أخبار مصر

… القمح الأوكرانى … … ومبارك ويوسف والى …

كتب.. المستشار مختار نوح

متابعة..ناصر ميسر

من التجارب التى يجب أن يستفيد منها جيل جاء بعد جيلى – أن كنت أصغر عضواً فى البرلمان عام 1987 .. وكانت أول تجربة برلمانية لشخصى الضعيف النحيف الصغير قليل الخبرة والذى لم يتجاوز الثلاثين من عمره – إلا ببضعة أشهر سمحت لى بدخول البرلمان إذ كان الحد الأدنى وقتئذ لعمر العضو فى البرلمان هو أن يكون عمره أكثر من ثلاثين عاماً ..

وقدم الدكتور/ رفعت المحجوب بعد جلسات الإجراءات أول إستجواب فى هذا البرلمان وكان عدد أعضاء المعارضة قرابة المائة عضواً من أحزاب الوفد والأحرار ومن جماعة الإخوان المسلمين التى كان يسمح لها مبارك بالعمل السياسى والإجتماعى والقيادى أيضاً فى مصر طوال ثلاثين عاماً أو يزيد بعد السادات طبعاً الذى سلم الإخوان والجماعات الأخرى مفاتيح مصر ..

وكانت أول الإستجوابات هو إستجواب النائب “علوى حافظ” وهو لمن لا يعرفه هو أحد الضباط الأحرار المشهود له بالذكاء والخبرة السياسية إلا أن الإخوان لا يكنون له أى مشاعر طيبة إذ كان “علوى حافظ” واحد من الذين إقتحموا مبنى الإخوان فى منطقة “الحلمية الجديدة” وشارك فى حملات القضاء عليهم بمقتضى إيمان الضباط الأخرار بحتمية التخلص من فكر الإخوان المسلمين بعد ثورة 1952 ..

ولأنه كان عضواً بحزب الوفد وقت الإستجواب فلم يتحمس له إلا القليل من أعضاء المجلس وجميع أعضاء حزب الوفد طبعاً ..

وبدأ الرجل فى عرض الإستجواب وكأنه يقرأ آفاق المستقبل وأخذ يستعرض حيثيات حكمه على نظام وفكر حسنى مبارك وعلى شريكه “يوسف والى” ..

و”يوسف والى” يا سادة كان “النائب الأول” لرئيس الوزراء وكان أكبر رأس فى الحزب الوطنى بعد “مبارك” .. ويأتى حسب ما أظن قرار تعيينه كوزير من أمريكا وإسرائيل وأذكر أنه كان قد تأخر تشكيل الوزارة ذات مرة فى عهد “مبارك” لعدة أسابيع بسبب غضب الدكتور/ يوسف والى من أنه لم يتم تعيينه كرئيس للوزراء واعتكف فى بيته ولم يعد إلى الوزارة إلا بعد أن أشار إليه حكم المحكمة الجنائية فى قضية رشوة وزارة الزراعة والحبوب المسرطنة والرشوة الجنسية الشهيرة وكما يقول المثل “ما بين الفاسدين حساب”… ولكن المهم هنا هو أنه قد تم تسوية الأمور بعدها و “الحدق يفهم” ..

ولا تتعجب أيها القارئ فأنا شخصياً علمت إسم وزير المالية ذات مرة من السفير الأمريكى قبل تعيينه بشهر كامل فى عصر “مبارك” إذ كان قد أخبر به موكلتى المصرية ذات الجنسية الأمريكية حينما ذهبت لتشتكى له وزير المالية فأخبرها السفير أنهم سيغيروه خلال أسابيع وأخبرها بإسم الوزير الجديد .. ثم هى قد أخبرتنى به .. أى والله العظيم هذا حصل .. ونشرت إسمه بين كل أصدقائى فظنوا أنى عالم ببواطن الأمور ..

المهم يا سادة نعود إلى إستجواب النائب “علوى حافظ” ضد المتهم “يوسف والى” .. فقد إتهمه “علوى حافظ” بأنه يتآمر لصالح إسرائيل وأمريكا ويفسد المحاصيل القومية ويهدر زراعة القمح ويزرع بدلاً منه “الكانتلوب” الذى يستورده من إسرائيل ويستورد .. شتلاته .. وغير ذلك كثير ..

.. ولمدة ساعة من الحديث الممتع ومن العرض الشيق .. أنهى “علوى حافظ” إتهامه لــ “يوسف والى” ويمكنكم محاولة العثور على مضابط الجلسات عام 1987 وقد كان هو الإستجواب الأول فى هذا البرلمان ..

وقد تابعت هذا الإستجواب بدقة شديدة لأنى كنت أعد العديد من الإستجوابات لكى أتهم نظام “حسنى مبارك” فحدثتنى نفسى أن أتدرب على يد هذا النائب النابه الذى لم أكن أعرفه من قبل وكذلك لم أعرفه من بعد فقد مات علوى حافظ قبل أن تنتهى هذه الدورة من البرلمان ..

المهم يا سادة أنى لا أحب أن أصدمكم كثيراً فلن يمكنكم أن تصدقوا ما قاله “يوسف والى” ذلك أن المتهم قد أقر بالجريمة بل وبررها ..

وتعجب “يوسف والى” من عقول المصريين التى تطالب بزراعة سلعة تتكلف “خمسة قروش” بينما إستيرادها يتكلف “ثلاثة قروش” وهذا هو نص التعبير الذى إستخدمه “يوسف والى” وقتئذ وافتخر المتهم بجريمته وبأنه لن يزرع القمح أبداً ..

وعبساً حاول النواب أن يشرحوا لوزير زراعة مصر المحروسة أن القضاء على زراعة القمح إنما هو القضاء على سلعة إستراتيجية وعلى أمن بلاد كانت هى خزانة القمح العالمية.. ولكن دون جدوى فــ “يوسف والى” قد تم ضبطه وبرمجته للقضاء على زراعة القمح .. وكان “حسنى مبارك” وشركاه بالطبع يوافقون على ذلك .. ولم يخرج عن هذه المنظومة إلا المشير/ محمد عبد الحليم أبو غزالة وقد كان مكروهاً من كثير من الوزراء بل وأكاد أن أجزم أنه كان مكروهاً أيضاً من “حسنى مبارك” نفسه ولكنه كان محبوباً من الشعب كله .. بل وأعتقد أن الشعب لم يجمع على حب أحد مثلما أجمع على حب وزير الدفاع “محمد عبد الحليم أبو غزالة” وسنعود إليه قريباً مرة أخرى..

المهم يا سادة وفى حديث تليفزيونى .. أبدع فيه وزير الدفاع “أبو غزالة” وقتئذ بالورقة والقلم والحساب ودافع عن وجوب الإكتفاء الذاتى من القمح فى مصر .. وأن إهمال زراعته جريمة ..

ولكن الحال استمر من سئ إلى أسوأ .. واستمر “يوسف والى” فى القضاء على زراعة القمح .. بل وإهدار الرقعة الزراعية كلها .. حتى أنقذنا الله فى 30/6 ..

والآن يا أبناء الجمهورية الجديدة .. عليكم أن تكملوا الجمل الناقصة فى خريطة مصر وأن تقوموا بواجبكم فى شرح تفاصيل عملية إنقاذ مصر من اللصوص والأعداء .. فقد بدأ “السيسى” ببناء الصوامع العديدة وأتبعها بعملية التخزين الصحيحة .. ثم عرج على إنقاذ وعلاج نزيف الأرض الزراعية وإنتهى إلى زراعة ملايين الأفدنة الجديدة بالقمح .. لأنه علم منذ اللحظة الأولى أن القمح أمن قومى .. وأن قرار القائد المصرى لابد أن يعبر عن مصلحة مصر وليست مصالح أخرى..

يا سادة لقد أنقذكم رب مصر من مجاعة … فاشكروه .

زر الذهاب إلى الأعلى