بقلم المهندس/ طارق بدراوى
النيل هو شريان الحياة في مصر أنتج سكانها ودلتاها وصنع تاريخها ولكنه كان يتحكم في سمة الحياة في مصر وفقا لمعدلات تدفق مياهه من الجنوب إلى الشمال وكان من الضرورى ترويض هذا المارد من أجل إقامة حياة دائمة ومستقرة ويانعة على ضفافه وكان أول من فكر في هذا الأمر محمد علي باشا الكبير مؤسس مصر الحديثة فسعي إلى إنشاء نظام رى دائم لتخضر وتزهر ارض مصر طوال العام لا في مواسم بعينها تتوقف علي فيضان النيل كل صيف ومن هنا جاءت وخرجت إلى الوجود فكرة القناطر الخيرية والتي بدأ بناؤها في أواخر عهده وبالتحديد قبل نهاية سنين حكمه بحوالي سنة واحدة عام 1847م واستكملت بعد ذلك في عهد خلفائه
وحتى بداية القرن التاسع عشر الميلادى كانت الأراضي الزراعية في الوجه البحرى تروى بنظام رى الحياض وبشكل موسمي كما هو الحال في الوجه القبلي وبالتالي لاتزرع فيها إلا المحاصيل الشتوية ولاتزرع المحاصيل الصيفية إلا قرب ضفاف النيل أو علي جانبي الترع القليلة المتفرعة منه وقد بذل محمد علي جهودا مضنية من أجل شق الترع ونطهيرها بإستمرار وإقامة الجسور عليها لكي يضمن رى الأراضي الزراعية حولها طوال السنة واستعان بالمهندس لينان كبير مهندسي الدولة حينذاك في وضع تصميمات إقامة القناطر الخيرية وتم وضع التصميم الأولى عام 1832م وصدر أمره بالبدء في البناء عام 1833م إلا أن الظروف لم تكن مواتية للتنفيذ الفعلي فتأجل المشروع عدة سنوات حتى تم وضع حجر الأساس يوم 9 أبريل عام 1847م وتم تسميتها حينذاك القناطر المجيدية
وتقع القناطر الخيرية على بعد حوالي 20 كم شمالي القاهرة داخل نطاق محافظة القليوبية حاليا في منطقة تفرع النيل إلى فرعيه دمياط ورشيد وبدأ المشروع بقنطرتين كبيرتين علي فرعي النيل يصل بينهما رصيف كبير ويتفرع وراء القناطر من النيل 3 ترع رئيسية كبيرة لرى الأراضي الزراعية بالدلتا والمسماة بالرياحات وهي الرياح التوفيقي لشرق الدلتا والمنوفي لوسط الدلتا والبحيرى لغرب الدلتا واستعان المهندس لينان بحوالي 1200 عامل مابين مصريين وانجليز وبلغت تكلفة البناء حوالي 2 مليون جنيه وهو مبلغ كبير بأسعار أيام البناء وتضم القناطر عدد 71 بوابة علي فرع دمياط وعدد 61 بوابة علي فرع رشيد بإجمالي 132 بوابة وكل بوابة منها تسمح بسريان المياه منها في إتجاه وبحجم معين وعرض البوابة يصل إلي حوالي 5 متر وفي عهد الخديوى إسماعيل حدثت بعض الشقوق والتصدعات في بعض عيون القناة عام 1867م بسبب ضغط المياه فوجه الخديوى إسماعيل إلى ضرورة الإسراع بإصلاح ماحدث واستعان بأكبر المهندسين في عصره وهم موجيل بك ومظهر باشا وبهجت باشا والمهندس فولر الانجليزى وتم إصلاح الخلل وترميم الشقوق والتصدعات بكفاءة تامة
وفي عام 1914م تم إطلاق إسم القناطر الخيرية عليها بدلا من القناطر المجيدية إشارة إلى الخير الذى أتي من ورائها لقرى وأراضي الدلتا الزراعية والتي تعد من أخصب الأراضي الزراعية علي مستوى العالم وقد بني محمد علي له قصرا في حدائقها حيث تتميز بوجود حدائق واسعة حولها وكان الملك فاروق يقضي به بعض الوقت وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر بنيت فيها إستراحة لرئاسة الجمهورية كان يستخدمها في بعض اللقاءات الغير رسمية مع الزملاء والأصدقاء واستخدمها من بعده الرئيس الراحل أنور السادات وكان يقابل فيها الكثير من الملوك والرؤساء والضيوف زوار مصر كما شهدت هذه الإستراحة جانبا من لقاءاته مع قادة القوات المسلحة أثناء الإعداد أخرى السادس من أكتوبر عام 1973م