أتذكر، دوماً، مقولة مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، عندما سئل عن أسباب نجاحه في تطوير بلاده، وإحداث طفرة اقتصادية كبيرة بها، عندما قال إنها قصة التنمية البشرية بجناحيها؛ الصحة، والتعليم، فشعباً بلا صحة ليس قادر على البناء، وشعباً بلا تعليم ليس قادر على التطوير.
وهو ما بقي عالقاً بذهني حتى عندما صرت محافظاً للأقصر، إذ جعلت روتيني، اليومي، حضور طابور الصباح، في الساعة السابعة والنصف صباحاً، في أي من مدارس المحافظة، لمتابعة بداية اليوم الدراسي، يليه التوجه، بعده، لأي من المستشفيات للتعرف على المشاكل التي يواجهها المواطن الأقصري.
واعترف أنها كانت من أعقد المشاكل، في ظل ضعف الإمكانات، وتردي حال المستشفيات، وسوء الظروف التي يواجهها الأطباء وأطقم التمريض، مع تدني دخولهم، وأذكر أن الدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء، حينها، خلال أحد زيارته للأقصر، أصدر تعليماته بزيادة مرتبات الأطقم الطبية، وهو ما كان بداية جيدة، رغم أنها لم تكن كافية.
وكان من أصعب المشاكل التي واجهتها، وأنا محافظ، هو علاج فيروس سي، الذي كانت تكاليفه تصل، آنذاك، لنحو 13 ألف جنيه للمريض الواحد، وهو ما لم يكن في مقدور أغلبية المرضى، فتبدأ رحلة الخطابات المتبادلة لاستصدار قرار، من مجلس الوزراء، بالعلاج على نفقة الدولة،
وكان منهم أحد كبار رجال الدولة في الأقصر، الذي علمت عن إصابته بذلك الفيروس، وعدم قدرته على تحمل تكاليف العلاج، ويمنعه حياءه، وهو في ذلك المنصب، من طلب العلاج على نفقة الدولة، فرفعت عنه الحرج، بالتصدي للموقف واستصدار القرار له.
تذكرت كل تلك الأحداث وغيرها، عندما قرر السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، علاج جميع مرضى فيروس سي، في مصر، بالمجان، على نفقة الدولة، وقراره الأخير أن يتم القضاء على ذلك المرض في مصر خلال العام الجاري.
ولا أظن أنه قد يختلف معي أحد، أن ذلك القرار كان واحداً من أعظم وأهم القرارات، التي كفلت للمواطن المصري كرامته وأمنه الاجتماعي والصحي، والتي ستدون في تاريخ مصر بأنها من أعظم الإنجازات في عهد الرئيس السيسي، ضمن حزمة من المبادرات الصحية، منها منظومة التأمين الصحي، لكل مواطن، والتي سنفرد لها حديثاً منفصلاً في القريب، لما لكل ذلك من انعكاسات إيجابية على نمو مصر ورفعتها … ولا يسعني إلا قول أن القضاء على فيروس سي ملحمة مصرية بكل المقاييس.