في السنوات الأخيرة، ظهرت تقارير واسعة النطاق تكشف عن الفساد المنهجي داخل البنوك والمؤسسات المالية في إيران. وفي قلب هذا الفساد يقف أفراد النظام ومؤيدوه، والعديد منهم يشغلون مناصب رئيسية في مجالس إدارة هذه البنوك. ويستغلون النظام المالي للبلاد، ويسحبون ودائع المواطنين العاديين لتحقيق مكاسبهم الشخصية.
فضيحة تتكشف
في 14 سبتمبر 2024، نشرت صحيفة “اعتماد” الحكومية تقريرًا صادمًا. وكشف التقرير أن تسعة من أصل 29 بنكًا ومؤسسة ائتمانية في إيران دفعت ما مجموعه 156.75 مليار تومان لـ 44 عضوًا في مجالس إداراتها في العام السابق. هذا يعني أن كل عضو في مجلس إدارة هذه البنوك حصل على متوسط 3.56 مليار تومان.
ورغم أن هذا التقرير يركز على تسعة بنوك فقط، فإن من السذاجة افتراض أن البنوك الـ 21 المتبقية خالية من الفساد. القروض والأموال التي يتم تحويلها إلى الداخلين في النظام في هذه المؤسسات، رغم أنها قد تكون أقل حجمًا، تعكس الفساد المنهجي الأوسع.
تغيّر الأرقام وثبات الفساد
وفقًا لتقارير إعلامية مختلفة، يوجد حاليًا 29 بنكًا ومؤسسة ائتمانية نشطة في إيران. ومع ذلك، فإن هذا الرقم يتقلب بشكل متكرر. وفي عام 2019، على سبيل المثال، أعلن النظام عن وجود 34 ثم 37 بنكًا ومؤسسة مالية. هذه التناقضات ليست صدفة، بل تشير إلى جهود متعمدة لطمس الطبيعة الحقيقية للنظام المصرفي.
العديد من هذه البنوك هي في الواقع منظمات واجهة لفيلق الحرس (IRGC) ووزارة المخابرات. وتخدم هذه البنوك كقنوات لغسل الأموال ونقل الأموال إلى وكلاء النظام ومرتزقته في الخارج. ولتجنب الكشف من قبل وكالات مكافحة غسل الأموال الدولية، تقوم هذه البنوك بتغيير أسمائها أو الاندماج مع مؤسسات أخرى بشكل متكرر، مما يخلق شبكة من الخداع المالي.
صعود البنوك الخاصة — أو هكذا يبدو
أفادت وسائل الإعلام الحكومية في إيران أنه بحلول عام 2017، كان هناك ما لا يقل عن 20 بنكًا خاصًا مرخصًا في البلاد. ومع ذلك، كان يُعتقد أن العدد الحقيقي للبنوك غير المرخصة — المؤسسات المالية السرية التي أنشأها المقربون من النظام — كان أعلى بكثير. وذكرت صحيفة “دنياي اقتصاد” في 24 أبريل 2018 أن البنك المركزي نشر قائمة تضم 42 بنكًا ومؤسسة مالية معتمدة، بما في ذلك العديد الذين كانوا لا يزالون في عملية الحصول على التراخيص.
من الأمثلة البارزة هو اندماج بنك “مهر اقتصاد” مع بنك “سبه” في عام 2020. واستوعب بنك “سبه”، وهو مؤسسة مملوكة للجيش، عدة بنوك عسكرية أخرى، بما في ذلك بنك “حكمت”، كجزء من جهد أوسع لحماية هذه المؤسسات من الرقابة الدولية. من خلال دمج هذه البنوك، سعى النظام إلى حمايتها من المصادرة المحتملة من قبل الهيئات الدولية لمكافحة غسل الأموال.
دمج البنوك العسكرية مع بنك سبه
في أغسطس 2020، أعلن رئيس البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، أن جميع البنوك المملوكة للجيش ستندمج في بنك “سبه”. شمل ذلك مؤسسات مثل “أنصار”، “قوامين”، “حكمت الإيراني”، “مهر اقتصاد”، و”مؤسسة كوثر الائتمانية”. كانت هذه الخطوة محاولة واضحة لتوطيد سيطرة النظام على مؤسساته المالية وتجنب التدقيق الدولي.
السيطرة على البنك المركزي
في 31 أكتوبر 2022، أفاد الموقع الحكومي “اقتصاد” أن مجلس الفقهاء قد سيطر على البنك المركزي. وعزز هذا التطور بشكل أكبر الارتباط بين النظام المالي الإيراني والوليالفقیة للنظام، علي خامنئي. مع وجود النظام المصرفي بأكمله الآن تحت السيطرة المباشرة للنظام، يتم توجيه القرارات المالية بما يخدم مصالح النخبة الحاكمة بدلاً من تلبية احتياجات الشعب الإيراني.
وهم البنوك الخاصة
على الرغم من ظهور قطاع مصرفي خاص، فقد صرّح الخبراء داخل النظام مرارًا وتكرارًا بأنه لا توجد مثل هذه المؤسسات في إيران. وفي 30 ديسمبر 2023، ظهر سعيد ليلاز، وهو اقتصادي بارز، على التلفزيون الحكومي وأعلن بصراحة: “أنا لا أعتبر البنوك الإيرانية خاصة؛ جميع البنوك الإيرانية حكومية. ليس لدينا بنوك خاصة”. وواصل شرح أن النظام يمنح ما يسمى بالبنوك الخاصة لمواليه، مما يضمن أن كل مؤسسة مالية تبقى تحت السيطرة الحكومية.
البنوك كشركات استثمار
في 11 سبتمبر 2024، ردد الموقع الحكومي “بهار نيوز” تصريحات ليلاز، مشيرًا إلى أنه “لا يوجد شيء يسمى بنكًا في إيران”. بدلاً من ذلك، وصف الموقع هذه المؤسسات بأنها شركات استثمار تستخدم ودائع الناس للمشاركة في مشاريع ربحية، وكل ذلك تحت ستار الخدمات المصرفية. تعمل هذه البنوك كشركات خاصة للمقربين من النظام، وتحقق أرباحًا ضخمة، وتتفادى الضرائب، وتوفر قروضًا طويلة الأجل وبفوائد منخفضة لأنفسهم.
قبضة البنوك على اقتصاد إيران
تسيطر بنوك إيران على قدر هائل من الاقتصاد الوطني. فهي المستثمرون الأساسيون في العديد من الصناعات الأكثر قيمة في البلاد، بما في ذلك العقارات وإنتاج الصلب والبتروكيماويات. لقد احتكرت هذه البنوك سوق الإسكان وتسيطر على قطاعات رئيسية من سوق الأسهم الإيرانية، غالبًا نيابة عن الحرس ومقر خاتم الأنبياء للبناء.
في 30 ديسمبر 2023، أوضح ليلاز على قناة التلفزيون الرابعة أن صناعات إيران، بما في ذلك قطاعات الصلب والبتروكيماويات، يهيمن عليها مؤسسات حكومية أو شبه حكومية. ووصف هذا النظام بأنه “أوليغارشية مالية فاسدة” تتغلغل في كل جانب من جوانب اقتصاد البلاد. كما أشار ليلاز إلى أن افتتاح أي عمل بسيط في إيران يتطلب اجتياز متاهة من المؤسسات الحكومية، التي تطالب جميعها بنصيبها من الأرباح.
ممتلكات البنك المركزي العقارية
بالإضافة إلى هيمنته على القطاعات المالية والصناعية، يمتلك البنك المركزي الإيراني كميات هائلة من العقارات. واعترف همتي أنه تحت قيادته، امتلك البنك المركزي حوالي 20,000 عقار، مع وجود 10,000 منها شاغرة. هذا الحيازة العقارية الضخمة هي شهادة أخرى على سيطرة النظام على الاقتصاد.
انتفاضة الشعب ضد الفساد
لقد حول خامنئي وحلفاؤه السياسيون النظام المصرفي الإيراني إلى إمبراطوريتهم الشخصية. تخدم بنوك البلاد كعمود فقري مالي للنظام، مما يثري قلة مختارة بينما يعاني غالبية الإيرانيين من سوء الإدارة الاقتصادية والفساد. ليس من المستغرب، إذن، أنه خلال انتفاضات الشعب الإيراني، أصبحت البنوك واحدة من الأهداف الرئيسية للغضب العام. يدرك الناس أن البنوك ليست مؤسسات محايدة، بل هي أدوات لفرض السيطرة الاقتصادية للنظام.
في الختام، فإن الفساد في القطاع المصرفي الإيراني ليس حالة شاذة، بل هو انعكاس للمشاكل الأوسع التي تعصف بالنظامين السياسي والاقتصادي في البلاد. وطالما استمر النظام في السيطرة على البنوك، ستظل الإصلاحات الجذرية أمرًا مستحيلًا.