اسليدرمنوعات ومجتمع

القيمة الجوهريّة ” العطاء “

بقلم: زينة محمد الجانودي
إنّ ممارسة القيم الإنسانيّة، حاجة ضروريّة للفرد وللمجتمع والعطاء قيمة من قيم الوجود الإنسانيّة ولكنّه ليس قيمة عاديّة، بل هو قيمة جوهريّة وأسمى مراحل علوّ النّفس التي تسمو بالإنسان إلى أعلى الدّرجات، فهو شجرة الحبّ ومفهوم الإنسانيّة، ولذّة روحيّة لا تنتهي، إنّه تجربة يتخلّلها الشّعور بالنّجاح.

إنّ العطاء يؤثّر على المعطي بمنحه شعورا بالرضا والإرادة والانتماء، فهو من خلال عطائه ينشر الحياة والأمل والحبّ والخير، كما يتخلّص من شوائب النّفس الخبيثة، كالتجرّد من الأنانيّة والتملّك، وتفضيل البذل على الاحتكار، وهو علاقة تكامليّة تعود بالنّفع على المانح والمتلقّي على حدّ سواء، فالمتلقّي يستفيد من العطيّة، والمانح يستفيد من فضيلة منح الآخرين.

العطاء هو المبادرة بتقديم كل ما نستطيع،حسب قدرة كلّ فرد دون مصلحة ومقابل، ودون التمنّن أو التّفاخر بذلك، وهو باب مشرّع لكلّ فئات وطبقات المجتمع، إنّه الأخلاق والرقيّ والوعي والإحساس بحاجات وآلام النّاس وإعانتهم، والشّعور بالواجب نحوهم، والعطاء ليس له أيّ حدود أو شروط، وهو أنواع مختلفة.

كالعطاء الماديّ أو المعنوي، و يكون على أشكال وصُوَر كثيرة، فإدخال السّرور على قلوب الآخرين، والسّماحة والعفو، وزرع البسمة والطّاقة الإيجابيّة، والأدب والعلم، كلّها من ألوان العطاء، حتى الكلمة الطيّبة عطاء.

كما أنّه ثقافة متوارثة، ولابدّ من اكتساب مهاراتها، فهو تمرّن وتدريب وتعليم، وأساس ذلك يبدأ من البيت، ومن المهمّ التّربية على العطاء منذ الطّفولة، وذلك بتنمية المشاركة لدى الطّفل في عمر مبكر.

منذ اللّحظة التي يبدأ فيها الطّفل بإدراك وفهم الأشياء، فقيمة العطاء ملقاة على عاتق الأهل، وذلك عندما يراهم الطّفل قدوة ماثلة أمامه يوميا في ممارسة العطاء، فيتعلّم الكرم والسّخاء بعيدا عن حبّ الاستحواذ.

فالأهل لهم الدّور الأساسي بتربية أطفالهم على الحبّ والعطاء وتعويدهم على التْعبير عن ذلك بمشاعرهم وأفعالهم للمحيطين بهم من أهل وأصحاب، كي يخرج من البيوت أجيالا من المعطين، وينتشر الحبّ والعطاء في المجتمع بأكمله.

إنّ موعد العطاء لا ينبغي أن يتخلّف عنه أحد، وخصوصا في وقت الشّدائد والأزمات، حين يشحّ النّاس بما يملكون، وتسود الأنانيّة والطّمع والاستغلال، وتُغَلّب المصالح الشخصيّة، ولكن أهل العطاء هنا يضربون موعدا مع الإيثار، ويمدّون يد العون لغيرهم، ويتسابقون للبذل ويسارعون بالخيرات، ويلبّون احتياجات النّاس، لأنّهم يشعرون بالآخرين ويشعرون بحاجاتهم، فبعطائهم تهون المصائب مهما عَظُمت، ويتحوّل اليأس إلى أمل وتفاؤل.

وتتجلّى صورة العطاء بهذه الشدائد والأزمات بصورة الانتماء للإنسانيّة وللوطن وحبّه، وشعور كل فرد بالآخر، وتحمّل مسؤوليّة العطاء التي تكون في هذه الظّروف مسؤوليّة مشتركة بين الجميع، فإذا لم نتعاضد وقت الأزمات سينهار المجتمع الذي نعيش فيه.

إنّ العطاء هبة ربّانيّة وهبها الله لعباده ورزقهم نعمة الاستمتاع بها،{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى واتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى، فَسَنُيَّسِرُهُ لِلْيُسْرَى.} [ سورة الليل، الآية: ٥،٦،٧]،فلن يكون للحياة معنى، وللتّعامل أسس، وللمشاعر روح، إن لم نسقِ مجتمعنا ووطننا بالعطاء، فالحياة تسمو بقدر مانعطي وليس بقدر مانأخذ.

رئيس النحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى