شهدت مصر العديد من التجارب السلبية السابقة متمثلة فى برلمانات ما قبل ثورة 25 يناير وحتى أول برلمان جاء عقب الثورة، من دخول أعضاء إلى البرلمان ليسوا فوق مستوى الشبهات، من تجار المخدرات، ومنهم لصوص أموال الشعب، وآخرون شابتهم اتهامات أخلاقية، وكان دخول هؤلاء إلى البرلمان نتيجة لعمليات التزوير والتدليس وشراء الاصوات وتزوير إرادة الشعب عبر شراء اصوات البسطاء والفقراء، خاصة فى الدوائر الانتخابية التى تضم اغلبية فقيرة من المواطنين، وكانت الرشاوى الانتخابية، وإغداق الأموال على حملات الدعاية الانتخابية هى طريقهم تحت قبة البرلمان، فلم يتردد أى منهم فى اغداق الملايين على الدعاية، سواء من أموال مشبوهة، أو فى عمليات لغسيل الأموال، أو نتيجة الحصول على تبرعات وتمويلات سرية من رجالات مال وأعمال سواء من الداخل أو الخارج، كان من مصلحتهم الزج بهؤلاء المرشحين الفسدة، إلى البرلمان، ليحموا مصالحهم ويسيروا أعمالهم، وبهذا كان هؤلاء البرلمانيون يمثلون أشخاصا أو فئات معينة لها مصالحها الخاصة وأجنداتها السياسية والاقتصادية، ولم يكونوا قط ممثلين للشعب، ولأن الدعاية الانتخابية هى مفتاح الطريق إلى باب البرلمان، فقد وضعت اللجنة العليا للانتخابات، ضوابط مشددة تعمل على تنظيم مراقبة تمويل الحملات الانتخابية، والزام المرشحين بمبالغ الدعاية التى تحدد لها الحد الأقصى وذلك من خلال التعديلات التى أدخلت على قانون مباشرة الحقوق السياسية، وهدف القانون كما هدفت اللجنة العليا للانتخابات من خلال هذه المواد والاشتراطات إلى توفير الفرص المتساوية للمرشحين لتقديم أنفسهم إلى ناخبيهم، بصورة متعادلة، وحدد قانون مباشرة الحقوق السياسية عقوبة من يخالف ضوابط الدعاية الانتخابية والإنفاق بغرامة لا تزيد على 100 ألف جنيه، والسجن وغرامة لا تزيد على مليون جنيه لمن يتلقى دعمًا أو تمويلا من جهة أجنبية أو شخص اعتبارى مصرى، غير أن خبراء بالقانون يرون أن العقوبة المالية لا تكفى، بل يجب أن تكون العقوبة رادعة وممثلة فى بطلان انتخاب المرشح الذى يستخدم الوسائل غير المشروعة، كما وضعت اللجنة العليا للانتخابات كافة ضوابط الدعاية الانتخابية والتمويل والإنفاق على الحملات الدعائية، وذلك على أمل اتاحة الفرصة للناخبين للحكم بصورة موضوعية على المرشح، واختيار الأصلح الذى يمثلهم ويخدم الاهداف العليا أولا لأهل الدائرة، ومن ثم الأهداف الوطنية العامة، وعلى رأسها التماشى والتوافق مع الأهمية التشريعية التى سيمثلها البرلمان الجديد، والذى ستلقى على عاتقه عملية البت فى قرارات وتشريعات تصل لأكثر من 400 قرار وتشريع فى غضون اسبوعين فقط من انعقاد أولى جلساته الرسمية، وهى القرارات والتشريعات التى صدرت منذ ثورة يناير وحتى الآن وتحتاج إلى موافقة الأغلبية من البرلمان ليتم التصديق عليها.
وانطلاقا من أهمية البرلمان المقبل، وضرورة أن تكون عناصره صالحة، تتلاءم مع أهمية المرحلة السياسية التى تمر بها مصر، فى هذه الفترة الحرجة التى يتم فيها اكمال خارطة الطريق، والسعى إلى ترسيخ هيبة الدولة، واستكمال بناء مؤسسات الدولة بصورة تعيد إلى مصر استقرارها الداخلى، ومكانتها العالمية بين دول العالم كبلد يسير على خطى الديمقراطية بصورة جادة، انطلاقا من كل هذه المعايير، جاءت الضوابط فى عمليات تمويل الحملات الانتخابية، لتجنب الصورة المزرية البشعة التى شهدتها مصر فى اول انتخابات برلمانية بعد ثورة يناير فى نوفمبر عام 2011، والتى سعى خلالها الاخوان لافساد الأجواء الحيادية للانتخابات، وتقديم الرشاوى بصورة فجة لم يسبق لها مثيل إلى الناخبين عيانا بيانا لشراء اصواتهم، بل وقام الاخوان فى حينه بوضع تسعيرة لأصوات كل دائرة، تبدأ بكيلو سكر وزجاجة زيت، مرورا بمبلغ 50 جنيهاً لكل ناخب، وصولا إلى 500 جنيه فأكثر حسب قيمة الدائرة ومدى ثقلها واهميتها، ولم يتوقف الامر عند الرشاوى الانتخابية بل تم ايضا تزوير إرادة الناخبين، عبر انتشار شباب الاخوان بأجهزة الكمبيوتر فى الدوائر الانتخابية وحتى يوم الانتخابات أمام أبواب اللجان، ليرشدوا ويوجهوا الناخبين إلى انتخاب مرشحى الاخوان دون غيرهم، وكانت العملية الانتخابية ليست سوى فوضى عارمة، أفرزت برلماناً اخوانياً، حصدت خلاله الأحزاب الإسلامية مجتمعة أكثر من 70% من مقاعد برلمان الثورة، فيما حصلت الأحزاب المدنية والمقاعد الفردية وشباب الثورة على 30 في المائة فقط من مقاعد مجلس الشعب.