أخفق مجلس الأمن الدولي مساء الأمس الاثنين في التوصل إلى اتفاق بشأن مشروع قرار لتأسيس آلية جديدة لمحاسبة وإدانة المتورطين في استخدام الأسلحة الكيميائية بسوريا ، في حين شهدت الجلسة ملاسنات بين المندوبة الأميركية نكي هيلي ونظيرها الروسي فاسيلي نيبينزيا .
واتهمت السفيرة الأميركية نكي هيلي نظيرها الروسي فاسيلي نيبينزيا بإعاقة مجلس الأمن ومنعه من التحرك لمحاسبة المتورطين باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا ، بينما دافع مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة عن نظام الأسد، وقال إنه “لا يجد دليل على تورط النظام في استخدام الأسلحة الكيميائية” .
ويكاد للمتأمل بالخبر ومن الوهلة الأولى أن يصدق نوايا واشنطن ورغبتها الملحة بمحاسبة نظام الأسد !!
وأنطلاقا من منصة أطلاق الأتهامات الأمريكية تجاه روسيا بالأمس في مجلس الأمن ، لايسعنا القول سوى بأن واشنطن ” صاحبة الأيادي البيضاء المنتشرة في عموم أرجاء العالم ” تسعى جاهدة لتعيننا على أعادة أكتشاف أنفسنا وتوضيح الطريق أمامتا ، بالأضافة إلى تركيز البيت الأبيض على تقصيرنا اللامبرر (كشعوب وحكومات ) بالتصدي لأجرام الأسد ومحاسبته على مايلاقيه الشعب السوري الأعزل من أثار مميتة نتيجة أستخدام الأخير كافة أنواع الأسلحة الفتاكة ومن بينها الأسلحة الكيماوية المحظورة دوليا !!
فواشنطن لاتكذب ؟؟
ولمن لايعلم فهناك عدة أنواع للكذب ومن أخطرها الكذب القهري ، فهل سبق لك أن تعاملت مع شخص يبدو أنه يعيش في عالم الخيال ؛ حيث أغلب ما يقوله كذب أو مبالغ فيه؟
حسناً.. إذا كان الأمر كذلك، فإنك قد تتعامل مع مريض عقلي ، نرجسي ، أو “كذّاب” فقط .. كترامب على سبيل الأيضاح .
وبرأيي الشخصي فأن الدول مثل _ الولايات المتحدة الأمريكية _ تمارس الكذب لعدة أسباب منها ..
خشية من العقاب الأخلاقي المترتب عليها جراء تعاملها النفعي مع الملفات المتأزمة ، أو لاخفاء أشياء معينة ، وأيضا لكسب ود الاخرين والسيطرة عليهم .
كما وتكذب واشنطن دائما لتكون مقبولة دوليا في حال عدم قدرتها على مواجهة الواقع ، وهنا يمارس الكذب كحالة دفاعية ضد الأشخاص المطالبين لواشنطن بأيقاف شلالات الدم ضمن منطقة جغرافية معينة أو أنهاء المجاعة في مناطق أخرى إلى ماهنالك من أزمات وكوارث تقض مضجع سكان هذا العالم ، وذلك على أعتبار الولايات المتحدة من الدول العظمى والمسيطرة على مخابز صنع القرارات الدولية .
وبمعنى أخر تقفز واشنطن كالمهرج الحزين كل مرة في مجلس الأمن وتقوم بحركات بهلوانية ترافقها الشتائم والأتهامات لكل من موسكو وبكين كنتيجة لدعم الحلفيين الصيني والروسي لنظام الأسد القابع في دمشق !!
فهل ياترى ترغب واشنطن فعلا ، بمحاصرة الأسد بالأدلة والبراهين من أجل تشكيل أرادة دولية من شأنها محاسبته جراء أعماله الوحشية ؟؟
ولمثل هذا السؤال وقع ثقيل على أذان جيش المدافعين العرب عن واشنطن ، وان تم تعميم هذا السؤال على منابر التواصل الأجتماعي ، أو لو أفترضنا جدلا بقيام دولة ما أو منظمة ما بطرح مثل هذا السؤال في مجلس الأمن أو ضمن أحدى هيئات الأمم المتحدة الأخرى كمجلس حقوق الأنسان ، لخضنا حروب طاحنة من السجالات والمناكفات ( السوبر عدائية ) تجاه بعضنا الأخر ؟؟
فلواشنطن حلفاء يقسمون عنها في حال الكذب ، ويدعمون رؤيتها وأن كانت تلك الرؤية الهستيرية تؤدي إلى قتل بعض الملايين من الأبرياء بدون وجه حق !!
ولنسقط تلك المقدمة النظرية في أحضان الواقع السوري المأساوي ، لنصل في نهاية المقال إلى أجابة محددة حول ..
هل يعتبر الكذب أستراتيجية أمريكية واضحة المعالم بالتعامل مع دول العالم ، أم أن أتهام واشنطن بالكذب مجرد أتهام عبثي عار عن الصحة ؟؟
ومهما يكن ، وعبر قراءة طفيفة للتاريخ والحاضر ، فالمؤسسات الأمريكية أو الأوروبية ، سواء كانت حكومية أو خاصة ، تمارس كل أعمالها بمهنية عالية ودقة متناهية ، بما فى ذلك الكذب والتضليل !!
والولايات المتحدة الأميركية لم تكن يوما مهتمة بالاستقرار في سوريا ، ولم تعمل بجد من أجل إيجاد حلول للأزمة تريح الشعب السوري ، فأميركا منذ البداية لم تكن مع بقاء النظام السوري ، ولم تكن متحمسة لتسلم فئات إسلامية الحكم !!
وأمريكا لم تدعم الثورة السورية في مواجهة الأسد بل قامت بخيانتها على اكثر من صعيد ، كما وأستبدلت واشنطن دورها (المنوط بها دوليا ) من مساعدة الثائرين بوجه الظلم إلى دورها المحوري بأداء لعبة رئيس النظام السوري بشار الأسد ؟؟
فواشنطن حاولت تخفيف التصعيد ، وقررت تخفيف الدعم عن المعارضة قبل بدء محادثات جنيف ، وضغطت على دول الخليج كي تخفض من عمليات الدعم العسكري للمعارضة .
ولخصت واشنطن المشهد مرارا في سوريا بأنها لاترغب بالأطاحة ببشار الأسد ، وإنما تلك التصريحات الحادة والتهديدات المباشرة التي تطلقها واشنطن ضد الأسد ماهي سوى _بالونات أختبار _ لاعادة حشد الصفوف الداخلية والدولية من حولها ولتثبيت مبدأ السطوة الأمريكية على العالم وبأنها صاحبة كلمة الفصل .
وقد حذرت الاف المرات رجالات المعارضة السورية بعدم السقوط في الفخ الأمريكي المعد لأصطياد معارضي الأسد ، وبلا جدوى !!
بل أن الأصوات المرتفعة التي حفزت المعارضة السورية على مغادرة المستنقع الأمريكي تجاوزت حدود الوطن العربي
ووصلت إلى محتلف أنحاء العالم ، ولكن على مايبدو بأن أرتهان بعض المعارضين السوريين لرغبة واشنطن وحلفائها أشد بكثير من أرتهانهم لتطلعات الشعب السوري ؟؟
وبمنظوري الشخصي ، فالمعارض الخائن أسوء بكثير من العدو الأساسي .
وهنا دعونا نذكر ، ماجاء في مقال لصحيفة ديلي تلغراف البريطانية قبل سنتين من الأن وبذات الشهر الحالي _ فبراير _ .
ففي مقال مشترك للصحيفة ، نبه سياسيان ألمانيان بارزان وهما ” جو كوكس وأوميد نوريبور ” ، إلى “ضرورة عدم ترك الولايات المتحدة تخون ثوار سوريا لأجل بوتين والأسد” ، وقالا إنه “إذا لم تقف أوروبا إلى جانب المعارضة السورية فلن يقف أحد بجانبها ، وهذا الأمر ستكون له عواقبه الوخيمة على القارة ” .
وبمقال أخر لصحيفة “إندبندنت” عام 2016 وبشهر فبراير أيضا ، دعت إدارة تحرير صحبفة الولايات المتحدة إلى حرف ميزان الحرب في سوريا باتجاه المعتدلبن ، وتختم الصحيفة افتتاحيتها بالقول: “لو تراجعت الولايات المتحدة أكثر ، فستكون قد خانت الشعب السوري ، وأدارت ظهرها للكارثة الإنسانية التي تدخل أحلك مراحلها” .
وعقب كل ماجاء في المقدمة ، فمازال البعض من معارضي النظام السوري يعول على صدق واشنطن بالوصول إلى حلول ناجعة أو مقبولة تفضي إلى أنهاء الأزمة السورية ،
وأكثر من ذلك فالبعض يستجدي واشنطن لتقديم يد المساعدة للثورة السورية ؟؟
وعبر النافذة السورية ، دعا ممثلو الأمم المتحدة في سوريا اليوم ، الثلاثاء، لوقف فوري للأعمال العدائية في جميع أنحاء سوريا لمدة شهر على الأقل للسماح بإيصال المساعدات وإجلاء المرضى والمصابين ،
ووصف بيان من المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية وممثلي منظمات الأمم المتحدة العاملة في سوريا الوضع في البلاد بأنه “عصيب ” .
كما ذكر خبراء جرائم الحرب في الأمم المتحدة، اليوم الثلاثاء، أنهم يحققون في عدة تقارير بشأن استخدام قنابل تحوي غاز الكلور المحظور ضد المدنيين في بلدتي سراقب في إدلب ودوما في الغوطة الشرقية بسوريا .
وبالعودة إلى جلسة مجلس الأمن يوم الأمس _ الأثنين _ والمتعلقة بتبني قرار بمحاسبة دمشق لأستخدامها الأسلحة الكيماوية مؤخرا ، والذي مني القرار بفشل أممي كما جرت العادة ، فواشنطن لاترغب بمعاقبة نظام الأسد على الأطلاق ؟؟ وإنما تلقي بوجبة فاسدة من الكذب الكريه الرائحة في وجه سكان العالم !!
فواشنطن عندما قامت بالهجوم الصاروخي على مطار الشعيرات فجر يوم 7 أبريل 2017 التابع لنظام الرئيس السوري بشار الأسد “باستخدام 59 صاروخ كروز من طراز توماهوك ” وبأمر مباشر ترامب ، كعقاب للأسد على أستخدام المطار المذكور في حينها بضرب الأبرياء بالأسلحة الكيماوية .
فدونالد ترامب تصرف أئنذاك دون تفويض من مجلس الأمن ولا حتى من الكونغرس ،
فمالذي تغير الأن ؟؟
وعلى خطى أنكار واشنطن الدائم للوقائع على الأرض ، ومرورا بغرف الفنادق الفخمة حيث يتواجد هناك بعض أطياف المعارضة السورية المتأملين بعودة الشرطي الأمريكي ألى حلبة الصراع السوري ، تزداد اوضاع السوريين المحاصرين من قبل القوات الأسدية وحلفائها بؤسا ومرارة .
حيث أستشهد أكثر من ستين مدنيا الاثنين في سوريا ، في وقت كثفت الطائرات الروسية والسورية غاراتها على الغوطة الشرقية بريف دمشق وبلدات في محافظة إدلب .
وأوضح شهود عيان أن طائرة روسية استهدفت مستشفى سرجة في جبل الزاوية بريف إدلب وألحقت به أضرارا كبيرة ، وذلك بعد ساعات على استهداف روسي لمستشفى كفرنبل ومركز صحي ببلدة تل مرديخ .
في حين ، قتل اليوم ما لا يقل عن 50 شخصا وأصيب العشرات في قصف جوي وصاروخي روسي سوري استهدف مناطق عدة في الغوطة الشرقية المحاصرة قرب العاصمة السورية دمشق .
وضمن السياق ذاته ، ولكي تزيد واشنطن من ضبابية المشهد السوري فقد تخلت عن حلفائها الأكراد مؤخرا وتركتهم لقمة سائغة أمام السلطان التركي الأخرق أردوغان ، ليظن الأخير بأنه قادر على مواجهة واشنطن بدعم من روسيا !!
وتكمن المشكلة الكبرى ، والثقب الأسود بالتعامل مع واشنطن بأن بعض القوى تسقط بالمستنقع الأمريكي بكل طيب خاطر ؟؟
حيث ترسل لها واشنطن أشارات مباشرة مفادها بأنها ضعيفة أو غير قادرة على المواجهة ، في حين تكون واشنطن هي من دفعت الضحية نحو الفخ ليسهل القضاء عليها !!
ولنذكر بعض الامثلة العملية ..
– فتراخي أوباما _ الرئيس الأمريكي الأسبق _ المدروس بالتدخل بالأزمة السورية هو من دفع الروس إلى الغوص بالمستنقع السوري لدرجة عدم أمكانية المغادرة بعد كم الخسائر التي منيت بها موسكو أقتصاديا وعسكريا .
– دفع واشنطن للأطراف الكردية في سوريا إلى الحدود التركية والتخلي عنهم وقت المواجهة مع القوات التركية ، هو من أطلق يد أردوغان ولسانه ليهدد واشنطن بالموت أو الرحيل عن مدينة منبج السورية ، وذلك عبر تصريح لاردوغان اليوم ؟؟ والحقيقة ليست كما يظنها أردوغان بأنه حقق النصر على واشنطن ،
فواشنطن هي من أتاحت الفرصة لاردوغان بخوض عملية ” غصن الزيتون ” في مدينة عفرين بسبب تلاقي أهداف واشنطن في ذلك الصراع بما يخدم تطلعاتها تجاه عدوها الأقليمي ” إيران ” ، وقد شهدنا بالأيام الماضية تصاعد اللهجة الإيرانية تجاه أنقرة ودعوتها لمغادرة الأراضي السوري علل الفور !!
وهنا وعقب طرح هذان المثالان ، يمكننا فهم كيفية خداع واشنطن لحلفائها وأعدائها بالوقت نفسه من أجل تحقيق أهدافها دون أن تخوض غمار المواجهة !!
عربيا فقد عملت واشنطن إلى تحريف واقع الشرق الأوسط من خلال تزييف الحقائق ، تأجيج الصراعات ، زرع بذور الشقاق ، البلطجة المعلنة .
لينتهي المقال ويظل السؤال مسافرا في فضاءات التواصل البشري ..
هل أمريكا تكذب ؟؟