما في الإسلام مما يتعلق بالأخلاق والآداب الشخصية والاجتماعية مفرغ في أروع قوالب الحكمة، ومُتمشٍّ مع أصوله الأولية، من مراعاة العلم والعقل والحق، فهذا الصراط السوي بين تلك الصُرُط الملتوية المعوجَّة يظهر واضحًا وضوح الشمس في صحوة النهار، لا يصرف الإنسان عنه إلا جهل مُطبق أو هوى متسلِّط.

في الكتاب الكريم حضٌّ كثير على النظر في الكون والتفكُّر في مصنوعاتٍ لله فيه، والتأمُّل في آياته، ولا خلاف في أن هذا النظر والتفكير والتأمل يؤدي إلى إدراك الكثير من صفات الله؛ كالعدالة التي لا تُفلِت منها الذرة فما دونها، وكالحِكمة التي أفيضَت عليها، والإبداع الذي أفرغت في قالبه، والرحمة التي دعت إلى إيجادها، والنظام الدقيق الذي قامت عليه، وكل هذه الصِّفات يُطلب إلى الإنسان أن يتوخَّاها في أعماله ومعاملاته، وقد أمَرَنا أن نتخلَّق بأخلاقه تعالى وأن نتَّخذَ لأنفسنا مثلاً أعلى من صفاته، وقد سمَّى الحق – عز وجل – ما هو عليه من هذه الكمالات المُطلَقة بالصراط المستقيم؛ فقال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 56].

فالإسلام دعا الخلقَ إلى القيام على الصراط المستقيم؛ طلبًا لترقيتِهم وتكميلهم لا لتَعبيدِهم وتسخيرِهم، وليكن معلومًا أن كل كائن لا يتبع الصراط المستقيم بل الصراط الخاص به تتخطَّفه السبُل المُضلِّلة، فترمي به إلى مكانٍ سحيق، فيُصبح مُبعدًا عن الغاية التي خُلقَ لبلوغها، محجوبًا عن المثل الأعلى الذي دعا لاحتِذاء شاكلته، وينتهي أمره بأن يعيش حائرًا، ويموت بائرًا، لا إلى غايته وصل، ولا لطريقه الطويل تزوَّدَ.

صورة ‏خالد عبداللطيف‏.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى