اسليدرالأدب و الأدباءالثقافةالمرأةحصرى لــ"العالم الحر"شاهدت لكقرأت لك

الفنار / القصة التي أعجبت نقاد مصر للأديبة المتميزه امل البنا

كتبت امل البنا 

الفنار


تزحف كتل السحب الداكنة في موكب جنائزي ،بينما الريح العاصف يقذف الموج ليضرب الشاطيء والصخور المتاخمة للفنار،مر بيده المرتعشة علي جبينه عابرا”الرواق المؤدي إلي الحجرة التي يجلس بها رفيقه،وجده ما زال منهمكا”في اصلاح الراديو الذي بدأت اصوات صفيره في التصاعد عبر الأثير،متبرما”يلقي بأجزائه المفككة فوق المنضدة قائلا”في سخط :لا فائدة..لا فائدة..اللعنة ،سبعة أيام في هذا الدوام اللعين،لاأسمع فيها لإنسان ،غير صليل الريح،وطبول الموج التي تبتلع الشاطيء وأنا عالق هنا ..وأنت أيها الأبكم،لم َجاءوا بك إليّ؟ ،لمَ؟،أتشاركني الأفق البغيض لنهدي السفن ؟،أم أشاركك اللعنة التي اصابتك صغيرا”
يزوم في سورةٍ قاذفا”بالأجزاء المتبقية أمامه إلي الأرض ،يعدو بعدها مسرعا” نحو النافذة الزجاجية يفتحها ،يتضخم في أذنيه صليل الريح ،يطبق بكلتا يديه علي أذنيه صارخا” :أريد صوتا” ينطق إلي جواري ،صوتا” ينطق إلي جواري
كشبح مغاري خمدت طاقته بالكهوف الغارقة يرتمي إلي الأرض، بينما يداه تتعلقان إلي النافذةأعلي رأسه… يقف الآخر مبهوتا”مراقبا”له،يتجه في هدوء إلي النافذة يحررها من يديه ،ليغلقها،يتراجع مثقلا”إلي المنضدة يجمع فوقها الأجزاءالمبعثرة ،ينظرإليه بطرف عينيه قائلا”:أيها الأبله ألم تفهم بعد ،أنه لم يعد يجدي معه شيء،يبدو أن لا عقل لك أيضا”
يعاود جمع الأجزاء الملقاة ، بعدها يذهب إلي النافذة الخلفية ،يلصق وجهه بها ،يتتبع أضواء الميدان البعيد والمنازل المتاخمة له ،تسرب إلي قلبه الذائب اصداء مرارات بعيدة…تمتد أصابعه النحيلة للوصول إلي نافذة الحافلة المكتظة التي يستقلها مع أبيه،منعته الجموع التي لم تكترث به أو برغبته لأن يرقب الطريق ..يتراجع مهرولا”كلما اجتمع مع الصبية في الساحة للعب،يطبقون عليه بلاذع القول كلما تقدم بأهدافه عليهم ،حتي لا يجد غير الانسحاب سبيلا”..يتذكر اليوم الذي فاضت به دموعه الجارفة وهو يري الفتاة التي أحبها تعبر الطريق في يد أحد أصدقائه.ذهب بعدها إلي الشاطيء يلقي أحجارا”في وجه الريح العاصف ،غامت عيناه في رذاذ الموج.كلما أطبق علي حجر ،استمع إلي صوت الصبية الملاحقين له وهم يسخرون من عاهته.وقف متجمدا”عندما اكتشف ذاك الشخص الذي يختفي رويدا” وسط الموج ،تلفت حوله متراجعا” ،أخذ يعدو ولم يعثر علي أحد،عاود النظر إليه فلم يجد غير الموج ،الموج فقط
أفاق علي صرخة هستيريةلرفيقه جعلته يركض إليه ليتسمر إلي جوار المنضدة المتناثر عليهاالقطع المفككةو بعض خيوط لأشغال الإبرة،وجده يقف أعلي النافذةالتي فتحها،يأتي بحركات مارد تنفض الريح ثيابه الخرقة قائلا”:أتعلم أننا لا شيء،لاشيء أيها الأبله
أخذ يضحك في هستيريةمتنامية اصطكت معها أسنانه المرتجفة مع صليل الريح
قال:خائف أنت مثلي ،أري ذلك في عينيك..مسخ اّخر يجبن بالحياة
هم للانطلاق إليه،استوقفه قائلا”:إياك أن تتقدم خطوة و إلا قذفت بنفسي ،أخذ يضحك صائحا”:أتراك تشفق عليّ؟ ،أم تشفق علي نفسك إذا وجدوني ملقا” علي الصخور هنا.. أيها الأبله أنت حتي لن تستطيع الدفاع عن نفسك
ترنح إلي خارج النافذة وهو ممسكا”بها،واختفي للحظة عاود بعدها البزوغ في جلبة شيطانية
قال:أتحب أن أعاود اللعبة ؟.حسنُ،ستري أي مصير سوف أصحبك إليه أيها الرفيق
ترنح إلي الخارج مرات،في كل مرة كان يضحك ضحكته الصاخبة التي تنقلها الريح كلما مضي مع أزيز النافذة…لحظات انقضت ،ارتدت بعدها النافذة إلي مكانها بقوة الريح،انطلق إليها عبثا” يحاول الوصول إلي صوت له ،لا صوت غير الريح…هم إلي الهاتف يمسك به ، بينما اشارات سفينة بالأفق تقتحم الظلام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى