عادل شلبى
بينما نقترب من وداع شهر رمضان المعظم، وانتهاء الأعمال الدرامية الرمضانية … آسف واعتذر … أقصد الإعلانات الممزوجة بالأعمال الدرامية … رأيت أن أتحدث عن واحد من أهم الأعمال الرمضانية، التي عرضت هذا العام، وهو مسلسل “القاهرة كابول”، الذي تناول، لأول مرة، أيدولوجيات الإرهاب الديني المتطرف، المولود، في العصر الحديث، بين جبال أفغانستان وسهول كندهار، فكانت فرصة للمشاهد، المصري والعربي، أن يتعرف بعض من تلك النماذج الإرهابية.
ولعل من غرائب القدر أن يصدر الرئيس الأمريكي، هذا الأسبوع، قراره ببدء انسحاب القوات الأمريكية، وقوات الناتو من أفغانستان، على أن ينتهي ذلك في 11 سبتمبر القادم، تاركاً الساحة للتساؤل عما إن كانت أفغانستان ستعود
كما من قبل منبعاً للفكر المتطرف والإرهاب.
وأبدأ تحياتي للمنتج تامر مرسي، الذي تصدر لهذا الفكر، من خلال عدة عمالقة للقيام على هذا المسلسل، أولهم الكاتب المبدع عبد الرحيم كمال، الذي رسم شخصيات هذا المسلسل من خلال أربعة أصدقاء، فشعرنا بامتداد لمدرسة العمالقة الراحلين أسامة أنور عكاشة والراحل وحيد حامد، في العرض الجريء لآراء هذه العناصر الإرهابية من الإسلام المتطرف، وأسلوب الرد عليها، ودحضها بالعقل تارة، وبالفكر الإسلامي المعتدل تارة أخرى، على لسان عم حسن، مدرس التاريخ، الذي جسد شخصيته ببراعة، وبساطة، الفنان العملاق نبيل الحلفاوي، ليضيف لسجل أعماله،
واحداً آخر من أعظم أدوار تاريخه الفني. أما العملاقة الثانية فهي منال، الابنة المصرية الأصيلة، بكل ما تحمله الأصالة من معان، والتي قامت بدورها الفنانة المبدعة حنان مطاوع، المعتمدة في شهرتها على إتقان عملها، والتفان في أدوارها، وليس بالاعتماد على شهرة والديها، حتى شعرت، طوال حلقات المسلسل، وكأنها ابنتي، أو أختي الصغيرة سناً، والكبيرة مقاماً.
وبالنسبة للأصدقاء الأربعة الذين نُسجت حولهم خيوط العمل الدرامي،
فقد أبدع كل منهم بطريقته الخاصة، بدءاً بالفنان أحمد رزق، الذي على الرغم من صغر حجم دوره، في الحلقة الأولى، إلا أنه كان عملاقاً، ترك بصمة كبيرة على المسلسل بأكمله.
أما الفنان فتحي عبد الوهاب، الذي أبدع في تقديم شخصية الإعلامي طارق كساب، بكل تفاصيلها، كأحد الشخصيات أو النماذج، المنتشرة، ليس في الشارع الإعلامي المصري، فحسب، وإنما في كل أنحاء العالم.
وكعادته كان الفنان خالد الصاوي، السهل الممتنع، الذي أدى دوره ببساطة مركبة، ذكرتني بعظمة أداء الكبير محمود المليجي في دور أبو سويلم، بفيلم الأرض، فوجدتني أصفق في كل مشهد له. وأخيراً، الإرهابي رمزي، الذي قدم شخصيته ه بكل معان الإبداع والإتقان والحرفية، المبدع طارق لطفي،
حتى عشنا مع الشخصية، حسب وصف فنان الكاريكاتير عمرو فهمي، فلم نعرف إن كان هذا طارق لطفي أم الإرهابي. لقد أبدعت يا طارق يا لطفي في أعظم أدوارك الفنية، وبصوتك المؤثر، ونظرات عينيك، وحركات يديك كلها، جعلتني أظنك أحد رؤوس الإرهاب والتطرف الديني.
لم تنته قائمة العملاقة في هذا العمل الدرامي الناجح، فقد سعدت بقدرات المخرج حسام علي، بعدما ظننت أن زمن المخرجين العظماء قد ولى، ولم يعد لدينا من الأجيال الجديدة من يقدر على تقديم مثل تلك الروائع،
فإذا بهذا العمل يقدم لنا مخرجاً جديداً متميزاً، أمسك بزمام الأحداث، فلم نشعر في لحظة بأي ملل في سرد الأحداث، ولم نفقد التسلسل والخيط الدرامي في العمل، ووفق بشدة في مشاهد “الفلاش باك” التي مزجت الماضي بالحاضر، فضلاً عن نجاحه في إظهار الشخصية المصرية التي تتصدى لهذا الفكر الإرهابي، والتطرف الديني بفطرتها السليمة.
كما أبدع الفنان خالد داغر في الموسيقى التصويرية للعمل الدرامي، وعبر عن تتابع المشاهد بتنوع استخدامه للألأت الموسيقية، وهو ما يجعلني أظن أنه شاهد العمل الدرامي، أولاً، قبل البدء في تأليف موسيقاه التصويرية، وهو ما جعله يخرج بهذه الصورة الرائعة، المتكاملة.
وإن كنت لم أذكر باقي أسماء طاقم العمل، فلا يعني هذا عدم تقدير جميع أدوارهم، بلا استثناء، بل على العكس، لقد استمتعت بكل مشهد، ولن تكفي السطور للإشادة بهم جميعاً، ولكني أسأل نفسي …
وماذا بعد؟ لقد قدمنا عملاً فنياً رائعاً، فكيف نعظم الاستفادة منه، خاصة وأنه عرض وسط طوفان من الأعمال الدرامية، والإعلانات، ولم يتح للكثير مشاهدته، أو متابعته، بما يستحقه من تركيز.
لذا أقترح، وأطلب، أن يتم تجميع مشاهد هذا المسلسل، في صورة فيلم لمدة ساعتين، دون الإخلال بأحداثه، ليتم عرضه في مراكز الشباب، وقصور الثقافة، وفي الجامعات والمدارس المختلفة، لأن قيمة هذا المسلسل تمتد لما وراء إبداع جميع الفنانين، والقائمين عليه، إلى قيمته في توعية شباب مصر، وهم في مقتبل العمر، في ظل عالم مفتوح، تتقاذفهم فيه أفكار السوشيال ميديا الخاطئة، والأفكار التي يروج لها المتطرفون.
لقد سلط هذا العمل الدرامي الضوء على أمثلة كثيرة للأفكار المغلوطة، التي يتناقلها بعض العامة، دون بحث أو تفكير، ورد عليها بالحجة والبرهان، في وقت نحتاج فيها جميعاً للتوعية المستنيرة القائمة على العلم والفهم الجيد لصحيح الإسلام، لنتعاون جميعاً في بناء مصر والابتعاد عن تلك الأفكار الهدامة. فمرة أخرى، تحية لهؤلاء العمالقة الذين قدموا لنا عملاً رائعاً، أكدوا من خلاله على أن القوى الناعمة المصرية، ستظل دائماً هي الأقوى في العالم العربي.