بقلم / زينة محمد الجانودي
اللّسان من أهمّ نعم الله تعالى على الإنسان، لأنّه مَلِك الجوارح، وتُرجمان الضّمائر، ومكنون الأسرار، فلولا هذا اللّسان لما استطاع الإنسان أن يحقّق مراده في معظم مجالات الحياة.
ومن أولويّات القيادة الذاتيّة، القدرة على توجيه اللّسان واستخدامه بالشّكل الصّحيح.
واستقامة اللّسان دليل على استقامة العقل والقلب، فهو وصف لشخصيّة صاحبه وماتحتوي عليه ذاته، والنّاطق الرّسميّ لأفكاره ومشاعره.
واللّسان هو ترجمان الكلام وصورته المنطوقة، والكلام هو بذرة الغرس في تربة العلاقات الإنسانيّة التي يحصد الإنسان ثمارها، فمن المنطق أن نرقى بجودة نتاجنا الكلاميّ لأنّنا نحن الزّارعون ونحن الحاصدون، فتأثير الكلمة في حياة الإنسان عظيم جدا، ويصنع العديد من التغييرات في مسار حياة الأشخاص، سواء كانت هذه التغييرات إيجابيّة أم سلبيّة، فقد تستطيع كلمة طيّبة أن ترفع إنسان إلى أعلى المراتب،وتستطيع كلمة سيّئة أن تهوي بإنسان إلى القاع.
وأثر الكلمة في الدّين هام جدا، فإذا بحثنا في جميع كتب الأديان السّماويّة، سوف نجد العديد من الآيات والأحاديث عن الكلمة، وكيف يجب علينا أن نختار الكلمة الطيّبة، وأن نتجنّب ونبتعد عن الكلمة الخبيثة في التّعامل مع النّاس.
وقد أكّد الله تعالى على فضل الكلمة الطيّبة وأهميّتها في الحياة وعلى ضرر الكلمة الخبيثة، بقوله في كتابه الكريم :{ أَلَمْ ترَ كيفَ ضربَ اللّه مثلًا كلمةً طيّبةً كشجرةً طيّبةً أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُهَا في السّماءِ}.
{ومَثَلُ كلمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ اجْتثَّتْ مِن فوقِ الأرضِ ما لَها مِن قَرارٍ}. [ سورة ابراهيم، الآية:24،26]
فكما أنّ الشجرة الطيّبة تكون دائما باسقة، وراسخة وثابتة،وتتمدّد غصونها وفروعها في الآفاق، وتكون مثمرة ظليلة، ذات نفع كبير بثمرها وفيئها، فكذلك الكلمة الطيّبة، تكاد لا تُحصى ولاتعدّ فوائدها، فهي عظيمة النّفع لقائلها وسامعها، تنشرح لها النّفوس، وتنفتح وتطيب لها القلوب، على العكس تماما من الكلمة الخبيثة التي تفسد القلوب، وتؤذي النّفوس، فلا خير ولا طيب ولا نفع فيها، ومثلها كمثل الشجرة الخبيثة، مذاقها مرّ وأصلها غير ثابت، تتشابك فروعها وأغصانها.
وقد راعى سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم هذا الجانب في الدّعوة إلى الكلمة الطيّبة وأهميّتها، والحدّ من الكلمة الجارحة التي قد تسبّب التدمير النّفسي بقوله:( اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة فإنْ لم تجدوا فبكلمة طيّبة)،وقوله:( الكلمة الطيّبة صدقة).
وقوله أيضا:( من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت).
إنّ قلوب النّاس دفاتر مفتوحة نكتب فيها ما نشاء بكلماتنا وتصرّفاتنا، وبالتّالي الكلمة الطيّبة عند قولها تحمل معها الطّاقة الإيجابيّة، وتُحدِث سعادة في القلب، وتنتشل الإنسان من أصعب حالات اليأس، وتخلق مودّة ومحبّة في النّفس، على نقيض الكلمة الجارحة، فعند قولها تحطّم القلب، وتترك بصمة مؤلمة بالذّاكرة،
و قد سميّتْ جارحة لأنّها تسبّب جروحًا حقيقيّة وضررًا بالغًا في النّفس، وتترك وشما قبيحًا في الرّوح، فالكلمات الجارحة، قد ينساها من تلفّظ بها ذات يوم، ولكن ألمها يظلّ يتجدّد في كل ذكرى أو موقف مشابه، وقد تصدر من أشخاص يفترض بهم أن يكونوا مصدر الأمان النّفسي،
فإذا به يحدث العكس، ليكونوا مصدر الألم المبرح، فعلينا أن ننتقي من حروفنا وكلماتنا الأجمل والأنقى، وأن نفكّر ونكون أكثر وعي لما نقوله، وأن لا ننطق بأوّل مايخطر في بالنا على الفور، وأن نعيد دائما صياغة الكلمة لتكون في الخير، لأنّنا نعيش وسط أناس لديهم مشاعر وأحاسيس رقيقة، ولكلّ إنسان طاقة معيّنة،
وقد يفقد القدرة على المسامحة بعد نفاذها، حتى العتاب ومافيه من وقع المرارة في النّفس، يجب أن يكون بالكلمة الطيّبة وبأحسن العبارات، حتى يكون بناءً وله قيمة ونفع، فتتقبّله النّفس وتأخذ به.
ويؤكّد العلم عن طريق البحث العلميّ التجريبيّ، أهميّة الكلمة الطيّبة في الحياة البشريّة، بأنّها تنعش النّفس، وتريح الأعصاب، وتزيل الاكتئاب،
ففي العام 1975م اكتشف العلماء أنّ دماغنا يفرز هرمون الإندروفين(Endorphins)، ويعدّ هذا الهرمون من أهمّ مسكنّات الألم التي تُفرَزُ طبيعيّا في جسم الإنسان، فهو يخفّف الشّعور بالتّعب والألم، وتعزيز الجهاز المناعي، ويحسّن مزاج الشخص، وشعوره بالسّرور.
وهرمون الإندروفين ينطلق حين نضحك، وحين تتجاوب المشاعر عندما نسمع الثّناء الجميل، والكلام الهادئ والعذب، وعلى العكس تماما يحدث عند سماع الكلام الجارح والبذيء،
فتسري في الجسد نوبة من الغضب والانفعال الشّديد، فيرتفع ضغط الدّم، وتتسارع ضربات القلب، وفي بعض الأحيان، يتفاقم الوضع، وقد يصاب الإنسان بمرض خطير أو شلل في أيّ جزء من جسمه، بسبب التغيّرات الحاصلة في الجهاز العصبيّ.
وبعد ماذكرناه من الأثر الإيجابيّ للكلمة الطيّبة و الأثر السلبيّ للكلمةالجارحة نصل إلى أنّه علينا أن ندرك مدى أهميّة قول الخير، وذلك بأن نحسن اختيار الكلمات التي تناسب المواقف، وتناسب الشّخص الذي نتحدّث معه، فإمّا أن نفعل ذلك، أو يكون الصّمت هو الحلّ الأمثل، بدلا من أن نقول شيئا يمكنه أن يُحدث ضررًا على المتلقّي،
فالكلمة الطيّبة هي العمود الفقريّ لفنّ صناعة العلاقات الإنسانيّة السّليمة، لما لها من دور عظيم في حياة الإنسان وبناء المجتمعات، وحلّ لكثير من الأزمات والمشاكل البشريّة،
فهي الرّكيزة الحيّة في الحفاظ على جوّ صالح للحياة، من السّلام والوئام، بيننا وبين أنفسنا، وبيننا وبين مجتمعنا، وبدونها لايمكن للأمن أن يستتب، ولا يمكن بالتالي للحياة أن تستمرّ وتتقدّم، لأنّ الكلمة الطيّبة تبني وتعمّر والخبيثة تهدّم وتخرّب.