منشورات دار جسد (شارع المتنبي / بغداد 2021) ص 84ـ 86
شرب كأس الحزن الآخر بألم فقدان حبيبته الممزوج بحلاوة نورها الطاهر , حانت منية من قال عنها أبيها: ما رَضِيْتُ حَتّى رَضِيَتْ فاطِمَة، من أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومَن أبغضها فهو في النار،
من رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه، ومَن رضيتُ عنه رضي الله عنه . ومَن غضبت عليه ابنتي فاطمة غضبت عليه، ومَن غضبت عليه غضب الله عليه .
كابدت المرأة الطاهرة معاناة حقيقية بعد وفاة أبيها . تغلغل الحزن فيها إلى أن تجذّر .
يوما فيوما راحت تذبل الزهرة اليانعة ,. أوصت بعلها أن يكتم أمرها, ويخفي خبرها!
همست في أذن علي: اُوصيك إذا قضيت نحبي؛ فغسلني, ولا تكشف عني؛ فإني طاهرة مطهّرة, وحنطني بفاضل حنوط أبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , وصلِّ عليَّ , وليصلِّ معك الأدنى فالأدنى من أهل بيتي, وادفني ليلا لا نهارا إذا هدأت العيون ونامت الأبصار, وسرّاً لا جهاراً, وعفِ موضع قبري, ولاتشهد جنازتي أحدا ممّن ظلمني. طلبت ثيابا جديدة , دعت سلمى امرأة أبي رافع طلبت منها : هيِّئي لي ماءً. جلبت سلمى الماء , أمرتها بسكبه , اغتسلت, لبست ملابسها الجديدة , نطقت: قدموا سريري وسط البيت, استلقت عليه مستقبلة القبلة, قالت : إنّي مقبوضة الآن فلا يكشفني أحد .
تردد : يا ربّ إنّي قد سئمت الحياة وتبرمت بأهل الدّنيا فالحقني بأبي .
توضّأت, تسجَّت بثوبها,
حانت ساعة الاحتضار, انكشف الغطاء نظرت فاطمة نظرة حادّة ,نطلق لسانها: السلام على جبرائيل، السلام على رسول الله، اللهمّ مع رسولك، اللهمّ في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام.
هذه مواكب أهل السماوات وهذا جبرائيل وهذا رسول الله يقول: يا بنية أَقدمي فما أمامكِ خيرٌلك, فتحت عينيها, حركت شفتيها: وعليك السلام يا قابض الأرواح عجّل بي ولا تعذّبني, إليك ربّي لا إلى النار, أغمضت عينيها ومدّت يديها ورجليها دخلت قضت نحبها صابرة, مظلومة محتسبة .
تجمع أهل المدينة يصرخون على ابنة رسول الله, انتظروا الجنازة .
جنّ الليل, نامت العيون, هدأت الأبصار, جاء في جوف الليل نفرٌ قليل من الهاشميِّين ومن المحبّين الذين وقفوا مع علي, فشيّعوها, دفنها علي في مثواها الأخير سرا وعَفَا عَلَى مَوْضِعِ قَبْرِهَا، ثُمَّ قَامَ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ , نطق لسانه : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي، وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وَزَائِرَتِكَ وَالْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ، والْمُخْتَارِ اللَّهُ لَهَا سُرْعَةَ اللِّحَاقِ بِكَ، قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي، وَعَفَا عَنْ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ تَجَلُّدِي، إِلَّا أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّي بِسُنَّتِكَ فِي فُرْقَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ، إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ، وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ، وَهَمٌّ لَا يَبْرَحُ مِنْ قَلْبِي أَوْ َخْتَارَاللَّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مُقِيمٌ، كَمَدٌ مُقَيِّحٌ، وَهَمٌّ مُهَيِّجٌ، سَرْعَانَ مَا فَرَّقَ بَيْنَنَا،
ما لي وقفتُ على قبورِ مُسلِّمًا… قبرَ الحبيب فلمْ يرُدّ جوابي
أحبيبُ ! ما لك لا تردُّ جوابنا … أنسيتَ بعدي خُلَّةَ الأحباب